هل يجوز لي قبول ما يأتيني من المال من غير سؤال ، سواء كان بمناسبة أو من غير مناسبة أم أن الواجب ترك قبوله ؟
حكم أخذ المال من غير سؤال ولا تطلع إليه
السؤال: 146365
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من أعطي شيئاً من غير مسألة ولا تطلع إليه جاز له قبوله ؛ لما رواه البخاري (1473) ومسلم (1045) (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ : أَعْطِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) قَالَ سَالِمٌ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ) .
قال النووي رحمه الله : “والمشرف إلى الشيء هو المتطلع إليه الحريص عليه” انتهى من شرح مسلم.
قال النووي رحمه الله : ” إذا عُرض عليه مال من حلال على وجه يجوز أخذه ولم يكن مِنْهُ مسألة ولا تطلع إليه جاز أخذه بلا كراهة ، ولا يجب . وقال بعض أهل الظاهر : يجب ; لحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر رضي الله عنه…فذكره .
دليلنا حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي , ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي , ثُمَّ قَالَ : يَا حَكِيمُ , إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ , وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ , وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى . قَالَ حَكِيمُ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا . فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوَ حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا . ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ , فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وقوله : ” يَرْزَأُ ” : – مَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا…, وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا . وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الْحَاضِرِينَ رضي الله عنهم , وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ” انتهى من “شرح المهذب”(6/234) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أرسل إلي أحد أقاربي مبلغا كبيرا من المال بمناسبة زواجي ، يقصد به مساعدتي . هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك؟
فأجابوا :
“لا بأس بقبوله دون استشراف نفس ، ويكافأ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب ، أو يُدعى له ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له ، حتى تروا أنكم قد كافأتموه) رواه أبو داود والنسائي” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (16/176) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح “رياض الصالحين” (1/275) :
كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يسأل أحداً شيئاً ، وإذا جاءه شيء من غير سؤال قبله ، وهذا غاية ما يكون من الأدب ألا تذل نفسك بالسؤال ، ولا تستشرف للمال وتعلق قلبك به .
فالذي ينبغي أن من أعطاك بغير مسألة تقبل منه إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يَمُنَّ به عليه في المستقبل فيقول : أنا أعطيتك أنا فعلت معك كذا وكذا وما أشبه ذلك فهنا يرده ؛ فليحم نفسه من هذا..” انتهى .
وأما سؤال الناس من غير ضرورة ، فهو محرم لا يجوز .
قال النووي رحمه الله في “شرح مسلم” : اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة ، قال : واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين : أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث ، والثاني يجوز مع الكراهة ، بشروط ثلاثة : أن لا يلح ، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال ، ولا يؤذي المسئول ، فإن فقد شرط من ذلك حرم” انتهى نقلاً من “فتح الباري” (10/408) ، وللزيادة ينظر جواب السؤال رقم (104781) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة