0 / 0
52,03202/02/2011

هل في مسند الإمام أحمد بن حنبل أحاديث موضوعة ؟

السؤال: 159828

بخصوص المسند للإمام أحمد بن حنبل : يقول أبو الفرج ابن الجوزي أن بعض الأحاديث الواردة في هذا المسند موضوعة .
ما درجة هذا الكلام من الصحة ؟
جزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
يختلف العلماء أحياناً في الحكم على بعض الأحاديث أنها موضوعة أو ليست موضوعة ، ولاختلافهم هذا أسباب كثيرة ، منها :
1- اختلافهم في رواة الحديث المعين ، فقد يكون الراوي عند بعض العلماء كذابا ، وعند آخرين متهما بالكذب ، وعند آخرين : ضعيفا جدا ، فيختلفون في الحكم على الحديث تبعاً لذلك .
2- كما يختلف العلماء في الحكم على متن الحديث ، فقد يرى بعض المحدثين أن هذا المتن منكر جدا ، لا ترد الشريعة بمثله ، وفيه من الغرائب والعجائب ما يؤكد وضعه ، بينما يرى آخرون أن المتن لا يبلغ تلك الدرجة من النكارة .
قال العلامة المعلمي رحمه الله :
” هذه قواعد يحسن تقديمها :
1- إذا قام عند الناقد من الأدلة ما يغلب على ظنه معه بطلان نسبة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد يقول : باطل ، أو موضوع ، وكلا اللفظين يقتضي أن الخبر مكذوب عمدا أو خطأ ، إلا أن المتبادر من الثاني الكذب عمدا ، غير أن هذا المتبادر لم يلتفت إليه جامعو كتب الموضوعات ، بل يوردون فيها ما يرون قيام الدليل على بطلانه ، وإن كان الظاهر عدم التعمد .
2- قد تتوفر الأدلة على البطلان ، مع أن الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يتهم بتعمد الكذب ، بل قد يكون صدوقا فاضلا ، ولكن يرى الناقد أنه غلط أو أدخل عليه الحديث .
3- كثيرا ما يذكر ابن الجوزي الخبر ، ويتكلم في راو من رجال سنده ، فيتعقبه بعض من بعده بأن ذاك الراوي لم يتهم بتعمد الكذب ، يعلم حال هذا التعقب من القاعدتين السابقتين .
نعم ، قد يكون الدليل الآخر غير كاف للحكم بالبطلان ، ما لم ينضم إليه وجود راو في السند معروف بتعمد الكذب ، ففي هذه الحال يتجه ذاك التعقب “. انتهى من ” مقدمة التعليق على الفوائد المجموعة للشوكاني ” (ص/7) دار الكتب العلمية .
وقال الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله :
” المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان عمدا أم خطأ “. انتهى من” توجيه النظر ” (2/574) .
وقال الشيخ طارق عوض الله :
” ومن المعلوم أن نقاد الحديث كثيراً ما يحكمون على أحاديث أخطأ فيه بعض الرواة ، بأنها “ضعيفة جداً” ، أو ” باطلة ” ، أو ” منكرة ” ، أو ” لا أصل لها ” ، أو ” موضوعة ” ، مع أن رواتها الذين أخطئوا فيها ، لم يبلغوا في الضعف إلى حد أن يُترك حديثهم ، بل أحياناً يُطلقون هذه الأحكام الشديدة على أحاديث أخطأ فيها بعض الرواة الثقات ، غير متقيدين بحال الراوي المخطئ ، بل معتبرين حال الرواية سنداً ومتناً ، ونوع الخطأ الواقع فيهما ، أو في أحدهما “. انتهى من” الإرشادات ” (ص/82) .
ثانيا :
إذا تقرر ما سبق عرفنا سبب وقوع الخلاف بين العلماء في اشتمال مسند الإمام أحمد بن حنبل على أحاديث موضوعة ، فأثبت ذلك بعضهم ، ونفاه آخرون ، والحقيقة أن الخلاف بين القولين هو في تعريف الحديث الموضوع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” من قد يغلط في الحديث ولا يتعمد الكذب : هؤلاء توجد الرواية عنهم في السنن ومسند الإمام أحمد ونحوه .
بخلاف من يتعمد الكذب : فإن أحمد لم يرو في مسنده عن أحد من هؤلاء .
ولهذا تنازع الحافظ أبو العلاء الهمذاني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : هل في المسند حديث موضوع ؟
فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع ، وأثبت ذلك أبو الفرج ، وبَيَّن أن فيه أحاديث قد علم أنها باطلة .
ولا منافاة بين القولين ، فإن الموضوع في اصطلاح أبي الفرج هو الذي قام دليل على أنه باطل وإن كان المحدث به لم يتعمد الكذب بل غلط فيه ، ولهذا روى في كتابه في الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع .
وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره وقالوا : إنه ليس مما يقوم دليل على أنه باطل ، بل بينوا ثبوت بعض ذلك .
لكن الغالب على ما ذكره في الموضوعات أنه باطل باتفاق العلماء .
وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله فإنما يريدون بالموضوع المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب “. انتهى من” مجموع الفتاوى ” (1/248) .
فهذا وجه التوفيق بين القولين .
ومن تأمل أحاديث المسند أو بعضها ، وراجع أقوال أهل العلم في تلك الأحاديث ، تبين له أنه يشتمل على أحاديث شديدة الضعف وأن متونها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنها يمكن أن توصف بأنها موضوعة ، وإن كان الراوي لها لم يتعمد الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم .
بل هناك حديث رواه الإمام أحمد في المسند ، ونقل عنه ابن الجوزي أنه قال عنه : إنه كذب.
وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا ) ” المسند ” (41/337) .
قال ابن الجوزي رحمه الله :
” قال أحمد بن حنبل : هذا الحديث كذب منكر . قال : وعمارة يروى أحاديث مناكير . وقال النسائي: هذا حديث موضوع “. انتهى من” الموضوعات ” (2/13) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – في الحديث السابق -:
” كفانا المؤنة شهادة أحمد بكونه كذباً ، فقد أبان علته ، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته، ولعله مما أمر بالضرب عليه ؛ لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة ، يأمر بالضرب عليها من المسند وغيره ، أو يكون مما غفل عنه وذهل ؛ لأن الإنسان محل السهو والنسيان والكمال لله تعالى “. انتهى من” النكت ” (1/472-473) .
ولهذا استقرت كلمة أهل العلم على أن مسند الإمام أحمد بن حنبل يشتمل على عدد يسير من الأحاديث التي يمكن أن توصف بالوضع ، أو على الأقل بشبه الوضع .
قال الحافظ العراقي رحمه الله :
” وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق ، بل فيه أحاديث موضوعة “. انتهى من” التقييد والإيضاح ” (ص/57) .
وقال الإمام الذهبي رحمه الله :
” فيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ، ولكنها قطرة في بحر “. انتهى من” سير أعلام النبلاء ” (11/329) .
وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة لمسند الإمام أحمد :
” وأقل ما يقوله المتمكن في هذا الفن ، بعد النظر في هذه الأحاديث وما أجاب به العلماء عنها : إنها بالغة الضعف ، وكثير منها يعلم بطلان متونها بالبداهة ، فلا يمكن أن تشد أزرها تلك المتابعات والشواهد “. انتهى من” المسند ” (1/77) طبعة مؤسسة الرسالة .
والأحاديث التي حكم عليها في هذه الطبعة بأنها ” شبه موضوع ” ثمانية أحاديث .
وصرح المحققون على حديث واحد فقط بأنه موضوع ، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ ، يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ ، وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللهِ ، وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ ، رُءُوسُهُمْ مُقَطَّعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ ، تَثِجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ . فَيَقُولُ : صَدَقَ عَبِيدِي ، اغْسِلُوهُمْ بِنَهَرِ الْبَيْضَةِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ نَقَاءً بِيضًا ، فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا) ” المسند ” (21/66) .
قال المحققون : ” موضوع ، أبو عقال- واسمه هلال بن زيد بن يسار البصري نزيل عسقلان- مجمع على طرح حديثه ، وقال ابن حبان: روى عن أنس أشياء موضوعة ما حدَّث بها أنس قطّ ، لا يجوز الاحتجاج به بحال … وقال الدولابي : هذا حديث منكر جداً ، وهو شبه حديث الكذّابين…وقد حكم على هذا الحديث ابنُ الجوزي والعراقي بالوضع ، وهو كما قالا ، ومحاولةُ الحافظ ابن حجر نفيَ تهمة الوضع عنه في “القول المسدد” ص 32-33 في غير محلّها ” انتهى .
حديث آخر موضوع في المسند : حديث عمران بن حصين مرفوعا : ( أن علياً مني وأنا منه، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي ) ” المسند ” (33/154) .
قال ابن تيمية في “منهاج السنة” (7/391-392) : هذا كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . انتهى .
وقد بلغ عدد الأحاديث التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع – وهي في مسند الإمام أحمد – ثمانية وثلاثين حديثا ، حاول الحافظ ابن حجر العسقلاني الجواب عنها حديثا حديثا ، لكن كثيرا من أجوبته لا تسلم له ، ومع ذلك فقد أقر رحمه الله بوجود الموضوع أيضا ، كما أقر سابقا كل من الذهبي والعراقي .
فقال رحمه الله :
” ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة ، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفا . والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا ، أو ضرب وكتب من تحت الضرب “. انتهى نقلا عن ” تدريب الراوي ” (1/173) .
وقال أيضا :
” ونجيب عنها أولا من طريق الإجمال : بأن الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام ، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع ، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا “. انتهى من” القول المسدد ” (ص/11) .
وقال أيضا :
“والحق أن أحاديثه غالبها جياد ، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات ، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد ، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا ، وبقي منها بعده بقية ، وقد ادعى قوم أن فيه أحاديث موضوعات…لا يتأتى القطع بالوضع في شيء منها ، بل ولا الحكم بكون واحد منها موضوعا ، إلا الفرد النادر ، مع الاحتمال القوى في دفع ذلك” انتهى من” تعجيل المنفعة ” (ص/6) .
والحاصل : أن ” المسند ” للإمام أحمد بن حنبل يشتمل على بعض الأحاديث شديدة الضعف التي يمكن أن توصف بالوضع بناء على التوسع في مفهوم الحديث ” الموضوع “، وهذا الذي يقرره كثير من العلماء المتخصصين في الحديث اليوم : كالدكتور إبراهيم اللاحم ، والدكتور سعد آل حميد .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android