الصدقة الجارية للوالد من معاشه الذي يأخذه الورثة ؟
السؤال: 147802
هل يجوز إخراج صدقة جارية من راتب والدي المتوفى ، علما بأنه يصرف الراتب شهريا لوالدتي وأختي وأخي ، وهذه الصدقة الجارية أرغب في استقطاعها من الراتب على نية والدي رحمه الله ، ووالدته رحمها الله .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
بر
الوالدين من أجلّ أعمال البر ، ومن برهما برهما بعد موتهما ؛ فروى مسلم (1631) عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (
إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا
مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ
يَدْعُو لَهُ )
قال
النووي رحمه الله :
”
قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ
, وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الثواب لَهُ , إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ;
لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ; فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه , وَكَذَلِكَ الْعِلْم
الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة
الْجَارِيَة , وَهِيَ الْوَقْف ” انتهى .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
”
وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا
قَالَهُ الرَّافِعِيّ ” انتهى من “أسنى المطالب (2/4457) .
فلا
يكون مجرد التصدق صدقة جارية حتى يكون وقفا يعود نفعه على المسلمين من الفقراء أو
المجاهدين أو طلبة أو غيرهم .
راجع لذلك جواب السؤال رقم : (129195)
.
ثانيا :
إذا
تصدق الولد بصدقة عن أبيه أو أمه بعد وفاتهما يصل ثوابها إليهما بفضل الله ، فروى
البخاري (1388) ومسلم (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا
قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ
نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ
تَصَدَّقْتُ عَنْهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) .
وكذا لو تصدق عن جده أو جدته أو غيرهما من موتى المسلمين
.
قال
النووي رحمه الله :
”
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت تَنْفَع الْمَيِّت
وَيُصَلِّهِ ثَوَابهَا , وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء ” انتهى .
ثالثا :
الراتب الشهري الذي يصرف بعد وفاة أبيك لأمك وأخيك وأختك ، هو من مالهم ، ولم يعد
مالا لأبيك ؛ فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذن المستحقين المذكورين في سؤالك .
روى
البخاري (6442) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ
. قَالَ : ( فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ) .
قال
الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
أَيْ أَنَّ الَّذِي يَخْلُفهُ الْإِنْسَان مِنْ الْمَال ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي
الْحَال مَنْسُوبًا إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ اِنْتِقَاله إِلَى وَارِثه
يَكُون مَنْسُوبًا لِلْوَارِثِ , فَنِسْبَته لِلْمَالِكِ فِي حَيَاته حَقِيقِيَّة ،
وَنِسْبَته لِلْوَارِثِ فِي حَيَاة الْمُوَرِّث مَجَازِيَّة ، وَمِنْ بَعْد مَوْته
حَقِيقِيَّة . قَالَ اِبْن بَطَّال وَغَيْره : فِيهِ التَّحْرِيض عَلَى تَقْدِيم
مَا يُمْكِن تَقْدِيمه مِنْ الْمَال فِي وُجُوه الْقُرْبَة وَالْبِرّ لِيَنْتَفِع
بِهِ فِي الْآخِرَة , فَإِنَّ كُلّ شَيْء يَخْلُفهُ الْمُوَرِّث يَصِير مِلْكًا
لِلْوَارِثِ ” انتهى .
والخلاصة : أنه لا يجوز لك التصرف في شيء من هذا المعاش ، لا بصدقة عن الوالد ، ولا
بغير ذلك ، إلا بإذن المستحقين للمعاش الذين ذكرتهم ؛ فإن أذنوا جاز ذلك ، وإن لم
يأذنوا ، لم يجز ، ولا يجوز لك أن تستكرههم على شيء من ذلك ، أو تحملهم على ما لا
يريدون .
راجع جواب السؤال رقم : (12652)
، (10507)
، (114837)
.
والله تعالى أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة