0 / 0

هل توعد النبي صلى الله عليه وسلم المشركين أن يُمَثِّلَ بقتلاهم ؟

السؤال: 148585

سمعت شيئا من شيخ في محاضرة أنه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جسد عمه حمزة بن عبد المطلب ممثلا به أقسم أن يمثل بسبعين من أعدائه .
أريد أولا أن أسأل هل هذا صحيح ، وإذا كان صحيحا فما يجعلني أتساءل هو كيف يرد النبي صلى الله عليه وسلم السيئ بالسيئ انتقاما ؟ شكرا لكم

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يورد العلماء هذا الحديث في تفسير قول الله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/126.

والجواب عن الاستشكال الوارد عليه يسير وواضح ، وهو أنه حديث ضعيف لا يثبت ، يُروَى عن ثلاثة من الصحابة الكرام مِن طرق لا تصح :

الحديث الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه :

( أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ نَظَرَ إِلَى حَمْزَةَ وَقَدْ قُتِلَ وَمُثِّلَ بِهِ ، فَرَأَى مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مَنْظَرًا قَطُّ أَوَجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهِ وَلا أَوْجَلَ ، فَقَالَ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ، فَقَدْ كُنْتَ وَصُولا لِلرَّحِمِ ، فَعُولا لِلْخَيْراتِ ، وَلَوْلا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تَجِيءَ مِنْ أَفْوَاجٍ شَتَّى .

ثُمَّ حَلَفَ وَهُوَ وَاقِفٌ مَكَانَهُ : وَاللَّهِ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ .

فَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَبْرَحْ بَعْدُ : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/126، حَتَّى تُخْتَمَ السُّورَةُ ، فَكَفَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ .

رواه الطبراني في ” المعجم الكبير ” (3/143)، والطحاوي في ” شرح معاني الآثار ” (3/183)، والحاكم في ” المستدرك ” (3/218)، والآجري في ” الشريعة ” (رقم/1677)، والبيهقي في ” شعب الإيمان ” (12/185) جميعهم من طريق صالح المري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وهذا إسناد ضعيف بسبب صالح بن بشير المُرِّي ، القاص العابد ، قال ابن المديني : ضعيف جدا . وقال ابن معين : ليس بشيء . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال النسائي : ضعيف الحديث ، له أحاديث مناكير . وقال ابن عدي : عامة أحاديثه منكرات . وهكذا كان عامة المحدثين على ضعف حديثه ونكارته . انظر: ” تهذيب التهذيب ” (4/383)

ولذلك قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

“وهذا إسناد فيه ضعف ” انتهى.

” تفسير القرآن العظيم ” (4/614)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

“بإسناد فيه ضعف ” انتهى.

” فتح الباري ” (7/371)

وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ” السلسلة الضعيفة ” (رقم/550)

الحديث الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنهما

وقد روي عن ابن عباس من طريقين ضعيفين :

الأول : لفظه : ( لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَئِنْ ظَفِرْتُ بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ . فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/126، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَلْ نَصْبِرُ ).

رواه الطحاوي في ” شرح معاني الآثار ” (3/184) ، والبيهقي في ” دلائل النبوة ” (3/288) كلاهما من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال : ثنا قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس به .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

“سنده ضعيف ، مسلسل بالضعفاء الثلاثة : ابن أبي ليلى فَمَن دونه ” انتهى.

” السلسلة الضعيفة ” (رقم/550)

والطريق الثاني : لفظه : ( لمَّا انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى منظرا أساءه ، رأى حمزة رضي الله عنه قد شق بطنه ، واصطلم أنفه وجدعت أذناه ، فقال : لولا أن يحزن النساء ، أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير ، لأمثلن مكانه بسبعين رجلا ، ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه ، فخرجت رجلاه ، فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ، وجعل على رجليه شيئا من الإذخر ، ثم قدمه فكبر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكان القتلى سبعين ، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) إلى قوله : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) فصبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يمثل بأحد )

رواه الدارقطني في ” السنن ” (4/118) ومن طريقه الواحدي في ” أسباب النزول ” (152)

قال الدارقطني : نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا الحكم بن موسى ، نا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الملك بن أبي عتبة أو غيره ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس به .

وهذا إسناد ضعيف ، لما فيه من الإبهام حيث قال : عن عبد الملك بن أبي عتبة أو غيره ، ثم عقبه الدارقطني بتضعيفه قائلا : ” لم يروه غير إسماعيل بن عياش ، وهو مضطرب الحديث عن غير الشاميين ” انتهى.

الحديث الثالث : عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال :

(لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى حمزة بن عبد المطلب قال : والله لأمثلن بسبعين منهم . فجاء جبريل بهذه الآية : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) فقال : يا جبريل ! ما هذا ؟ قال : لا أدري حتى أسأل . ثم عاد فقال : ( إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك )

رواه ابن مردويه – كما نقل إسناده الزيلعي في ” تخريج أحاديث الكشاف ” (1/477) – قال :

حدثنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، ثنا محمد بن يونس ، ثنا عبد الله ابن داود الخريبي ، ثنا عبادة بن مسلم ، عن العلاء بن بدر ، عن قيس بن سعد بن عبادة به .

وفي هذا الإسناد محمد بن يونس الكديمي : متهم بالكذب .

قال حمزة بن يوسف السهمى : سمعت الدارقطنى يقول : كان الكديمى يتهم بوضع الحديث .

وقال ابن حبان : كان يضع الحديث ، لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث .

” تهذيب التهذيب ” (9/475-478)

فالحاصل أن الأحاديث الثلاثة ضعيفة لا تتقوى ، لما فيهما من أسباب الضعف الشديد والنكارة ، والثابت أن الذي توعد بالتمثيل بجثث المشركين هم بعض الصحابة ، وليس النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك رغبة في الانتقام لقتلاهم الذين مَثَّل المشركون بهم ، كما هي طبيعة البشر في حب القصاص من الظالم والمعتدي بمثل ما ظلم واعتدى ، ولكن الله عز وجل نهاهم عن ذلك ، وندبهم إلى الصبر واحتساب الأجر عند الله .

فقد ثبت عن أُبَي بن كعب رضي الله عنه قال :

( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا ، وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ ، فِيهِمْ حَمْزَةُ ، فَمَثَّلُوا بِهِمْ ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ )

رواه الترمذي (رقم/3129) وغيره . وقال الترمذي : حسن غريب . وصححه الذهبي في ” التلخيص ” (2/391)، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “، وفي ” السلسلة الصحيحة ” (رقم/2377)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android