تنزيل
0 / 0

يسأل عن معنى حديث : ( لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ..)

السؤال: 147247

صديقي ، وهو مسلم أيضا ، وهو بريطاني باكستاني ، يدعى بأنه سمع عالما يقتبس مباشرة من القرآن أن هيئة الله – سبحانه وتعالى – مذكورة في قصة تحكي عن كيف أن الله سيطأ برجله على أهل النار ، وقد اختلفت معه قائلا له بأنه يحرم ربط الله بأي شكل حسي أو روحي خاص بالبشر أو الحيوانات أو أي جانب آخر من جوانب الحياة خلقه الله ، فرد بالقول بأنه يعتقد بأن لله رجلا ، كما ذكر في القرآن ، وبأنها مستخدمة في وصف عذاب النار ، فاقترحت بأنه يمكن ألا يكون معنى حرفي لله أو هيئته – والله أعلم – ، ويمكن أن يكون مجرد مصطلح مجازي تم استخدامه لوصف عذاب جهنم وغضب الله على أهلها ، فأجاب صديقي بأني آثم بقولي هذا ، وبأن كل ما ذكر في القرآن من قصص وتعاليم يجب أن يؤخذ حرفياً ، وليس هناك شيء مجازي ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

يجب الإيمان بأسماء الله وصفاته الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ،
من غير تشبيه ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .

والتشبيه : أن يقول لله يد كأيدينا ، أو سمع كأسماعنا ، أو علم كعلمنا .

والتعطيل : أن ينفي الصفة ، أو يؤولها ، ويدعي أنها على سبيل المجاز وليست حقيقة ،
كمن يقول: اليد بمعنى القدرة ، والاستواء على العرش : بمعنى الاستيلاء .

وقد اشتهر هذا التعطيل ، أو التأويل المجازي في باب الصفات ، عن بعض الفرق المبتدعة
، كالجهمية والمعتزلة ومن تبعهم .

والتكييف في باب الصفات : أن يقول : إن كيفية صفة الله كذا ، وكذا .

وهذا هو معنى ” الهيئة ” التي ذكرها السائل ، فنحن لا نقضي على شيء من صفات الله
بأن كيفيتها كذا وكذا ، أو هيئتها كذا وكذا ، بل علم الكيفية والهيئة مرفوع ، لم
يبين لنا ، ولم يدركه العباد بعقولهم ؛ كما قال الإمام مالك رحمه الله في صفة ”
الاستواء ” :

” مَالك الإِمَام الاسْتوَاء مَعْلُوم يَعْنِي فِي اللُّغَة والكيف مَجْهُول
وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة “. انتهى من “العلو” للذهبي (167) .

وينظر جواب السؤال رقم: (178915).

ثانيا :

من صفات الله الثابتة : الرِّجل والقَدم .

ودليل ذلك : ما روى البخاري (6661)، ومسلم (2848) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ
هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ،
فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ).

وروى البخاري (4850)، ومسلم (2847) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَحَاجَّتْ
الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَتْ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالْمُتَجَبِّرِينَ ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ : مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا
ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ
: أَنْتِ رَحْمَتِي ، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَقَالَ
لِلنَّارِ : إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي
، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا ، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا
تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ ، فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ ، فَهُنَالِكَ
تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ) .

فهذا يدل على إثبات صفة ” القدم” ، أو ” الرجل “، لله تعالى ، على الوجه اللائق
بكماله وجماله وجلاله .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ” الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد
قدره ” رواه ابن خزيمة في “التوحيد” (1/ 248 رقم : 154) ، وابن أبي شيبة في “العرش”
(61) ، والدارمي في “الرد على المريسي” ، وعبد الله ابن الإمام أحمد في “السنة” ،
والحاكم في “المستدرك” (2/ 282) ، وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وصححه
الألباني في “مختصر العلو” ص 102 ، وأحمد شاكر في “عمدة التفسير” (2/ 163).

وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : ” الكرسي موضع القدمين، وله أطيطٌ كأطيطِ
الرَّحْل ” رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في “السنة” ، وابن أبي شيبة في “العرش”
(60) ، وابن جرير ، والبيهقي، وغيرهم ، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (8/ 47)
والألباني في “مختصر العلو” ص 123-124

ومن كلام علماء السلف ، وأئمة السنة في إثبات القدمين
:

قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في “كتاب التوحيد” (2/ 202) : ” باب ذكر إثبات
الرِّجل لله عز وجل ، وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية ، الذين يكفرون بصفات خالقنا
عز وجل التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم “.

وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله : ” هذه الأحاديث التي يقول فيها :
ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره ، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك قدمه فيها ،
والكرسي موضع القدمين ، وهذه الأحاديث في الرواية هي عندنا حق ، حملها
الثقات بعضهم عن بعض ، غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها : لا نفسرها ، وما أدركنا أحدا
يفسرها ” رواه البيهقي في “الأسماء والصفات” ( 2/ 198)، وابن عبد البر في “التمهيد”
(7/ 149).

وينظر جواب السؤال رقم: (166843)
ورقم: (136566).

ثالثا :

تأول المعطلة القدم والرجل بأن المراد : أنه يضع طائفة من عباده ، أو من يقدّمهم
إلى النار ، أو قدم إبليس لقوله : حتى يضع الجبار.. الخ .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “شرح الواسطية” ( 2/ 452) : ” وخالف الأشاعرة
وأهل التحريف أهل السنة ، فقالوا : ” يضع عليها رجله ” يعني : طائفة من عباده
مستحقين للدخول ؛
والرِّجل تأتي بمعنى الطائفة ، كما في حديث أيوب عليه الصلاة والسلام : ( أرسل الله
إليه رِجل جراد ) ، يعني طائفة من جراد .
وهذا غير صحيح ؛ لأن اللفظ ” عليها ” يمنع ذلك .
وأيضا : لا يمكن أن يضيف الله عز وجل أهل النار إلى نفسه ؛ لأن إضافة الشيء إلى
الله تكريم وتشريف .
قالوا في القدم : قدم بمعنى مقدّم ، أي يضع الله تعالى عليها مقدَّمه ، أي من
يقدمهم إلى النار .
فنقول : أهل النار لا يقدمهم الباري عز وجل ، ولكنهم ( يُدعّون إلى نار جهنم دعا )
ويلقون فيها إلقاء … ” انتهى .

والحاصل :

أنه يجب الإيمان بما ورد في النصوص من أسماء الله وصفاته ، كما آمن النبي صلى الله
عليه وسلم والصحابة والتابعون لهم بإحسان ، من غير تشبيه ولا تكييف ، ومن غير تأويل
ولا تعطيل .

ولو كانت هذه الصفات على سبيل المجاز : لبين صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ لأنه
المبيِّن عن ربه سبحانه تعالى ، وقد بيّن لأمته ما تحتاج إليه في أمر دينها ،
وتركها على المحجة البيضاء ، فلو كانت هذه الصفات تفيد نقصا ، أو يحرم إجراؤها على
ظاهرها ، أو يجب تأويلها ، لما تكلم بها صلى الله عليه وسلم ، أو لقرن كلامه بما
يبين أنها على غير حقيقتها .

وينظر جواب السؤال رقم: (130962
ورقم: (151794).

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android