0 / 0

من الذي يستحق أن يُطلق عليه اسم: مربي ؟

السؤال: 146763

من هو الشخص الذي يستحق أن يُطلق عليه لفظ مربي ؟ وهل يجوز أن يكون من غير الوالدين ، خاصة إذا كان المربي رجلا والمتربي فتاة ؟ وإن جاز ذلك فما هي الحدود التي لا بد أن يقف عندها كل من الشيخ والتلميذة ؟
وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

ليعلم أن سياسة الناس بدين الله جل جلاله ، وتربيتهم عليه هي وظيفة الأنبياء والمرسلين ، والقيام بها من ميراث النبوة الذي يصطفي الله تعالى له من شاء من عباده . وإذا كان ذلك كذلك فإن مدار الصفات التي ينبغي توافرها في هؤلاء المربين أن يكونوا ” ربانيين ” ، أي مسنوبين إلى الرب جل جلاله ، فمن وحيه يستمدون ، ولأجله يعلمون ، وإياه يقصدون .

قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) آل عمران/79.

قال القاسمي رحمه الله : 

بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ أي : بسبب مثابرتكم على تعليم الناس الكتابَ ودراسته ، أي : قراءته ؛ فإن ذلك يجركم إلى الله تعالى بالإخلاص في عبادته ” انتهى .

” محاسن التأويل” ، للقاسمي .

وعلى ذلك تدور عبارات السلف في تعريف الربانيين ، وهم أولى الناس بتربية الناس ، ودعوتهم إلى الله ؛ أن يتصفوا بالعلم بالشرع الذي إليه يدعون ، والعمل بعلمهم ، وحسن سياسة الناس بذلك .

قال ابن كثير رحمه الله :

” يقول الرسول للناسِ : كونوا رَبَّانيين . قال ابن عباس وأبو رَزِين وغير واحد : أي : حكماء ، علماء ، حلماء . وقال الحسن وغير واحد : فقهاء . وكذا رُوِي عن ابن عباس وسعيد بن جُبير، وقتادة وعطاء الخراساني وعطية العوفي والربيع بن أنس . وعن الحسن أيضا: يعني أهل عبادة وأهل تقوى ” . انتهى .

“تفسير ابن كثير” (2/66) ، وينظر : “مفتاح دار السعادة” ، لابن القيم (124) ، “تفسير السعدي” (136) .

ومن غير تحصيل القدر اللازم من العلم والعمل ، وتربية الناس عليه ، وسياسة الخلق به : لا يستحق الشخص اسم المربي ؛ ولا يمكنه أن يسير بمن يعلمه ويربيه في طريق الجنة ، ويجنبه طريق النار ، وهو أعظم ما يطلب من المربي أن يقوم به ، بل هذا هو خلاصة دعوته وتربيته . قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ ) التحريم/6 . قال ابن كثير رحمه الله : ” أي : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر، ولا تَدَعوهم هَمَلا فتأكلهم النار يوم القيامة ” انتهى . “تفسير ابن كثير” (5/240) .

وهذا المعنى هو المروي عن السلف في وقاية النفس والأهل من النار :

قال علي رضي الله عنه : أدّبوهم ، علموهم .

وقال ابن عباس رضي الله عنه : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أهليكم بالذكر ، ينْجيكم الله من النار.

“تفسير الطبري” (23/491) .

وخلاصة ذلك كله : أن ينبغي للعالم والمربي أن يكون من أهل طاعة الله وذكره ، والدلالة عليه ، والإرشاد إليه بالقول والعمل ؛ فمن كان كذلك فهو العالم المربي ، ومن حرم ذلك كله ، لم يكن له من العلم والتربية نصيب ، ومن نقصت منزلته في العلم ، أو همته في العمل ، فاته من منزلة العالم الرباني بقدر ما فاته من ذلك .

قال ابن القيم رحمه الله :

” فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل ، فلينظر : هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين ؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي ؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى ، وهو من أهل الغفلة : كان أمره فُرُطا ؛ ومعنى الفُرُط : قد فُسِّر بالتضييع ؛ أي : أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به ، وبه رشده وفلاحه : ضائع ، قد فَرَّط فيه . وفسر بالإسراف ، أي : قد أفرط . وفسر بالإهلاك ، وفسر بالخلاف للحق .

وكلها أقوال متقاربة ؛ والمقصود أن الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات ؛ فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه : فإن وجده كذلك فليبعد منه ، وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى عز وجل ، واتباع السنة ، وأمره غير مفروط عليه ، بل هو حازم في أمره : فليستمسك بغرزه ” انتهى . “الوابل الصيب” (56) .

ثانيا :

التربية الطبيعية للمرأة : إنما تكون في بيتها ، فمنه تأخذ أدبها ، وخلقها ، وما يلزمها في دينها ، وخاصة نفسها .

فإن كان في الوالدين من حصل قدرا من العلم والدين يعينه على ذلك ، لم تحتج المرأة إلى شيء آخر معهما ، مع اجتهادها في تحصيل ما نقص من العلم بالمطالعة ، والسماع ، وكل ذلك ميسور ، وسبله متنوعة ، والحمد لله .

وإذا لم يكن في الأسرة ، من يقوم بهذه المهمة : فلتبحث عن الصالحات من أقربائها وجيرانها وأهل بيتها ، وتخالط أقربهن إلى الله ، وأحسنهن دلالة عليه ، وإرشادا إليه ، فلتتعلم من دينها وخلقها ، ما تحتاجه هي في دينها ، وأدبها في نفسها .

وليكن همتها في قبول الزوج الصالح ، المستقيم على أمر الله ، ليكمل لها ما فاتها من ذلك ، ويصبرها على طريق الالتزام بدين الله .

ولا يجوز للفتاة أن يكون لها علاقة مباشرة مع رجل أجنبي عنها ، ولو كان شيخا صالحا ، وداعية ومربيا ، تحت مسمى التربية والدعوة والتأديب ، أو غير ذلك من المسميات والمظلات ، فأضر فتنة على الرجال : النساء ، وأضر فتنة على النساء : الرجال .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم ، متميزة عن دور المتأهلين ؛ فلا ينزل العَزَب بين المتأهلين ؛ وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة ؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب” انتهى .

” الاستقامة ” (1/361) .

واعلمي أن من صدق الله ، صدقه الله ، ومن يتحر الخير : يعطه ، ومن يتوق الشر : يوقه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) الأنفال/29 .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android