قصتي باختصار أنني فتاة والديّ منفصلان، لم أكن ملتزمة ومنّ الله تعالى عليّ بالالتزام بعد مرور 5 سنوات على بلوغي. في هذه السنوات الخمس لم أترك منكرا إلا وأتيته، اللهم إلا شرب الخمر والزنا. وغير ذلك فحدّث وكلّي حرج من غيبة إلى علاقات محرمة مع شباب إلى أفكار الحادية وتطاول على الله عزّ وجلّ ثم التبرج ثم كل شيء وأيضا العادة السرية . كم هو مخجل أن تقول فتاة مارست العادة السرية إنه حقا أمر مخجل كيف فعلته وأتيته لا أعرف. مضى على التزامي سنة و8 أشهر تقريبا، قبل 4 أشهر حصلت ي انتكاسة وهي أني عدت للعادة السرية، ما تركت آية ولا حديثا ولا فتوى ولا درس إلا وسمعته عبر موقعكم وفتاوى أخرى كثيرة ومخاطرها وكل شيء . عدت إليها ، أحس بالتلون والنفاق، الله ينعم علي فأعصيه ، أعطاني كثيرا ومكّن لي تمكينا ، ولكني أعصيه ، اكتشفت مجددا أني لا أحب الله سبحانه وتعالى بما فيه الكفاية قلبي جماد، ما عدت أنتفض للذنوب كما كنت خلال أول ومنتصف التزامي، والآن حملة الشيطان الجديدة علي: أنتِ متطفلة على الدين وأن الله لم يكتبني من اهل الجنة واني بالتزامي اخالف حكم الله عزّ وجلّ يعني باختصار متطفلة على الدين. أعرف انها من الشيطان لكنني لا أعرف سوى ذلك. انهرت انهيارا عظيما، ما عدت أطيق نفسي، وأعاني اضطرابا نفسيا وضيقا عظيما !! أرجو منكم الدعاء لي ، ومن ثم النصيحة وأن أجد عندكم ما فيه شفاء فالله يعلم ثقتي بحضرتكم منذ بداية التزامي.
أصابها الضيق والجزع والقنوط بسبب وقوعها في المعاصي
السؤال: 158640
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من حق ربك عليك ، ومن حق نفسك عليك – أيضا – أيتها السائلة : أن تخجلي ، ويطول خجلك ، ويعظم خوفك وبكاؤك من خشية ربك ، جزاء ما فرطت في جنب الله ، وأتيت في حق نفسك ، حق لك أن يعظم حياؤك ، ويكثر بكاؤك ، حق لك أن تطيلي الندم على كل فعلة قبيحة وقعتِ فيها ، وكل ستر لله عليك هتكتيه ، يا أمة الله .
لكن ليس من حق ربك عليك ، ولا من حق نفسك : أن تقنطي من رحمة الله ، ولا أن تيأسي من رَوْحِه وغفرانه ؛ بل عليك ـ الآن ـ ومن هذه اللحظة ، قبل كل لحظة قادمة أن تطوي صفحة الماضي السوداء ، وتبدئي صفحة بيضاء مع ربك جل جلاله .
إن الشيطان حريص على أن يجعل الصفحة السوداء أمام عينك ، وملء سمعك وبصرك ، ليس لكي تتوبي منها ، أو تندمي عليها ، وتصلحي ما هو آت ؛ بل حتى تيأسي من رحمة الله ، فتزيدي بعد الذنب عصيانا ، وبعد الإثم كفرانا !!
قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) آل عمران/155
قال الألوسي رحمه الله :
" أي طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم يعني إن الذين تولوا كان السبب في توليتهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فمنعوا من التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا " . انتهى من"روح المعاني" (4/98) .
فانظري ـ يا أمة الله ـ إلى الغفور الرحيم ، كيف حذر عباده من حيل عدوهم وعدوه ، وكيف دعاهم إلى بابه ، والنزول برحابه ، بألطف بيان ، وأجمل دليل عليه سبحانه من إله غفور !!
إن أعظم طريق للضلال أن يوقعك عدوك في القنوط واليأس ؛ قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الحجر/56 ، وقال تعالى : ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) يوسف/87 .
فهيا يا أمة الله ، أسرعي إلى رحمة ربك ، فقد ناداك ، فلا تتأخري ، وإياك إياك أن تضيعي لحظة واحدة ، وأنت بعيدة عن الله ، كفاك بعدا عنه ، كفاك شرودا منه فقد دعاك وناداك ، وتحبب إليك بعفوه ورحمته ، وبره ولطفه ، فهلم إلى رحمة الله :
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر/53-55 .
وما دامت روحك لم تبلغ الحلقوم ، يا أمة الله ، فلا تيأسي من التوبة ، وتوبي :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) رواه أحمد (6125) والترمذي (3537) وحسنه .
يا أمة الله ، إن باب التوبة مفتوحا أمك على مصراعيه ، يسع كل العباد أن يدخلوه ، ولو كان مع الواحد منهم ملء الأرض من الخطايا والذنوب ، لكن شريطة أن ينتهوا ويتوبوا :
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )
رواه الترمذي (3540) وحسنه ، وحسنه الألباني .
يا أمة الله ؛ إذا وصلتك رسالتنا ، وقرأت جوابنا في الصباح ، فإياك ، ثم إياك ، أن تؤخري توبتك إلى المساء ، وإذا أتتك في المساء فاحذري أن تؤخريها إلى الصباح ، فباب التوبة والإنابة والرجوع إلى الله مفتوح :
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم (2759) .
فإذا أنت صدقت مع ربك ، وتبت توبة نصوحا ؛ فأبشري ، فإن التوبة تهدم ما كان قبلها ، لا ؛ بل أنت فاصدقي والتوبة ، وأخلصي ، وسارعي إلى ربك ؛ فلعل الله أن يبدل لك ما سلف من سيئاتك ، فتأتيك في صحيفتك حسنات :
( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/68-71 .
وإذا كنت قد وجدت من قلبك نقصانا من محبة الرحمن ، وضعفا من الإيمان ، فإنما ذلك لما أنت مقيمة عليه من الفسوق والعصيان ، فهيا يا أمة الله ، توبي وارجعي إلى ربك ، فباب محبته : متبابعة نبيه ، وذلك أمر ميسور على من قصده ، وطلبه بصدق :
( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران /31 .
وبطاعة ربك ، وطاعة نبيه ، بأداء الفرائض ، والإكثار من السنن والنوافل ، سوف تجدين طعم المحبة في قلبك ، بإذن الله :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( إنَّ الله تَعَالَى قَالَ : مَنْ عادى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ ، فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا ، وَإنْ سَأَلَني أعْطَيْتُهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . رواه البخاري (6502) .
"آذَنتُهُ" : أعلمته بأني محارِب لَهُ .
نسأل الله أن يهدي قلبك ، ويشرح صدرك ، ويوفقك للتوبة النصوح ، ويثبتك على الهدى ، وصراطه المستقيم .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب