0 / 0

الصبي إذا لم يبلغ الحلم : هل يصح أن يكون إماما في الصلاة ؟

السؤال: 155061

لدينا طفل يبلغ من العمر 10 سنوات لم يبلغ الحلم ، وهو يحفظ القرآن كاملا بأحكام ، ولديه بعض العلم في الدين ، وهو يأتي ساعات على قناة الرحمة ، لكن هو يؤم بالناس في الصلاة ، ويدعو في صلاة الفجر ، ويخطب الجمعة أحيانا ، والناس أحبوه لجمال صوته.
فكنت أتساءل : هل يجوز لمثل هذا الطفل الذي لم يبلغ أن يؤم بناس أكبر منه ، ويخطب بهم الجمعة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
اختلف الفقهاء في إمامة الصبي الذي لم يبلغ : فجاء في “الموسوعة الفقهية” (6/203-204(:
” جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ( الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ) عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْمَامَةِ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ بَالِغًا ، فَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ عِنْدَهُمْ ؛ لأِنّها حَال كَمَالٍ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلأِنَّ الإِمَامَ ضَامِنٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْل الضَّمَانِ ، وَلأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مَعَهُ الإْخْلاَل بِالْقِرَاءَةِ حَال السِّرِّ .
أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ كَصَلاَةِ الْكُسُوفِ أَوِ التَّرَاوِيحِ : فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ( الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) لأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْهَا بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ .
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ إِمَامَةِ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمْ فِي النَّوَافِل .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الإْمَامِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ، فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمِ النَّوَافِل ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا : الْبَالِغُ أَوْلَى مِنَ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ ، لِصِحَّةِ الاِقْتِدَاءِ بِالْبَالِغِ بِالإْجْمَاعِ ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الاِقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ .
أَمَّا إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِمِثْلِهِ فَجَائِزَةٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ . ” انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
“إِلَى صِحَّة إِمَامَة الصَّبِيّ ذَهَبَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق , وَكَرِهَهَا مَالِك وَالثَّوْرَيْ , وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد رِوَايَتَانِ ، وَالْمَشْهُور عَنْهُمَا الْإِجْزَاء فِي النَّوَافِل دُونَ الْفَرَائِض ” انتهى من “فتح الباري” (2/186) . وينظر : الأم” ، للإمام الشافعي (1 / 193) .

وهذا هو الراجح : أنه تصح إمامة الصبي المميز ، إذا كان يحسن الصلاة – وإن كان البالغ أولى إذا كان قارئا – وذلك لما روى البخاري (4302) وأبو داود (585) والنسائي (767) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلمَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا رَجَعَ قَوْمِي مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا إِنَّهُ قَالَ : لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ . قَالَ : فَدَعَوْنِي فَعَلَّمُونِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ، فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وَفِي الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيَّةِ فِي إِمَامَة الصَّبِيّ الْمُمَيِّز فِي الْفَرِيضَة , وَهِيَ خِلَافِيَّة مَشْهُورَة وَلَمْ يُنْصِف مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِمْ , وَلَمْ يَطَّلِع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا شَهَادَة نَفْي , وَلِأَنَّ زَمَن الْوَحْي لَا يَقَع التَّقْرِير فِيهِ عَلَى مَا لَا يَجُوز ” انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” لا بأس بإمامة الصبي إذا كان قد أكمل سبع سنين أو أكثر وهو يحسن الصلاة ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك ، ولكن الأفضل أن يختار الأقرأ من الجماعة ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى .
“مجموع فتاوى ابن باز” (30 / 166) وينظر : “فتاوى اللجنة الدائمة” (7/389) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “تصح إمامة الصبي بمن هو أكبر منه سناً , لكن إن كان الذي هو أكبر سناً منه قد بلغ فإن المشهور في المذهب أنها لا تصح إمامة الصبي به في الفرض خاصة , والصحيح جواز ذلك , وصحته في الفرض والنفل , ويدل لذلك حديث عمرو بن سلمة الجرمي ” انتهى .
“فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (15 / 81( .

وإذا جازت إمامته في الفرض والنفل حيث يحسن الصلاة جازت خطبته وصحت حيث يحسنها ويأتي بأركانها ؛ فإن شرط الصلاة في ذاتها أشد من شرط الخطبة .
قال ابن عابدين رحمه الله في “حاشيته” (2 / 176) :
” وفي الظهيرية : لو خطب صبي اختلف المشايخ فيه ، والخلاف في صبي يعقل . اهـ
والأكثر على الجواز ” انتهى .
ويراجع لمعرفة شروط وأركان خطبة الجمعة جواب السؤال رقم : (115854) .
ولمعرفة الأحق بالإمامة جواب السؤال رقم : (20219) .

ثانيا :
أما القنوت في صلاة الفجر : فالصحيح أن الفجر لا يختص بالقنوت ، وأن السنة أن الإمام يقنت بالناس في النوازل التي تلمّ بالمسلمين في الصلوات الخمس كلها ، لا يخص صلاة الفجر به . ينظر لذلك جواب السؤال رقم : (20031) ، (101015) .

ثالثا :
الذي نريد أن ننصحكم به أخيرا : ألا تتعجلوا في أمر صبيكم هذا ، وتسارعوا بظهوره في الفضائيات ، أو تصديره للإمامة والخطبة ، وهو في هذه السن الصغيرة ، بل ينبغي أن يخفى أمره ، قدر ما استطعتم ، ويشغل بتعليمه ما هو أهم من ذلك من العلم النافع ، وتأديبه على العمل الصالح ، وأن تعهدوا به إلى أحد العقلاء الفاهمين من أهل العلم أو طلابه ، فيعتني بتحفيظه السنة ، شيئا فشيئا ، ويربيه على المنهج العلمي الملائم لنبوغه .
وليعلم أن خطر الاستعجال في إظهار الصبي ، والاستعجال في شهرته كبير ؛ فالحسد بلاء لا يخفى أثره ، وتربية الابن على حب الظهور والتصدر باب فساد يخشى عليه منه بعد ذلك ؛ وكم من الصبيان كانوا في هذه السن على نبوغ كبير ، ثم لم يحسن أهلوهم تربيتهم التربية الصالحة ، فلم ينتفع منهم بشيء ؛ نسأل الله العافية والسلامة .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android