الفرق بين مقدار اليوم عند الله عز وجل ومقدار يوم القيامة
السؤال: 146979
يقول الله سبحانه وتعالى : ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) في سورة المعارج ، وفي سورة السجدة ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) ، فهل من توضيح ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الآيات الواردة في بيان قدر اليوم عند الله عز وجل نوعان :
النوع الأول : آيات تتحدث عن يوم القيامة وهوله ، وما يكون فيه من أحداث عظام ،
وآيات باهرة ، وأنَّ مِن أهواله طول ذلك اليوم بما يعادل خمسين ألف سنة من سني
الدنيا ، وهذه الآية هي الآية الرابعة من سورة المعارج ، حيث يقول الله عز وجل : (
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ . مِنَ
اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ . تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا .
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا . يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ
كَالْمُهْلِ . وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ . وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا
) المعارج/1-10.
ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(
مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ ، فَأُحْمِيَ
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ
، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى
الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ )
رواه مسلم (رقم/987)
قال
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :
”
هذا يوم القيامة ، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ” انتهى.
رواه الطبري في ” جامع البيان ” (23/602)
والنوع الثاني : آيات لا تتحدث عن طول يوم القيامة ، وإنما تتحدث عن طول الأيام
التي عند الله عز وجل ، وقدرها بالنسبة لأيام الدنيا التي نعدها ، وهي الأيام التي
يحدث الله فيها الخلق والتدبير ، فبيَّن سبحانه وتعالى أن اليوم عنده يساوي ألف سنة
من أيامنا هذه ، وقد جاء ذلك في سورة الحج ، في الآية السابعة والأربعين ، حيث يقول
تعالى : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ
وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )
وجاء أيضا في سورة السجدة ، في الآية الخامسة ، حيث يقول عز وجل : ( اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا
شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
مِمَّا تَعُدُّونَ . ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ ) السجدة/4-6.
ويظهر واضحا من سياق الآيتين هنا أن الحديث فيها عن أيام الله التي يكون فيها خلقه
وتدبيره ، فوصفها عز وجل بأن مقدارها يبلغ ألف سنة من أيام الدنيا .
وبهذا يتبيَّن أن النوعين السابقين من الآيات إنما تتحدث عن ” أيام ” مختلفة، وليست
” أياما ” واحدة ، فاليوم في آية المعارج هو يوم القيامة ، ومقداره خمسون ألف سنة ،
وأما اليوم في آيتي الحج والسجدة فهو اليوم عند الله الذي يدبر فيه الأمور ،
ومقداره ألف سنة .
ويدل على ذلك التفريق بين اليومين
ما رواه عبد الله بن أبي مليكة : أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله عز و
جل : (و إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) فقال : من أنت ؟ فذكر له أنه رجل من
كذا و كذا ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟
فقال الرجل : رحمك الله إنما سألتك لتخبرنا . فقال ابن عباس : يومان ذكرهما الله عز
و جل في كتابه ، الله أعلم بهما .
فكره أن يقول في كتاب الله بغير علم .
رواه الحاكم في مستدركه (4/652) وصححه .
فبين ابن عباس رضي الله عنهما للسائل أنهما يومان ذكرهما الله في كتابه ، وهذا موطن
الشاهد من قوله ، وإن كان تورع عن تحديد اليومين ، رضي الله عنه .
قال
ابن حزم رحمه الله :
”
يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة ، قال تعالى : ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المعارج/4 وبهذا أيضا جاءت الأخبار الثابتة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
وأما الأيام التي قال الله تعالى فيها أن اليوم منها ألف سنة فهي أُخَر .
قال
تعالى : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ
إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )
السجدة/5، وقال تعالى : ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ ) الحج/47.
فهي
أيام أخر بنص القرآن ، ولا يحل إحالة نص عن ظاهره بغير نص آخر أو إجماع بيقين ”
انتهى باختصار.
”
الفصل في الملل ” (3/77) .
وقد
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن سبيل الجمع بين الآيات السابقة فأجاب :
”
قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ، ولا في ما صح عن
رسول صلى الله عليه وسلم ، تعارض أبداً ، وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان
ويظهر له ، إما لقصور في فهمه ، أو لنقص في علمه ، وإلا فكتاب الله وما صح عن رسوله
صلى الله عليه وسلم ليس فيهما تعارض إطلاقاً ، قال الله تعالى : ( أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً )
فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله ، أو حديثين عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، أو بَيْن آية وحديث : فَأَعِد النظر مرة بعد أخرى ،
فسيتبين لك الحقُّ ووجهُ الجمع ، فإن عجزت عن ذلك فاعلم أنه إما لقصور فهمك ، أو
لنقص علمك ، ولا تتهم كتاب الله عز وجل ، وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ،
بتعارضٍ وتناقض أبدا .
وبعد هذه المقدمة أقول :
إن
الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله – وهما قوله تعالى في سورة السجدة : (
يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) وقوله في سورة المعارج
: ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) الجمع بينهما : أن آية السجدة في الدنيا ، فإنه سبحانه
وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم ، كان مقدار هذا اليوم
– الذي يعرج إليه الأمر – مقداره ألف سنة مما نعد ، لكنه يكون في يوم واحد ، ولو
كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة ، وقد قال بعض أهل العلم إن هذا يشير
إلى ما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ( أن بين السماء الدنيا والأرض
خمسمائة سنة ) فإذا نزل من السماء ثم عرج من الأرض فهذا ألف سنة .
وأما الآية التي في سورة المعارج ، فإن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى : ( سَأَلَ
سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ . مِنْ اللَّهِ ذِي
الْمَعَارِجِ . تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ )
وقوله : ( في يوم ) ليس متعلقاً بقوله تعالى : ( الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ
) ، لكنه متعلق بما قبل ذلك .
وقوله ( لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ . مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ . تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) هي جملة معترضة .
وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة ، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
في قصة مانع الزكاة أنه يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما
بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما والله أعلم ” انتهى
باختصار.
”
فتاوى نور على الدرب ” (علوم القرآن والتفسير/سورة السجدة) .
وهذا هو اختيار العلامة محمد رشيد رضا في ” تفسير المنار ” (8/396) .
وفي
المسألة أقوال أخرى لم نشأ الإطالة بها كي لا يختلط الأمر على القارئ ، وإنما
اخترنا أوجَه الأقوال وأقواها ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى : ” تفسير القرطبي ”
(14/89)، ” تفسير القرآن العظيم ” (8/221-224) ” أضواء البيان ” (278-280) .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟