لقد طالعت حديثاً وأحب لو وضحت لي معناه وهل هو صحيح أم لا ؟ فقد جاء في رواية الترمذي في الحديث رقم (1065) في رواية أبو موسى الأشعري أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (كل عين زانية ، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي زانية) فهل كلمة “كل” في الحديث تشمل في معناها النبي، فإن كان كذلك فكيف تشتهي عينه وهل كلمة “كل” لا تحمل أي استثناءات في الحديث أم أنها تقصد كل الناس عامتهم وخاصتهم “الأنبياء”.
الكلام على حديث: (كل عين زانية).
السؤال: 147844
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى الترمذي (2786) وأحمد (19019) وابن خزيمة (1681) وابن حبان (4424) والبيهقي (6188) والبزار (3034) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا – يَعْنِي زَانِيَةً – ) وقال الترمذي : ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ” .
وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد ” (6/390) : ” رجاله ثقات000 ” . وقال ابن القطان في “أحكام النظر” (ص 67) : ” رواة إسناده مشهورون ” . وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي”.
أما معنى الحديث :
فقد قال المباركفوري رحمه الله في “تحفة الأحوذي” (8 / 58) :
” أي كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية…
( إِذَا اِسْتَعْطَرَتْ ) أَيْ اِسْتَعْمَلَتْ الْعِطْرَ ( فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ ) أَيْ مَجْلِسِ الرِّجَالِ ( يَعْنِي زَانِيَةً ) لِأَنَّهَا هَيَّجَتْ شَهْوَةَ الرِّجَالِ بِعِطْرِهَا ، وَحَمَلَتْهُمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَدْ زَنَى بِعَيْنَيْهِ ، فَهِيَ سَبَبُ زِنَى الْعَيْنِ فَهِيَ آثِمَةٌ” انتهى .
وقال المناوي رحمه الله في “فيض القدير” (3 / 190) :
” أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا ؛ إذ هو حظها منه ” انتهى .
وقال أيضا (5 / 35) :
” يعني كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية ، أي أكثر العيون لا تنفك من نظر مستحسن وغير محرم ، وذلك زناها ” انتهى .
وعلى هذا ، فالحديث ليس عاماً في كل عين ، حتى يقال : هل تشمل عين النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟
وقد يرد النص بلفظ عام ، ولكن يدل السياق أو أدلة أخرى على أن المراد به بعض معانيه وليس العموم .
ومن ذلك قول الله تعالى عن الريح التي سلطها على قوم عاد فأهلكتهم : ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) الأحقاف/25 .
فكلمة (كل) هنا لا يراد بها العموم ، لأنه معلوم أنها لم تدمر السماوات والأرض .
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله :
“قوله تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) الأحقاف/25 . أي : كل شيء يقبل التدمير” انتهى .
“زاد المعاد” (4 / 297-298) .
وعلى هذا ، فالحديث ليس عاماً في كل عين ، حتى يقال بدخول عين الأنبياء في ذلك .
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق ، وخير البشر ، فلا يمكن أن يتطرق إليهم شيء من النقص أو التهمة .
وأي فائدة ترجى من وراء البحث في هذا ، من حيث كون الأنبياء داخلين في هذا العموم أم لا؟ والعلماء الذين شرحوا الحديث ، ونقلنا كلامهم إنما يلتفتون إلى المعنى المراد من الحديث، دون الخوض في مثل هذه المسائل التي لا طائل من ورائها .
فعلى المسلم أن يقتصر على ما يفيده من العلم ، ويكفينا من هذا الحديث أن نعلم أن أعيننا إذا نظرت إلى الحرام فهي زانية ، وتستحق عقاب الله تعالى ، فعلى كل مؤمن أن يحفظ بصره امتثالاً لأمر الله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور/30 .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب