0 / 0

أنواع الوحي وصوره ، وأثرها على النبي ، ورد على ادعاء إصابته بالصرع

السؤال: 150936

المناصرون للمسيحية يقولون : إن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان يهدر مثل الجمل ، ويحنق عند فمه ، ويتمدد على الأرض عندما يأتيه الوحي ، فهل هذا صحيح ؟ وهم يقولون أيضا – كما قال أحمد بن حنبل – ( كان النبي يتوجع ويعض على شفتيه ويغلق عينيه ، وفي بعض الأوقات كان يهدر مثل الجمل ) – أحمد بن حنبل 1 ، 34 ، 464 ، الفصل 163 ) -.
ولكن الأمر الخطير أنهم يقولون : إن محمداً كان به صرع ! .
فهل يمكنكم أن تردوا على هذا الأمر بسرعة ؟ فأنا بحاجة إلى إجابتكم .
جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
إن مزاعم الكذبة والمفترين على ديننا وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا تنتهي ، فمنذ أن بُعث النبي صلى الله عليه وسلم للناس بدأت الحرب على النبي صلى الله عليه وسلم فاتُّهم بأنه ساحر ، وأنه مجنون ، وليس هذا ببدع في الاتهامات ، فقد نال إخوانه الرسل من قبل مثل هذا ، ولم يتآمر المبطلون على إطلاق هذه الاتهامات ، بل كان اتفاقهم فيها ناشئا عن طغيانهم ، قال تعالى ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) الذاريات/ 52 ، 53 .

ثانياً:
تعددت طرق الوحي التي كان يوحي بها الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنها :
1. تكليم الله تعالى مباشرة من وراء حجاب ، يقظة كما حصل ليلة المعراج ، ومناماً كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ – أي : في المنام – فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ؟ قُلْتُ : رَبِّ لَا أَدْرِي … ) رواه الترمذي ( 3234 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وانظر الحديث وشرحه في جواب السؤال رقم : (1863 ) .
2. النفث في الرُّوع .
وهو ما يقذفه الله في قلب الموحَى إليه مما أراد الله تعالى ، وهو داخل في ” الوحي ” المذكور في قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الشورى/ 51 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أَنّه لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ وَلاَ يَحْمِلَنّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَن تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ) .
رواه الحاكم في ” المستدرك ” ( 2 / 4 ) من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع ” ( 2085 ) .
قال المناوي – رحمه الله – :
( في رُوعِي ) بضم الراء ، أي : ألقى الوحي في خلَدي وبالي ، أو في نفسي ، أو قلبي ، أو عقلي ، من غير أن أسمعه ولا أراه .
” فيض القدير ” ( 2 / 571 ) .
3. الرؤيا الصادقة .
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ” أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ .
رواه البخاري .
وقال عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ – وهو من كبار التابعين – : ” رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) ” .
رواه البخاري ( 138 ) .
4. عن طريق جبريل عليه السلام ، وكان يأتيه على صور ، منها :
أ. أن يأتيه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها .
عن مسروق أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) التكوير/ 23 وقوله ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) النجم/ 13 ، 14 : فَقَالَتْ : أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ( إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ) .
رواه مسلم ( 177 ) .
ب. أن يأتيه في مثل صلصلة الجرس .
عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ) .
رواه البخاري ( 2 ) ومسلم ( 2333 )
قال البغوي – رحمه الله – :
قوله ( يأتيني في مثل صلصلة الجرس ) فالصلصلة : صوت الحديد إذا حرك ، قال أبو سليمان الخطابي : يريد – والله أعلم – أنه صوت متدارِك يسمعه ولا يثبته عند أول ما يقرع سمعه حتى يتفهم ، ويستثبت ، فيتلقفه حينئذٍ ويعيه ، ولذلك قال : وهو أشده عليَّ .
” شرح السنَّة ” ( 13 / 322 ) .
وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله – :
وقوله ( وهو أشده عليَّ ) إنما كان أشد عليه لسماعه صوت الملك الذي هو غير معتاد ، وربما كان شاهَدَ الملَك على صورته التي خُلق عليها ، كما أخبر بذلك عن نفسه في غير هذا الموضع ، وكان يشتد عليه أيضاً ؛ لأنه كان يريد أن يحفظه ويفهمه مع كونه صوتا متتابعا مزعجاً ، ولذلك كان يتغير لونه ، ويتفصد عرقه ، ويعتريه مثل حال المحموم ، ولولا أن الله تعالى قواه على ذلك ، ومكَّنه منه بقدرته : لما استطاع شيئا من ذلك ، ولهلك عند مشافهة الملك ؛ إذ ليس في قوى البشر المعتادة تحمل ذلك بوجه .
” المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم ” ( 6 / 172 ) .
وقال المباركفوري – رحمه الله – :
( وهو أشده علي ) أي : هذا القسم من الوحي أشد أقسامه على فهم المقصود ؛ لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة ، أشكلُ من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود ، وفائدة هذه الشدة : ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات .
” تحفة الأحوذي ” ( 10 / 79 ) .
ج. أن يتمثل له رجلاً ، قد يُرى من الصحابة ، كما في حديث جبريل المشهور ، وقد تمثل للنبي صلى الله عليه وسلم بصورة الرجل الغريب ، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان .
وقد لا يُرى منهم ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( … وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ) .
رواه البخاري ( 2 ) ومسلم ( 2333 ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني من التنزيل عليه بالوحي ، ويظهر ذلك بالعرق الذي كان يسيل من جبهته وجبينه في اليوم الشديد البرد ، إلا أن بعض صور الوحي كانت عليه يسيرة كتشكل جبريل بصورة رجل ، إلا أن أشدَّها عليه صلى الله عليه وسلم كانت مجيئ الوحي على مثل صلصلة الجرس – كما سيأتي – .
وكانت تحصل مع النبي صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه أحوال ، يراها ويسمعها ويشعر بها من حوله من أصحابه رضي الله عنهم ، وفي بعضها معاناة شديدة ، ومن ذلك :
1. أنهم كانوا يسمعون عند وجهه دويّاً كدويّ النحل .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل ” .
رواه الترمذى ( 3173 ) .
ويمكن أن يكون صوت دوي النحل باعتبار ما يسمعه من حول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما هو صلى الله عليه وسلم فيسمعه كصلصلة الجرس .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس ؛ لأن سماع الدوي بالنسبة إلى الحاضرين – كما في حديث عمر ” يُسمع عنده كدوي النحل ” – والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين ، وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه .
” فتح الباري ” ( 1 / 19 ) .
2. أن جبينه وجبهته تفيضان بالعَرَق حتى في اليوم الشديد البرد .
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ” وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا ” .
رواه البخاري ( 2 ) ومسلم ( 2333 ) ولفظه : ” ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا ” .
( يفصم ) : ينقطع .
( يتفصد ) : يسيل .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
وفي قولها في اليوم الشديد البرد دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العادة وهو كثرة العرق في شدة البرد ، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية .
” فتح الباري ” ( 1 / 21 ) .
وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت :
حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِى الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْهِ .
رواه مسلم ( 2770 ) .
( الجمان ) هو حب من فضة يعمل على شكل اللؤلؤ ، وقد يسمى به اللؤلؤ .
3. أنه يثقل وزنه صلى الله عليه وسلم جدّاً حتى إن البعير الذي يكون عليه يكاد يبرك ، وحتى خشي زيد بن ثابت على فخذه أن ترضَّ وقد كانت فخذه رضي الله عنه تحت فخذ النبي صلى الله عليه وسلم .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : ” إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا ” .
رواه أحمد ( 41 / 362 ) وصححه المحققون .
زاد البيهقي في ” دلائل النبوة ” ( 7 / 53 ) قولها ” مِن ثقل ما يوحي إلى رسول الله ” .
الجِران : باطن عنق الناقة .
قال السندي – رحمه الله – :
قوله ( فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا ) – بكسر الجيم – : باطن العنق ، والبعير إذا استراح مدَّ عنقه على الأرض .
حاشية ” مسند أحمد ” ( 41 / 362 ) .
وعن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قال : ” … فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي ” .
رواه البخاري ( 2677 ).
4. وكان تصيبه الشدة .
وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ .
رواه مسلم ( 2770 ) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله – :
( البُرَحاء ) بضم الباء الموحدة وفتح الراء وبالحاء المهملة الممدودة ، وهو شدة الكرب ، وشدة الحمَّى أيضاً .
” عمدة القاري ” ( 1 / 43 ) .
5. وكان يتغير وجهه صلى الله عليه وسلم فيتربَّد ثم يحمرُّ .
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : ” كَانَ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوحي كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ ” .
رواه مسلم ( 2334 ) .
قال النووي – رحمه الله – :
( وتربَّد وجهُه ) أي : علته غبرة ، والربد تغير البياض إلى السواد ، وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي ، قال الله تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلاً ) .
” شرح مسلم ” ( 11 / 190 ) .
وفي ( 15 / 89 ) قال :
ومعنى تربد أي تغير وصار كلون الرماد .
انتهى
وقد وصف الصحابي الجليل يعلى بن أمية وجه النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي عليه بقوله ” فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ ( أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا ) ، كما رواه رواه البخاري ( 1463 ) ومسلم ( 1180 ) .
وقد جمع بينهما النووي رحمه الله فقال :
وجوابه : أنها حمرة كدرة ، وهذا معنى ” التربد ” ، أو : أنه في أوله يتربد ثم يحمر ، أو بالعكس .
” شرح مسلم ” ( 15 / 89 ) .
6. وكان صلى الله عليه وسلم ينكس رأسه ، ويغطيه بثوب .
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : ” كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ نَكَسَ رَأْسَهُ وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ فَلَمَّا أُتْلِىَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ ) .
رواه مسلم ( 2335 ) .
أتلى : ارتفع عنه الوحى
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : ” … وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَرَفْنَا ذَلِكَ فِيهِ فَتَنَحَّى مُنْتَبِذًا خَلْفَنَا قَالَ فَجَعَلَ يُغَطِّي رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ وَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى عَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَتَانَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) .
رواه أحمد ( 7 / 426 ، 427 ) وحسنه المحققون .
7. كان صلى الله عليه وسلم يحرِّك لسانه بسرعة وشدة ليحفظ عن جبريل حتى نهاه الله عن ذلك وطمأنه أنه سيجمع القرآن له في صدره .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قَالَ : جَمْعُهُ لَه فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) قَالَ : فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ .
رواه البخاري ( 5 ) ومسلم ( 448 ) .
ورواه مسلم ( 447 ) بلفظ : ” يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ ” .
قال ابن الجوزي – رحمه الله – :
تفسير هذا أنه كان يحرك شفتيه بما قد سمعه من جبريل قبل إتمام جبريل الوحي مخافة أن يذهب عنه جبريل وما حفظ فقيل له ( لا تحرك به ) أي القرآن ( لسانك لتعجل به ) أي بأخذه ( إن علينا جمعه وقرآنه ) أي علينا جمعه وضمه في صدرك ( فإذا قرأناه ) أي إذا فرغ جبريل من قراءته ( فاتبع قرآنه ) قال ابن عباس فاستمع وأنصت .
” كشف المشكل من حديث الصحيحين ” ( 1 / 528 ) .
8. وكان يُسمع له غطيط كغطيط البَكر ، وهو الفتي من الإبل .
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : ” وددت أنى قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر : تعال ، أيسرك أن تنظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي ؟ قلت : نعم ، فرفع طرف الثوب ، فنظرت إليه له غطيط ، وأحسبه قال : كغطيط البَكر .
رواه البخارى ( 1789 ) ومسلم ( 1180 ) .

ثالثاً:
وكل ما أصاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم من كربٍ وشدَّة لا شك أنه بسبب ثقل الوحي الذي أخبره الله تعالى به قبل إنزاله عليه ، وقد هيَّأه تعالى لذلك التلقي .
قال أبو شامة المقدسي – رحمه الله – :
وهذا العرق الذي كان يغشاه صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث ، واحمرار الوجه ، والغطيط ، المذكوران في حديث يعلى بن أمية ، وثقله على الراحلة ، وعلى فخذ زيد بن ثابت كما ورد في حديثين آخرين : إنما كانت لثقل الوحي عليه كما أخبره سبحانه في ابتداء أمره بقوله ( إنِّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) ، وذلك لضعف القوة البشرية عن تحمل مثل ذلك الوارد العظيم من ذلك الجناب الجليل ، وللوجل من توقع تقصير فيما يخاطب به من قول أو فعل .
قال ابن إسحاق : ” وللنبوة أثقال ومؤنة لا يحملهما ولا يستطيع لها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله عز وجل ” .
” شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى ” ( ص 73 ، 74 ) .

رابعاً:
لم يثبت فيما وقفنا عليه من أحاديث أنه كان صلى الله عليه وسلم : يحنق عند فمه ، ولا أنه يتمدد على الأرض عندما يأتيه الوحي ، ولا أنه كان يعض على شفتيه ، ولا أنه يغلق عينيه .
ويمكن لمن شاء أن يقول ما يشاء ، لكن ليس يستطيع أن يثبت ما يقول إلا القليل ، وها نحن أوردنا جميع ما وقفنا عليه من حالٍ للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه .

وبخصوص قول الصحابي إنه كان يُسمع للنبي صلى الله عليه وسلم غطيط كغطيط البَكر : فلنا معه وقفات :
1. أن الواصف لهذا الصوت هو محب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس بمبغض له ، ولو كان فيه إساءة له صلى الله عليه وسلم فما يحمله على إخبار الأرض به ؟! ولو كان في ذلك أدنى منقصة أو مذمة لتكلمت بها العرب ، ولذموا صاحبهم بذلك ، وهيهات !!
2. أن التشبيه بالإبل في أصواتها وهيئاتها وبروكها وتحملها وحقدها وغير ذلك : أمرٌ معروف عند العرب قديماً وحديثاً ، وليس فيه ما يعيب ؛ لأن المقصود ضرب المثل ، وتقريب الصورة ، وأكثر ما يرونه ويعرفونه هو الإبل ، فكان التشبيه بها لمناسبة حال المتكلم والسامع .

خامساً:
وأما اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يصيبه الصرع ، وأنه ليس ثمة وحي من الله إنما هي أعراض مرض الصرع : فكلام ساقط ، يغني نقله عن نقده ، لكن لا مانع أن نبين للناس فساده لأجل أن يعلموا أن أولئك القوم إنما يسوِّقون الأكاذيب لنشر دينهم ، وليس عندهم في دينهم ما يدعو الناس للدخول فيه ، إنما هي الوثنية ، والأكاذيب ، واستغلال حاجة الناس وفقرهم ، وقد ساءهم أن الدين الإسلامي برغم كل المؤامرات عليه من أهله ومن أعدائه لا يزال هو الدين الأسرع والأكثر انتشاراً في الأرض .
ومما يبين فساد ادعائهم أن النبي صلى الله عليه وسلم مصاب بداء الصرع وأن ما كان يعانيه من الشدة والأحوال التي ذكرناه سابقاً ليست بسبب الوحي من الله ، أمور كثيرة ، منها :
1. أن الصرع كان معروفاً عند العرب ، وكانوا يميزون المصروعين من غيرهم ، فلو رأوا آثار الصرع عليه صلى الله عليه وسلم لما وفَّروا تلك التهمة .
2. بل إن الذين كانوا يبتلون بداء الصرع – بل بعموم الأمراض حتى لو كان مرض العمى – كانوا يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم ليدعوَ الله لهم أن يشفيهم من مرضهم ذاك ، فكيف لا يدعو لنفسه ويدعو للآخرين وهو يعلم من نفسه منزلته عند ربِّه وأن دعاءه مظنة الاستجابة ؟.
ومما يدل على كلا المسألتين السابقتين :
عن عَطَاء بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ) قَالَتْ : أَصْبِرُ ، قَالَتْ : فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا .
رواه البخاري ( 5328 ) ومسلم ( 2576 ) .
3. ومن علامات كذب أولئك القوم من المستشرقين وأتباعهم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنهم ربطوا كذبهم عليه بإصابته بمرض الصرع بوقت النبوة ! فأين كان هذا المرض قبل ذلك لو كانوا صادقين ؟! .
4. ثم إننا تعمدنا ذِكر أنواع الوحي وطرقه لنبين للناس كذبهم ودجلهم ؛ فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني من شدة الوحي في بعض الصور فالأمر ليس كذلك في بعضها الآخر ، فماذا هم قائلون عن تلك الصور الأخرى كالنفث في الروع والرؤيا ومجيء جبريل بصور رجل من البشر ؟! .
5. وقد تعمدنا ذِكر الأحوال التي يكون عليها النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه في صوره المشهورة لنبين للناس – أيضاً – نفي تلك التهمة الساذجة الممجوجة عنه ، فثمة علامات للمصاب بمرض الصرع وجدنا عكسها في حال النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :
أ. أن المريض بالصرع يبرد جسمه أثناء الصرع ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم عكس ذلك فقد كان يصاب بالبُرَحاء ، وكان يعرق شديداً حتى في اليوم الشديد البرد ! .
ب. أن المصروع يتخبط ويتمايل ويُلقى على الأرض ويتمدد ولا يملك نفسه ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك ، فهو ثابت القلب ، قوي البدن ، وهو إما يكون قائماً على منبره ، أو جالساً على دابته ، أو بين أصحابه ، ويبقى هكذا حين نزول الوحي عليه لا يميل يميناً ولا شمالاً ، ولا يُلقى على الأرض ولا يتمدد ، وليس يظهر عليه أي أثر من أولئك المصابين بالصرع ، والأدلة السابقة خير شاهد على هذا .
وها هو دليل آخر أخَّرناه لمناسبة وضعه هنا :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ ؟! قَالَتْ : فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا ؟! قَالَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ ) .
رواه البخاري ( 4517 ) ومسلم ( 2170 ) .
( عَرْق ) هو العظم الذي أخذ عنه أكثر اللحم .
قال ابن كثير – رحمه الله – :
فدلَّ هذا على أنه لم يكن الوحي يغيِّب عنه إحساسه بالكلية ، بدليل أنه جالس ولم يسقط العَرْق أيضا من يده صلوات الله وسلامه دائماً عليه .
” السيرة النبوية ” ( 1 / 423 ) .
ولعلَّ هذا الحديث وحده كافٍ لأن يكون سبباً في إصابة أولئك المفترين بالصرع ! .
ج. المصروع لا يذكر ما حصل معه أثناء صرعه ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك ، فهو يأتي بما يسمعه على أتم وجه ، ويسأل عن الذي كان الوحي السبب في نزوله ، كما سأل عن صاحب الجبَّة في العمرة ، كما في حديث يعلى بن أمية ، وغيره من المواضع .
د. المصروع يأتي بالهذيان والكلام الذي لا معنى له أثناء صرعه ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بالحكَم الجليلة والمواعظ الحسنة والأحكام العظيمة ، فأين هذا من ذاك ؟! .
هـ. والمصروع يحتاج بعد نوبة صرعه إلى فترة راحة ؛ لشدة ما عاناه من تعب وألم ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك ، فبعد انتهاء مهمة الوحي يسرَّى عنه ، ويكون على حاله الذي كان عليه من قبل في قوة بدنه وعظمة فكره .
و. والمصروع يسقط ما يكون قابضاً عليه في يده ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك ، وسيأتي بعد قليل الدليل على ذلك .
ز. والمصروع يحزن على حاله ويتأسف عليها ، بل وكثيرون انتحروا أو حاولوا الانتحار بسبب إصابتهم بذلك المرض ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من هذا ؛ فإنه لما انقطع عنه الوحي لفترة ” حزن حزناً شديداً ” ! فأين هذا من ذاك ؟! .
ح. والمصاب بالصرع يصفر وجهه ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتغير بالحمرة ، والمصاب بالصرع يصيح صيحات عالية ، وليس هذا واقع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثيراً ما يُغمى على المصروع ، وليس هذا واقعه صلى الله عليه وسلم ، ويؤذي المصروع نفسه بجرحها أو تقريب بدنه من نار ، ولم يكن شيء من هذا في واقع النبي صلى الله عليه وسلم ، والمصروع يعض لسانه ويمتزج لعابه بالدم ، وليس هذا واقع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما يُذكر في آثار الصرع على المصابين به لا تجده عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا شيئاً يسيراً منه .

فتبين بذلك كذبهم وافتراؤهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والويل لهم مما يصفون .
ينظر : ” الرسل والرسالات “، لفضيلة الشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر( ص 65 ، 66 ) .

6. كان المشركون في جاهليتهم يأتمنون النبي صلى الله عليه وسلم على أغراضهم ، وبقي الأمر على ذلك حتى بعد أن دعاهم إلى الإسلام ، وقد أوصى بإرجاعها قبل أن يهاجر إلى المدينة ، أفيمكن أن يكون مصاباً بذلك المرض ثم يأتمنه أهله وأقرباؤه وجيرانه ؟! إنهم أعلم به من هؤلاء المستشرقين الكذبة ، ولو كان ما افتروه عليه صحيحاً لكان للكفار شأن آخر معه فيما يختص بأغراضهم التي ائتمنوه عليها .
7. وكيف يقود هذا المصاب بالصرع – حاشاه – أمة كاملة ، ويقود الجيوش ، ويحارب الكفار ، ويراسل الملوك ، ويصلح بين الناس ؟!

8. ونختم بذكر شهادات مضادة لأولئك الكذبة من المستشرقين ، ليست شهادات من أئمة الإسلام وعلماء ، بل هي شهادات لكتاب ومؤرخين غربيين ، من بلدان مختلفة :
أ. قال الكاتب والمؤرخ الإنجليزي السير “توماس كارليل” :
” لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمدا خَدَّاع مُزَوِّر ؛ وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ؛ فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنا [ توفي كارليل (1881م) ] ، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا ، خلقهم الله الذي خلقنا ؛ أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين من الفائتة الحصر والإحصار أكذوبة وخدعة ؟! أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدا ، ولو كان الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ، ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول : فما الناس إلا بُلْهٌ ومجانين ، وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة ، كان الأولى بها ألا تخلق !!
فوا أسفاه ؛ ما أسوأ مثل هذا الزعم ، وما أضعف أهله ، وأحقهم بالرثاء والمرحمة !!
وبعد ؛ فعلى من أراد أن يبلغ منزلةً ما في علوم الكائنات أن يصدق شيئا ألبتة من أقوال أولئك السفهاء ؛ فإنها نتائج جيل كفر ، وعصر جحود وإلحاد ؛ وهي دليل على خبث القلوب ، وفساد الضمائر ، وموت الأرواح في حياة الأبدان ، ولعل العالم لم ير قط رأيا أكفر من هذا ولا ألأم!!” . انتهى .
“الأبطال” (45-55) ترجمة محمد السباعي .
ب. ويقول الكاتب والمؤرخ الأمريكي ” ول ديورانت ” :
ولم يكن المحيطون بالنبي في هذه الأوقات يرون جبريل أو يسمعونه ، وقد يكون ارتجافه ناشئاً من نوبات صرع فقد كان يصحبه في بعض الأحيان صوت وصفه بأنه يشبه صلصلة الجرس ، وتلك حال كثيراً ما تحدث مع هذه النوبات ، ولكننا لا نسمع أنه عض في خلالها لسانه ، أو حدث ارتخاء في عضلاته كما يحدث عادة في نوبات الصرع , وليس في تاريخ محمَّد ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة ، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاء ، ويزداد قدرة على التفكير ، وثقة بالنفس ، وقوة بالجسم والروح والزعامة ، كلما تقدمت به السن ، حتى بلغ الستين من العمر .
وقصارى القول : أنا لا نجد دليلاً قاطعاً على أن ما كان يحدث للنبي كان من قبيل الصرع ، ومهما يكن ذلك الدليل : فإنه لا يقنع أي مسلم مستمسك بدينه .
” قصة الحضارة ” ( 13/26 ) ط الهيئة المصرية العامة للكتاب .
ج. ويقول المستشرق الألماني ” ماكس مايرهوف ” :
لقد أراد بعضهم أن يَرى في محمَّد رجلاً مصاباً بمرض عصبي ، ولكن تاريخ حياته من أوله إلى آخره ليس فيه شيء يدل على هذا ، كما أن ما جاء به فيما بعدُ من أمور التشريع والإدارة يناقض هذا القول ” .
بواسطة ” آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره ” ( 1 / 403 ) للدكتور عمر بن إبراهيم رضوان ، وفيه نقض لتلك الشبهة .

هذا ما تيسر ذِكره لنقض تلك المفتريات على نبي الأمَّة صلى الله عليه وسلم ، وإننا لنزداد قناعة كل مرة نشهد كذب المفترين عليه أنهم أهل أهواء وضلالة ، ونزداد حبّاً وتعظيماً لذلك النبي الكريم ، وكل كذب وافتراء عليه يكشف لنا جوانب خفية عنه تُعلم بالبحث والدراسة ، وهذا من العجائب أن تزيدنا تلك الشبهات والافتراءات قناعة بصحة ديننا وعظمة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتزيدنا قناعة بإفلاس أولئك الخصوم ، فلا دين عندهم ولا دنيا ! بل خرافات وضلالات مع جهل وكذب وافتراء .
ونسأل الله تعالى أن يهدي ضالَّ المسلمين ، وأن يعلي قدر نبيه في الدارين ، وأن يتوفنا على الإيمان .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android