تلك أقوال بعض النصارى أن تلك الآيات تتناقض في القرآن فهل هي كذلك ؟
(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَـا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيـلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/64 .
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَـابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الكهف/27 .
تناقضها سورة النحل وسورة الرعد وسوره البقرة :
(وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَـا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) النحل/101 .
(يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/39 .
(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)البقرة/106 .
تلك الآيات السابقة يقولون إن هذا تناقض في القرآن ، فهل هو تناقض أم ماذا؟
ليس هناك تعارض في القرآن حول تبديل كلام الله وعدم تبديله
السؤال: 147330
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
القرآن الكريم كلام الله تعالى ، لا يمكن أن يقع فيه التناقض والاختلاف ، وإنما يقع التناقض إذا كان المتكلم ممن يجوز عليه الخطأ ، والله تعالى منزه عن ذلك . قال الله سبحانه : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82 .
ولهذا وقع الاختلاف والتناقض في الأناجيل التي بين أيدي النصارى لأنها كتبها أناس غير معصومين ، وقد بَيَّن العلامة رحمة الله الهندي رحمه الله في كتابه “إظهار الحق” وجود 125 اختلافاً وتناقضاً في كتابهم المقدس .
والشبهة التي ذكرتها شبهة ضعيفة في غاية الضعف ، وجوابها من وجهين :
الأول : أن الآيات التي فيها نفي التبديل لكلمات الله ، كقوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَـا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيـلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/64 .
وقوله تعالى : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَـابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الكهف/27 ، المقصود منها أنه لا أحد يبدّل كلمات الله ، أما الله تعالى فله أن يبدل آية مكان آية ، وهو النسخ ، كما قال سبحانه : (وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَـا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) النحل/101 .
وقال تعالى : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/106 .
وأما قوله تعالى : : (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/39 . فالمراد به المحو والإثبات في صحف الملائكة ، وينظر جواب السؤال رقم (43021) .
والوجه الثاني : أن المراد بكلمات الله التي لا تبدل : كلماته الكونية ، كسننه في خلقه ، وما أخبر به من إثابة الطائعين ومعاقبة العاصين ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، فلا أحد يمكنه أن يبدل سنة الله وكلمته القدرية . ولهذا جاء في أول الآية : (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَـا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيـلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، فسنة الله وكلمته القدرية هنا : هي أن المؤمنين المتقين لهم البشرى في الحياة وبعد الممات ، فمن يمكنه أن يغير ذلك ؟!
وأما قوله تعالى : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَـابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) فإن حمل المعنى على الكلمات الكونية ، فالأمر كما سبق . وإن حمل على الكلمات الشرعية ، أي القرآن الكريم الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا مبدل لهذا القرآن ، فقد تكفل الله سبحانه بحفظه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “قوله : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) الكهف/27 .
قوله : (مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ) ؛ يعني : القرآن ، والوحي لا يكون إلا قولا ؛ فهو إذا غير مخلوق .
وقوله : (مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ) : أضافه إليه سبحانه وتعالى ؛ لأنه هو الذي تكلم به ، أنزله على محمد ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطة جبريل الأمين .
(لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) يعني : لا أحد يبدل كلمات الله ، أما الله عز وجل ؛ فيبدل آية مكان آية ؛ كما قال تعالى : (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) النحل/101 .
وقوله : (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) : يشمل الكلمات الكونية والشرعية :
– أما الكونية : فلا يستثنى منها شيء ، لا يمكن لأحد أن يبدل كلمات الله الكونية :
إذا قضى الله على شخص بالموت ؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك .
إذا قضى الله تعالى بالفقر ؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك .
إذا قضى الله تعالى بالجدب ؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك .
وكل هذه الأمور التي تحدث في الكون ؛ فإنها بقوله ؛ لقوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/82 .
– أما الكلمات الشرعية ؛ فإنها قد تبدل من قبل أهل الكفر والنفاق ، فيبدلون الكلمات : إما بالمعنى ، وإما باللفظ إن استطاعوا ، أو بهما” انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (8/ 370).
والحاصل : أن كلمات الله تعالى الكونية لا يستطيع أحد تبديلها ، وكذلك كلماته الشرعية التي تكفل بحفظها وهي القرآن الكريم ، وهذا لا يعارض أن الله سبحانه ينسخ منها ما شاء ، وينزل آية مكان آية إذا أراد ، لأنه كما قال : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة