أنا مقبل على طلاق زوجتي وهي حامل ، وأرغب في معرفة آلية حساب النفقة الشرعية لها خلال العدة ، ونفقة الرضيع في حال وضعه ؛ لأنني مقدم على الزواج من أخرى ، وتكاليف زواج ومصاريف منزل بيت جديدة ؛ فكيف تتم عملية حساب هذه النفقة ؟
ما يلزم الزوج من النفقة على مطلقته أثناء الحمل وعلى الرضيع
السؤال: 146851
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
المطلقة الحامل لها النفقة والسكنى ، سواء كان طلاقها رجعيا أو بائنا .
أما الرجعية فلأنها في حكم الزوجة حتى تنقضي عدتها ، وذلك بوضع حملها .
وأما البائن فلدلالة السنة والإجماع .
قال ابن قدامة رحمه الله : ” وجملة الأمر , أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا , فإما أن يكون ثلاثا , أو بخلع , أو بانت بفسخ , وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى , بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدِكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس : ( لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا ) ولأن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه , إلا بالإنفاق عليها , فوجب , كما وجبت أجرة الرضاع ” انتهى من “المغني” (8/185).
والدليل على أن المطلقة طلاقا بائنا لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا : ما رواه مسلم (1480) عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ ، فَقَالَتْ : فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ ، قَالَتْ : فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .
وفي رواية لمسلم أيضا : قَالَتْ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى ) .
وفي رواية لأبي داود : ( لَا نَفَقَةَ لَكِ ، إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا ) .
ثانيا :
يلزم الرجل نفقة ولده ، حال الحمل ، وحال الرضاعة ، وبعدها . ولا يلزم الأمَّ ذلك ولو كانت غنية .
ويدخل في النفقة : تكاليف الولادة ، والمسكن ، والمأكل والمشرب ، والكسوة ، وأجرة الرضاع ، وما يحتاجه الولد من دواء وغيره .
فإذا وضعت المطلقة حملها ، فلا نفقة لها ولا سكنى ، لكن النفقة والسكنى لرضيعها ، ولها أن تطالب الأب بأجرة الرضاع .
وإذا كانت المطلقة هي الحاضنة للطفل ، فقد اختلف الفقهاء في سكنها : هل يلزم الأب ( والد المحضون )، أم يلزمها ويلزم من ينفق عليها ، أم يكون مشتركا ، يدفع أجرته الزوج والمطلقة ، حسب اجتهاد الحاكم ، أم إن كان لها سكن ، اكتفت به ، وإن لم يكن لها سكن لزم الأب إسكانها ؟ على أقوال مشهورة لهم .
وينظر : حاشية ابن عابدين (3/ 562)، شرح الخرشي (4/ 218) ، الموسوعة الفقهية (17/ 313).
وإذا كان الأب ملزما بتوفير مسكن لابنه الرضيع – كما سبق – ، فإن للمطلقة أن تشترط سكنها معه ما دامت حاضنة أو مرضعة له ، ولا يلزمها السكن مع أهلها ، أو استئجار مسكن لها ، ولهما أن يصطلحا على بقائها في بيت أهلها ، أو في بيت خاص بها .
ثالثا :
أجرة الرضاع على والد الرضيع اتفاقا ، ولا يملك الأب ( المطلِّق ) إجبار المطلَّقة على إرضاعه.
قال ابن قدامة رحمه الله : ” رضاع الولد على الأب وحده ، وليس له إجبار أمه على رضاعه ، دنيئة كانت أو شريفة ، سواء كانت في حبال الزوجية أو مطلقة . ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافا . فأما إن كانت مع الزوج فكذلك عندنا ، وبه يقول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي ” المغني (11/ 430 ).
وقال : ” الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به ، سواء كانت في حال الزوجية ، أو بعدها ، وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة ، أو لم يجد ” انتهى من “المغني” (11/ 431 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) ولا تجب النفقة إلا على الموسر ؛ فأما المعسر فلا نفقة عليه ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (3/347).
ثالثا :
وأما أجرة الحضانة وهي تربية الطفل والقيام عليه ، فقد اختلف فيها الفقهاء ، ومذهب الحنابلة أن الأم لها الحق في طلب أجرة الحضانة ، ولو مع وجود متبرعة بالحضانة ، قال في منتهى الإرادات : ( وأمٌّ أولى ، ولو بأجرة مثلها ، كرضاع ) انظر : “شرح منتهى الإرادات” (3/249).
ومذهب المالكية أنه لا أجرة على الحضانة .
وللحنفية والشافعية تفصيل في المسألة . وينظر : “الموسوعة الفقهية” (17/ 311).
رابعا :
النفقة في جميع ما سبق ، تقدر بالمعروف ، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وهذا يختلف من بلد لآخر ، ومن شخص لآخر .
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه ، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً ، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال ، قليلاً كان أو كثيراً ، فالأمر لهما ، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي .
والحاصل :
أنه يلزمك نفقة الزوجة وحملها إلى أن تضعه ، ثم تلزمك نفقة الرضيع ، ومنها مسكنه ، ويلزمك أجرة الرضاع والحضانة للمطلقة إن طلبت ذلك ، وينبغي أن تتراضيا على تحديد النفقة وتقديرها بما يهيئ عيشا كريما للطفل ولأمه الحاضنة له .
على أننا ننصحك بأن تتأنى قبل اتخاذ هذه الخطوة ، وهذا ما يظهر لنا من سؤالك ، أنك لست عجولا ؛ فانظر في أمرك ، إن كانت هناك فرصة للإصلاح ، فهو الأولى بك ، والأصلح لطفلك الذي سيولد لك ؛ ثم لا يمنعك ذلك من الزواج بأخرى كما عزمت ، وتجمع بينهما .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب