لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ولو مازحا
السؤال: 147527
أعلم أنه يحرم المزاح بالكذب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ) رواه أبو داود .
لكن ما شأن الرواية التالية ، هل هي صحيحة :
يبدو أن النعيمان كذب ، وقال بأن سويبط بن حرملة كان عبدا ، وتقول هذه الرواية أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك على ما قام به النعيمان .
ذهب أبو بكر وبعض الصحابة في قافلة تجارية للبصرة ، وقد تم تكليف العديد ممن هم في القافلة ببعض المهام المحددة ، وكان سويبط بن حرملة مسئولا عن الطعام والمؤن ، وكان النعيمان أحد أفراد الجماعة ، وفى طريقه شعر بالجوع ، وطلب من السويبط بعض الطعام ، فرفض السويبط ، فقال له النعيمان : هل تعلم ماذا يمكنني أن أفعل معك ، وأخذ يحذره ويهدده ، لكن السوبيط أصر على الرفض ، فذهب النعيمان إلى جماعة من العرب في السوق ، وقال لهم : هل ترغبون في عبد قوي وجلد يمكنني أن أبيعه لكم ؟ فأجابوا بالإيجاب . فأكمل النعيمان : إنه عبد له كلام ، وهو سيقاومكم ، ويقول لكم إني حر ، لكن لا تسمعوا له .
فدفع الرجال ثمن العبد عشر قلائص ( قطع ذهبية ) وقبل بها النعيمان ، وبدا أنه سيتم الصفقة بكفاءة تجارية ، وصحبه المشترون لجلب العبد ، وقال مشيرا إلى السويبط : هذا هو العبد الذي أخبرتكم عنه . فأمسك الرجال بالسويبط ، وأخذ هو في الصياح مدافعا عن حياته الغالية وعن حريته ، وقال : أنا حر ، أنا السويبط بن حرملة . لكنهم لم يلقوا له بالا ، وسحبوه من رقبته كما كانوا سيفعلون مع أي عبد .
وفى أثناء ذلك لم يضحك النعيمان ولم يحرك ساكنا ، وظل هادئا تماما ، بينما كان السويبط يحتج بمرارة ، وبعد أن أدرك أصحاب السويبط في السفر ما يحدث أسرعوا في إحضار أبي بكر قائد القافلة الذي ذهب جاريا بأسرع ما يمكنه ، وأوضح للمشترين ما حدث ، ولهذا قاموا بإطلاق سراحه ، واستعادوا نقودهم ، ثم ضحك أبو بكر بشدة ، كما فعل السويبط ، والنعيمان ، وعندما عادوا للمدينة ورويت القصة للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ضحكوا جميعا .
وجزاكم الله خيرا .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه
القصة جاءت من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت :
(
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى ، وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ
وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ ، وَكِلَاهُمَا بَدْرِيٌّ ، وَكَانَ سُوَيْبِطٌ عَلَى
الزَّادِ ، فَجَاءَهُ نُعَيْمَانُ ، فَقَالَ : أَطْعِمْنِي ، فَقَالَ : لَا ،
حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ نُعَيْمَانُ رَجُلًا مِضْحَاكًا مَزَّاحًا
– أي كثير الضحك والمزاح – ، فَقَالَ : لَأَغِيظَنَّكَ . فَذَهَبَ إِلَى نَاسٍ
جَلَبُوا ظَهْرًا ، فَقَالَ : ابْتَاعُوا مِنِّي غُلَامًا عَرَبِيًّا فَارِهًا ،
وَهُوَ ذُو لِسَانٍ ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ : أَنَا حُرٌّ ، فَإِنْ كُنْتُمْ
تَارِكِيهِ لِذَلِكَ ، فَدَعُونِي ، لَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي ، فَقَالُوا :
بَلْ نَبْتَاعُهُ مِنْكَ بِعَشْرِ قَلَائِصَ – أي : عشر نوق ، جمع ناقلة – .
فَأَقْبَلَ بِهَا يَسُوقُهَا ، وَأَقْبَلَ بِالْقَوْمِ حَتَّى عَقَلَهَا ، ثُمَّ
قَالَ لِلْقَوْمِ : دُونَكُمْ هُوَ هَذَا ، فَجَاءَ الْقَوْمُ ، فَقَالُوا : قَدْ
اشْتَرَيْنَاكَ . قَالَ سُوَيْبِطٌ : هُوَ كَاذِبٌ ، أَنَا رَجُلٌ حُرٌّ ،
فَقَالُوا : قَدْ أَخْبَرَنَا خَبَرَكَ ، وَطَرَحُوا الْحَبْلَ فِي رَقَبَتِهِ ،
فَذَهَبُوا بِهِ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأُخْبِرَ ، فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابٌ
لَهُ ، فَرَدُّوا الْقَلَائِصَ وَأَخْذُوهُ . فَضَحِكَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا )
رواه أحمد في ” المسند ” (44/284) وهذا سياق لفظه ، وابن ماجه في ” السنن ”
(رقم/3719) وغيرهم جميعهم من طريق زمعة بن صالح عن الزهري .
وزمعة بن صالح هذا ضعَّفه أهل العلم
، قال فيه الإمام أحمد : ضعيف . وقال فيه أبو داود : لا أخرج حديثه . وقال البخاري
: يخالف في حديثه ، تركه ابن مهدي أخيرا .
وسئل أبو زرعة عنه ، فقال : لين واهي الحديث ، حديثه عن الزهرى كأنه يقول : مناكير
. وهكذا أجمعت كلمة المحدثين على تضعيف حديثه . انظر: ” تهذيب التهذيب ” (3/339)
ولذلك ضعف الحديث البوصيري في “مصباح الزجاجة” (4/115) والشيخ الألباني في ” ضعيف
ابن ماجه ” وهذا الحكم أصوب من حكم الحافظ الذهبي على الحديث في “السيرة النبوية
مقدمة تاريخ الإسلام” (ص/136) بأنه حديث حسن .
ثم
إن هذا الحديث الضعيف يخالف ما ثبت في الشريعة من تحريم ترويع المسلم وتخويفه ولو
كان على وجه المزاح واللعب ، كما روى ذلك عبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ
: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُمْ
كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَامَ
رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ ،
فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا
يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) رواه أبو داود (رقم/5004)
ورغم تضعيف قصة نعيمان وسويبط فقد أجاب عنها العلماء على فرض صحتها ، وبينوا أنها
لا تدل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لترويع المسلمين بالمزاح ، ونحن ننقل
ههنا كلامهم لمزيد الفائدة ، وإلا فضعف الحديث يغني عن الجواب عنه .
يقول أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :
”
إنما في الحديث ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك الفعل حولا ، كمثل
ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون بأمور الجاهلية ، فيضحك
أصحابه من ذلك بمحضره من غير نهي منه إياهم عن ذلك ، وإن كانت تلك الأفعال ليس
بمباح لهم فعل مثلها في الإسلام
وقد
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من ترويع المسلم – فذكر حديث السائب
” لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ” – فكان ذلك تحريما منه لمثل ذلك ، ونسخا لما كان قد
تقدمه مما ذكرناه في هذا الباب مما تعلق به من تعلق ممن يذهب إلى إباحة مثله إن كان
مباحا حينئذ ” انتهى.
”
شرح مشكل الآثار ” (4/305-308)
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
”
من ائتمنه المالك ، كوديع ، يمتنع عليه أخذ ما تحت يده من غير علمه ؛ لأن فيه
إرعابا له بظن ضياعها ، ومنه يؤخذ حرمة كل ما فيه إرعاب للغير ، ودليله أن زيد بن
ثابت نام في حفر الخندق ، فأخذ بعض أصحابه سلاحه ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن ترويع المسلم من يومئذ ، ذكره في ” الإصابة “.
لكن
يشكل عليه ما رواه أحمد أن أبا بكر خرج تاجرا ومعه بدريان : نعيمان ، وسويبط ، فقال
له أطعمني …- فذكر القصة – .
وقد
يجمع بحمل النهي على ما فيه ترويع لا يُحتمل غالبا ، كما في القصة الأولى ، والإذن
على خلافه كما في الثانية ؛ لأن نعيمان الفاعل لذلك معروف بأنه مضحاك مزاح ، كما في
الحديث ، ومن هو كذلك الغالب : أن فعله لا ترويع فيه ، كذلك عند من يعلم بحاله ،
فتأمل ذلك فإني لم أر من أشار لشيء منه مع كثرة المزاح بالترويع ، وقد ظهر أنه لا
بد فيه من التفصيل الذي ذكرته .
ثم
رأيت الزركشي قال في ” تكميله ” نقلا عن ” القواعد “: إن ما يفعله الناس من أخذ
المتاع على سبيل المزاح حرام ، وقد جاء في الحديث : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه
لاعبا جادا ) جعله لاعبا من جهة أنه أخذه بنية رده ، وجعله جادا لأنه روع أخاه
المسلم بفقد متاعه ا هـ . وما ذكرته أولى وأظهر كما هو واضح ” انتهى.
”
تحفة المحتاج ” (10/287)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟