0 / 0

يعيشون في بلاد الكفر ولا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ما حكمهم وكيف نتعامل معهم ؟

السؤال: 150930

بسم الله الرحمن الرحيم
، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وبعد :
أخي العزيز :
نواجه مشكلة هنا في ” بلغاريا ” ، إذ أني أسكن مع أناس هم في الأصل أتراك ، ويقولون بأننا مسلمون وذلك لأننا ” تُرك ” ، ولأننا نقوم بالختان ، ولأن أسماءنا ” أحمد ” ، و ” محمد ” ، وهم في حقيقة الأمر لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، ومن الإيمان إلا رسمه .
والمشكلة أنهم قد يستمعون إلى المصلين الذين في المنطقة ، ذلك أنه يوجد في المكان جامع منذ 10 سنوات وهو على منهج السلف – والحمد لله – ويدعو إلى التوحيد وإلى ” لا اله إلا الله ” ، المهم : هم قد يستمعون – أقول قد – ولكنهم لا يؤمنون ، لأنهم قد تربوا على الإلحاد ؛ بحكم الدولة الشيوعية سابقاً ، فضلا عن أنهم يلمزون بالمصلين بأنهم كانوا كذا وكذا قبل إسلامهم ( وذلك لأنهم في جاهليتهم كانوا يأكلون الخنزير ويشربون الخمر ويزنون بل ويفعلون أكثر الموبقات ) فهم يركزون على ماضيهم ولا ينظرون إلى حاضرهم ، وكل هذا من أجل أن لا يصلوا وأن لا يدخلوا في الإيمان ( طبعا هذا كلام عموم إذ بالتأكيد يوجد من لا يقول هذا لا سيما وان عددهم 10000 عشرة آلاف تركيّاً ) .
المشكلة أين الآن :
1. تتعلق بما يذبحه هؤلاء ، إذ إننا نقول : إننا لا نأكل ممن لا يصلِّي لأنه سيكون غير مسلم ومع هذا هم لا يكترثون لكلامنا ويذبحون ويأكلون ، فهل يمكننا أن نعدهم مسلمين – علما أنهم حتى لا إله إلا الله لا يقولونها – وعليه : فهل نأكل ذبائحهم ونعذرهم بجهلهم ؟ ( ولكن وسائل رفع الجهل موجودة وهم لا يسعون إليها وأيسرها الجامع ، فضلا عن الكتب والمواقع الإسلامية التي باللغة التركية وأخص منها ما تنشره ” مكتبة الغرباء ” لصاحبها فضيلة الشيخ عبد الله الأثري صاحب كتاب ” الوجيز في عقيدة السلف الصالح ” ) .
2. بالنسبة لموتاهم أنعاملهم معاملة المسلمين فنغسلهم ونكفنهم ونصلي عليهم وندفنهم في مقابرنا أم نتجنب ذلك ؟ ( علماً أنه كثيراً ما تحدث مشاكل بسبب هذا الأمر ، ولكن إمام المسجد والمصلين يواجهون الأمر ولا يعدونهم مسلمين ، فلا يصلون عليهم ، وقد اعتاد التُّرك على هذا الأمر ، فصاروا هم يتولون الأمر ، ولكن طبعا بعد مشاكل يسيرة ) .
3. هل يجوز الذهاب إلى أماكن عزائهم – علما أن فيها من البدع الكفرية ما الله به عليم – وذلك لنذكرهم بالله ، ونعلمهم لا إله إلا الله ، وندعوهم ؟ ( يذهب بعض الإخوة لتعليمهم ولكن لا نرى استجابة قط ، فيصبح الذهاب فقط من باب العرف عندهم ويستغلون هذا الأمر ) .
هناك مسائل أخرى أكتفي بهذا القدر منها الآن ، وبانتظار جوابكم بالتفصيل والتأصيل لأني سأنقل الفتوى لهم ، ولا بد أن تكون مؤصلة تأصيلاً علميّاً مُحكَما ؛ لأن هناك بعض طلاب العلم المتشددين الذين لا يرون إلا التكفير ، فأي جواب غير مؤصل لن يقبل به فأرجو التركيز على هذه النقطة أخي الحبيب وبارك الله فيك .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
نشكر لكم ثقتكم بإخوانكم في الموقع ، ونشكر لكم غيرتكم على الشرع ، واستقامتكم والتزامكم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه ، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .

ثانياً:
يجب أن يُعلم أن الإسلام ليس ادعاءً يدعيه الإنسان ، ولا يكفي لحفظ الإسلام على صاحبه ، إذا كان قد ولد لأبوين مسلمين ، أن يكون اسمه إسلاميا ؛ بل لا بد له من إظهار شعائر الإسلام الظاهرة ، والالتزام بلا إله إلا الله ، والبعد عن نواقضها .
وما يفعله بعض المسلمين وخاصة ممن يعيشون في دول الكفر والإلحاد يجعلنا نؤكد على هذا ، فتصبح عندهم بعض شعائر الدين مجرد تقليد وعادة ، كالختان ، وتسمية الأولاد بأسماء شبه عربية ! والاحتفال ببعض المناسبات الدينية ، أو المنسوبة للدين ، بينما تجد واقعه كفراً وإلحاداً ، كمن يبني كنيسة للنصارى ، أو يشاركهم في أعيادهم الدينية ، أو يشارك البوذيين في معابدهم ، وتجدهم لا يصلون ، ولا يصومون ، عدا عن فعل الموبقات والكبائر الأخرى كشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، والمهم في هذا أنك تجد منهم نقضاً للإسلام المدعى بألسنتهم من واقعهم العملي أو الاعتقادي – كعدم تكفير اليهود والنصارى والتشكك في قواطع الإسلام الثابتة – ومن تأمل حال كثير من المسلمين بالاسم في بلاد الكفر سيتأكد له صدق قولنا هذا ، وأنه موجود لا يُنكره إلا جاهل أو معاند .
فمثل هؤلاء الذين يأتون بعقائد أو أعمال تخرجهم من الإسلام ، لا ينفعهم أن تكون أسماؤهم عربية أو إسلامية ، ولا ينفعهم ختانهم ، ولا احتفالهم بالعيد ، بل ولا ينفعهم نطقهم بالشهادتين ؛ لأنها ستكون مجرد كلمة خاوية من معناها ، فارغة من مضمونها ، فاقدة لشروطها ، ومن هنا تجد في كلام بعض الفقهاء والعلماء في الحكم على من ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام التنصيص على : ” ولو قال لا إله إلا الله ” ؛ ومعنى ذلك أن هذه الكلمة الطيبة ، ليست نافعة له ، إن جاء بما ينقضها قولاً ، أو أعتقاداً ، أو عملاً .

ثانياً:
ليُعلم أن الفقهاء يختلفون في حكم ترك أركان الإسلام – غير الشهادتين – وهي داخلة في مسائل الفقه العملي ، لكنهم لا يختلفون في حكم من عاش دهره كله لا يأتي بشيء منها ؛ فإنها تصير – والحالة هذه – مسألة اعتقاد ، ولا يكون هذا إلا من منافق أو زنديق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ومِن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ، ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح .
” مجموع الفتاوى ” ( 7 / 611 ) .
وبما ذكرناه نفهم معنى قول الحسن البصري رحمه الله – وينسبه بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح عنه – : ” ليس الإيمان بالتحلِّي ولا بالتمنِّي ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ” ، فالإسلام ليس كلمة يقولها صاحبها ليكون من المسلمين ، وليس هو زينة يتزين بها في مجالس الناس ، بل لا بد مع القول من اعتقاد صحيح وعمل بمقتضى الشهادتين ، وإلا كان رُدَّ عليه ادعاؤه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – شارحاً كلام الحسن البصري – :
وقوله : ” ليس الإيمان بالتمنِّي ” يعني : الكلام ، وقوله : ” بالتحلِّي ” يعني : أن يصير حلية ظاهرة له فيظهره من غير حقيقة من قلبه .
ومعناه : ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة ، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ، فالعمل يصدِّق أن في القلب إيماناً ، وإذا لم يكن عمل : كذَّب أن في قلبه إيماناً ؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم .
” مجموع الفتاوى ” ( 7 / 294 ) .
فهذا نذير لكل من يزعم الإسلام بقوله وليس ثمة اعتقاد في قلبه صحيح ، وليس له واقع عملي يصدِّق به اعتقاده أن ينقذ نفسه قبل فوات الأوان ، وأن يعيد الحساب مع نفسه ليعرف على أي طريق هو سائر وأين سيصل به هذا الطريق ، ولعلَّ كل هذا أن يكون من شؤم إقامة هؤلاء بين أظهر الكفار وخاصة الملحدين منهم ، ونسأل الله أن يهديهم للإسلام الصحيح ، وأن يعجل هجرتهم من تلك الديار .

ثالثاً:
إذا عُلم ما سبق : فإن من تذكرون أحوالهم وتسألون عن أحكامهم على قسمين :
الأول : قوم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويلتزمون بها ، ويصلون ، لكنهم يتركون بعض فرائض الإسلام ، أو يتهاونون فيرتكبون معاصٍ وآثاماً ، ولا يأتون بنواقض للإسلام ، فهؤلاء مسلمون تؤكل ذبائحهم إن سمُّوا الله عليها ، ويصلَّى عليهم صلاة الجنازة ، ويُعزَّى بهم ، ويدفنون في مقابر المسلمين .
والثاني : من سبق ذِكر حالهم ممن لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، ولا يصلون ، أو لا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أو يأتون بنواقض للإسلام ، فهؤلاء لا يجوز لكم أكل ذبائحهم ولو سمُّوا الله عليها ، ولا الصلاة عليهم ، ولا دفنهم في مقابر المسلمين .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 10061 ) بيان أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر .
وبينا في جواب السؤال رقم ( 70278 ) أن ذبيحة تارك الصلاة لا تؤكل ، وتجدون في الجواب قول الشيخ ابن باز رحمه الله ” الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته ، هذا هو الصواب ” .
وفي جواب السؤال رقم ( 7864 ) قلنا : ” إن الواجب أن يُخصص للمسلمين مقابر ، ولا يدفن فيها غيرهم ، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين ” .

وأما حضور مجالس عزاء من مات من القسم الثاني :
فنرى أن حكمها يختلف عما سبق من المنع والتحريم ؛ إن كان ذهابكم بقصد الدعوة وتذكير المجتمِعين بالله تعالى والإسلام والموت والحساب والجنة والنار ، فاجتماع طائفة من أولئك وغيرهم فرصة للدعوة ، ولتبليغ دين الله تعالى لهم ، وتذكيرهم باليوم الآخر وما يحصل فيه ، وليس قصد الذهاب ذات التعزية وإنما اغتنام الاجتماع لتبليغ رسالة الله تعالى .

رابعاً:
وننبه في آخر المطاف :
1. أنه لا يجوز لآحادكم أن يحكم على المخالف له بالكفر والردَّة ، بل اجعلوا ذلك منوطاً بأهل العلم منكم وطلاب العلم الأقوياء ، فهم الأقدر على فهم ما نقلناه لكم من أقوال وأحكام ، وهم الأعلم فيمن يستحق تنزيل الأحكام عليه من عدمه .
2. أن بعض أولئك قد يكون له حكم ” أهل الفترة ” فواجب عليهم التفقه والتبصر في الإسلام ، وواجب عليكم دعوتهم إلى الإسلام ، فقد ينجو أولئك يوم القيامة بالاختبار وتعاقبون أنتم على تقصيركم في دعوتهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
يوجد كثير من المسلمين خاصة في الدول التي كانت فيها الشيوعية , وهؤلاء كما ذكر عدد ممن زارهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وقد يصلي بعضهم الظهر خمس ركعات , أو لا يدري أن من بين فرائض الإسلام صوم أو حج , فما حكم هؤلاء , وكيف يحاسبون ؟ .
فأجاب :
الواجب على أهل العلم والدعاة إلى الله سبحانه أن يعلِّموهم ويرشدوهم ; لقول الله عزوجل ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/ 125 ، وقوله سبحانه ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا فصلت/ 33 الآية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) – رواه مسلم – .
والواجب عليهم أن يتعلموا ويتفقهوا في الدين , وأن يسألوا أهل العلم , كما قال الله سبحانه ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/ 43 ، وبذلك تحصل لهم البصيرة والفقه في الإسلام إن شاء الله , نسأل الله أن يفقههم في الدين , وأن ييسر لهم دعاة الهدى ، إنه جواد كريم .
أما لو ماتوا على حالهم لم تبلغهم الدعوة : فهم كغيرهم من أهل الفترة أمرهم إلى الله سبحانه , وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن لم تبلغهم الدعوة أنهم يمتحنون يوم القيامة , فمن نجح دخل الجنة ومن لم ينجح دخل النار , نسأل الله لنا ولهم ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع قريب .
” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 9 / 444 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android