ماهي حجة الحنابلة في قولهم : إنه يكره قضاء الحاجة حال استقبال الشمس أو القمر ؟ فهذا هو القول المعتمد كما في كتاب الإقناع والمنتهى ، لكن ابن القيم رحمه الله قال في “مفتاح دار السعادة” : ” لم تثبت كلمة واحدة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ، لا من طريق صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل .. وأن هذه المسألة لا أساس لها في الشرع ” ، ورغم هذا ما زال هناك بعض الحنابلة الذين يتمسكون بهذا الرأي ؟ فما توجيهكم ؟
استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة
السؤال: 146941
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
المذهب عند الحنابلة رحمهم الله كراهة استقبال الشمس والقمر حال قضاء الحاجة ، وعللوا تلك الكراهة بأن فيهما من نور الله .
قال المرداوي رحمه الله : ” قوله ( ولا يستقبل الشمس ولا القمر ) الصحيح من المذهب : كراهة ذلك ” انتهى من “الإنصاف” (1/101) .
وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله : ” (و) يكره حال قضاء الحاجة ( استقبال شمس وقمر ) بلا حائل ؛ لما فيهما من نور الله تعالى ، وقد روي أن معهما ملائكة ، وأن أسماء الله تعالى مكتوبة عليها ” انتهى من “كشاف القناع” (1/62) .
ومذهب الحنابلة في هذه المسألة هو مذهب الجمهور .
“رد المحتار على الدر المختار” (1/343) ، “حاشية البجيرمي على الخطيب” (1/196) ، “التاج والإكليل لمختصر خليل” (1/408) ، “الموسوعة الفقهية” (34/9) .
والقول الثاني : أنه لا يكره استقبال الشمس والقمر حال قضاء الحاجة ، وهو الراجح .
قال النووي رحمه الله : ” قال المصنف في التنبيه : وكثيرون من أصحابنا يستحب أن لا يستقبل الشمس ولا القمر , واستأنسوا فيه بحديث ضعيف , وهو مخالف لاستقبال القبلة في أربعة أشياء . أحدها : أن دليل القبلة صحيح مشهور , ودليل هذا ضعيف بل باطل , ولهذا لم يذكره المصنف , ولا كثيرون ولا الشافعي , وهذا هو المختار ; لأن الحكم بالاستحباب يحتاج إلى دليل , ولا دليل في المسألة …. ” انتهى من “المجموع” (2/111) .
وقال ابن القيم رحمه الله : وأما استدلاله بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عند قضاء الحاجة عن استقبال الشمس والقمر واستدبارهما ، واحتج بالحديث ، فهذا من أبطل الباطل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة ، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل ، وليس لهذه المسألة أصل في الشرع . والذين ذكروها من الفقهاء : منهم من قال : العلة أن اسم الله مكتوب عليهما ، ومنهم من قال : لأن نورهما من نور الله ، ومنهم من قال : إن التنكب عن استقبالهما واستدبارهما أبلغ في التستر وعدم ظهور الفرجين ” انتهى اختصاراً وبتصرف يسير من “مفتاح دار السعادة” (2/205) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : قوله : “واستقبال النَّيِّرَين” ، يعني يُكْرَهُ استقبالُ الشَّمس والقمر حال قضاء الحاجة ، وليس هناك دليل صحيح ، بل تعليل ، وهو : لما فيهما من نور الله .
وهذا النُّور الذي فيهما ليس نورَ الله الذي هو صفته ، بل هو نورٌ مخلوق .
وفي هذا نَظر ؛ لأن مقتضاه كراهة استقبال النُّجوم مثلاً ، فإِذا قلنا بهذا قلنا : كلُّ شيء فيه نورٌ وإضاءةٌ يُكرهُ استقبالهُ ! ثم إِن هذا التَّعليلَ منقوضٌ بقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( لا تستقبلوا القِبلةَ ولا تستدبروها ببول ولا غائط ، ولكن شرِّقوا ، أو غرِّبُوا ) .
ومعلوم أن من شرَّق أو غرَّب ، والشَّمس طالعة فإنه يستقبلها ، وكذا لو غرَّب والشمسُ عند الغروب ، والرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقل : إلا أن تكون الشمس أو القمر بين أيديكم ، فلا تفعلوا .
فالصحيح : عدمُ الكراهة ؛ لعدم الدَّليل الصَّحيح ، بل ولثبوت الدَّليل الدَّالِّ على الجواز ” انتهى من “الشرح الممتع لابن عثيمين” (1/123) .
ثانياً :
أما ما ذكرت من تمسك بعض الحنابلة في هذه المسألة بما عليه المذهب ، فقد يكون ذلك من باب التقليد ، فالإنسان الذي لا يعلم الحكم في المسألة المعينة ، وهو ليس من أهل الاجتهاد ، أو لا يمكنه البحث في حكم المسألة لضيق الوقت ، أو نحو ذلك من الأعذار : له أن يقلد غيره من أهل العلم .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (21420) ، ورقم : (10296).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة