وجوب الحجاب ليس خاصاً بأمهات المؤمنين
السؤال: 146360
يقول الله تعالى : ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ) قرأت في ترجمة للقرآن الكريم موثوق بها أن هذه الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل هذا صحيح ، وهل تدخل نساء الأمة في هذه الآية ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
سبق في الموقع ذكر الأدلة الدالة على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة ، كما في
أجوبة الأسئلة التالية : (11774)
، (21536)
، (13998)
.
ثانياً :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب : 53 ، هل هي شاملة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،
وغيرهن من النساء ، أو هي خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، على قولين :
القول الأول : أن الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فالحجاب الكامل
واجب عليهن دون غيرهن من النساء .
قال ابن عاشور رحمه الله في “التحرير والتنوير” : ”
وهذه الآية هي شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين ” انتهى .
وقال أيضاً : ” وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها من قوله : ( يا نساء النبي لستن
كأحد من النساء ) الأحزاب : 32 ، تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين ، المركبُ من
ملازمتهن بيوتهن ، وعدمِ ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين ، وهو حجاب خاص بهن
لا يجب على غيرهن ، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعاً ، وهم متفاوتون في
ذلك على حسب العادات ” انتهى من “التحرير والتنوير” .
القول الثاني : أن الآية عامة ، فتشمل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهن من
النساء.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في “تفسيره” (20/
313) : ” يقول : وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،
ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج ، متاعًا : فاسألوهن من وراء حجاب ”
انتهى .
وقال القرطبي رحمه الله في “تفسيره” (14/
227) : ” في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب ، في
حاجة تعرض ، أو مسألة يستفتين فيها ، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى ، وبما
تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة ” انتهى .
وقال القرطبي رحمه الله أيضا ، في تفسير قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) الأحزاب/33 : ” معنى هذه
الآية الأمر بلزوم البيت ، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد
دخل غيرهن فيه بالمعنى ؛ هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء ، كيف والشريعة طافحة
بلزوم النساء بيوتهن ، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة ، على ما تقدم في غير
موضع .” انتهى . من ” تفسير القرطبي” (14/179) .
وقال الجصاص رحمه الله في “أحكام القرآن” (5/242) : ” هذا الحكم وإن نزل خاصا في
النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه ، فالمعنى عام فيه وفي غيره ، إذ كنا مأمورين
باتباعه والاقتداء به ، إلا ما خصه الله به دون أمته ” انتهى .
والراجح القول الثاني ، وأن الآية عامة في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي
حق نساء الأمة ، والأدلة على رجحان عموم الآية عدة أمور :
1. أن الأصل في خطاب الشرع العموم ، إلا إذا دل الدليل على تخصيص ذلك الخطاب .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله “أضواء البيان” (6/
247) : ” ومن الأدلة على أن حكم آية الحجاب عام : هو ما تقرر في الأصول من أن خطاب
الواحد يعم جميع الأمة ، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب ، وقد أوضحنا هذه
المسألة في سورة الحج ، في مبحث النهي عن لبس المعصفر ، وقد قلنا ذلك لأن خطاب
النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من أمته يعم حكمه جميع الأمة ؛ لاستوائهم في أحكام
التكليف ، إلا بدليل خاص ، يجب الرجوع إليه ………
وبهذه القاعدة الأصولية التي ذكرنا ، تعلم أن حكم آية الحجاب عام ، وإن كان لفظها
خاصًّا بأزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قوله لامرأة واحدة من أزواجه ، أو من
غيرهن كقوله لمائة امرأة ” انتهى اختصاراً .
2. تعليل الأمر بالسؤال من وراء حجاب بقوله : ( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ ) ؛ فالعلة من الأمر كونه ” أطهر للقلوب ” ، ومعلوم أن أمهات
المؤمنين أطهر النساء قلوباً ، فغيرهن من النساء أشد حاجة لتحصيل ما يحقق أطهرية
القلوب .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ” قوله تعالى : ( وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وراء حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ
لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) : قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من
أنواع البيان التي تضمّنها : أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، وتكون في نفس
الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول ، وذكرنا له أمثلة في الترجمة ، وأمثلة
كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة ، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية
الكريمة ، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : ومن أمثلته : قول كثير من الناس
إن آية ” الحجاب ” ، أعني : قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ) خاصة بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإن
تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من
الريبة في قوله تعالى : ( ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) قرينة
واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج
النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن ، وقلوب الرجال من الريبة
منهنّ ، وقد تقرّر في الأصول : أن العلّة قد تعمّم معلولها ” انتهى من “أضواء
البيان” (6/
242) .
3. روى البخاري (5232) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ
عَلَى النِّسَاءِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله “أضواء البيان” (6/249) : ” فتحذيره صلى الله عليه
وعلى آله وسلم هذا التحذير البالغ من دخول الرجال على النساء , وتعبيره عن دخول
القريب على زوجة قريبه باسم الموت ، دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى : ( فسألوهن
من وراء حجاب ) عام في جميع النساء كما ترى ؛ إذ لو كان حكمه خاصًا بأزواجه صلى
الله عليه وعلى آله وسلم , لما حذر الرجال هذا التحذير البالغ العام من الدخول على
النساء ” انتهى .
والخلاصة :
أن الآية عامة في وجوب الحجاب على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى غيرهن من
عموم النساء .
والله اعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة