0 / 0

حكم الصلاة خلف من يترضى عن الحلاج

السؤال: 160025

أنا أصلي في المسجد القريب من بيتي ، وإمام المسجد سمعْتُه أكثر من مرة يترضى عن ” الحلاَّج ” ، وهذا الإمام صوفي ويردد دائماً عبارات تشتم الوهابية – حسب تعبيره – ، ويصلِّي جهراً على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة ” اللهم صل على سيدنا محمد بن عبد الله صلاة تملأ العرش وما حواه ” ، ويقنت في الفجر ويقول ” اللهم كن بنا كالابن البار بوالده ” ، فما حكم الصلاة خلفه ؟ أفيدوني ، أفادكم الله ، وجزاكم كل خير .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
” الحلاَّج ” من أشهر الزنادقة الذين قتلوا لزيغهم وإلحادهم ، وقد حكم عليه أئمة زمانه من أهل السنَّة بالقتل ردَّة ؛ لما جاء به من مقالات فاسدة لا يشك مسلم في بطلانها وزندقة قائلها .

قال القاضي عياض – رحمه الله – :
“وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول ، وقوله : ” أنا الحق ” مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته .انتهى من ” الشفا بتعريف حقوق المصطفى ” ( 2 / 1091 ) .
ومن علَم ما يقوله الحلاَّج فأقرَّه على أقواله ، أو أثنى عليها وهو يعلم حاله : فحكمه حكم الحلاَّج ، فيكون مرتدّاً مثله يستحق القتل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
“مَن اعتقد ما يعتقده الحلاج مِن المقالات التي قُتل الحلاج عليها : فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين ؛ فإن المسلمين إنما قتلوه على ” الحلول ” و ” الاتحاد ” ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد كقوله ” أنا الله ” ، وقوله ” إله في السماء وإله في الأرض ” .انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 2 / 480 ) .
وأما من كان جاهلاً بمقولات الحلاَّج وزندقته ، فإنه يعرّف بحاله ، وكلام أهل العلم عليه ، وما اتفق عليه الفقهاء من زيغه ، وسوء معتقده .
وأما من لم يثبت عنده أن الحلاج قد قال ما قال ، فليس أقل من أن يعرف ما في هذه المقالات من الزيغ والإلحاد ، فيتبرأ منها ومن أهلها .
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
” فتدبَّر – يا عبد الله – نِحلة الحلاج الذي هو مِن رؤوس القرامطة ودعاة الزندقة ، وأنصِف وتورع واتق ذلك وحاسب نفسك ، فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للاسلام محب للرسائة حريص على الظهور بباطل وبحق : فتبرأ من نحلته .
وإن تبرهن لك – والعياذ بالله – أنه كان – والحالة هذه – محقّاً هادياً مهديّاً : فجدِّد إسلامك واستغث بربك أن يوفقك للحق وأن يثبت قلبك على دينه ؛ فإنما الهدى نور يقذفه الله في قلب عبده المسلم ، ولا قوة إلا بالله .
وإن شككت ولم تعرف حقيقته ، وتبرأت مما رمي به : أرحت نفسك ، ولم يسألك الله عنه أصلاً ” انتهى من ” سير أعلام النبلاء ” ( 14 / 345 ) .

فهذا الإمام إن كان جاهلاً بحال الحلاَّج فيجب عليكم تعريفه بحاله وذِكر حكم العلماء عليه وبيان عقائده الفاسدة التي تسببت بقتله ، فإن ترضى عنه بعدها أو أثنى عليه ، فهو على شاكلته ، وهكذا من زعم أن لكلامهم وجها في الصواب ، أو يمكن تأويله بما يوافق الشريعة ؛ وحينئذ فليس لكم أن تصلوا وراءه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ومَن كان محسناً للظن بهم ، وادَّعى أنه لم يعرف حالهم : عُرّف حالهم ، فإن لم يباينهم ويُظهر لهم الإنكار وإلاّ أُلحق بهم وجُعل منهم .
وأما مَن قال : لكلامهم تأويل يوافق الشريعة : فإنه من رؤوسهم وأئمتهم ، فإنه إن كان ذكيّاً : فإنه يَعرف كذب نفسه فيما قاله ، وإن كان معتقداً لهذا باطناً وظاهراً : فهو أكفر من النصارى ، فمَن لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلاً : كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد.
انتهى من” مجموع الفتاوى ” ( 2/ 132 ، 133 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 21379 ) ففيه ترجمة الحلاج ، وبيان شيء من اعتقاده الفاسد.
وانظر جواب السؤال رقم ( 93150 ) للنظر في تفصيل الصلاة خلف الإمام الصوفي .

ثانياً:
أما شتمه للوهابية فهذا لا يكون عذراً لكم في ترك الصلاة وراءه ؛ فالتلبيس على الخاصة والعامة في شأن أئمة الدعوة النجدية كثير ، والمهم أن لا يتعرض الشخص لعقائد الإسلام المجمع عليها والمعلومة من الدِّين بالضرورة ، وأما الأشخاص أنفسهم فلا نعقد مع الناس ولاءً وبراءً عليهم .
وأما صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ” اللهم صل على سيدنا محمد بن عبد الله صلاة تملأ العرش وما حواه ” : فلا يظهر لنا فيها شيء يخالف الشرع ، وإن كان فيها من التكلف والإغراب ما يرغب المرأ عنها .
وأما قنوته للفجر : فهو مخالف للسنَّة ، فلا يجوز تخصيص الفجر بقنوت ، ولكن هذا ليس عذراً لترك الصلاة خلفه ، فهي من مسائل الخلاف العملي المعتبرة بين أهل العلم .
وأما قوله ” اللهم كن بنا كالابن البار بوالده ” : فهو قولٌ قبيح ، يدل على جهل قائله بالشرع ، وعلى عدم تعظيمه لربِّه تعالى ، ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الزمر/ 67 .
وكيف يخطر لمسلم أن يدعو ربَّه الرحيم الرحمن ذا الرحمة الواسعة والذي وسعت رحمته كل شيء ، كيف يخطر بباله أن أن يطلب منه أن يكون رحيما كرحمة الابن البار بأبيه ؟! فينبغي لذاك الإمام التوقف عن هذا الدعاء السمج القبيح ، ولا يحل له الاستمرار عليه ، فإن أصرَّ فلا بأس بترك الصلاة خلفه تعزيراً له ، وتعظيماً لقدْر الرب عز وجل .
واعلم أخي السائل أن أهل السنَّة هم أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق ، وأن هذا الإمام – وأمثاله كثير – لهم حق عليكم في تعليمهم ونصحهم ، لكن نوصيكم أن يكون ذلك بالحسنى ، وما ذكرناه من الأحكام فيما يتعلق باعتقاد الإمام وأقواله ، لا يعني الشدة والعنف في معاملته ، فالأمران مختلفان ، وفرعون الطاغية قد بلغ به الأمر أن قال ” أنا ربكم الأعلى ” ومع هذا فقد قال الله تعالى للرسوليْن الكريمين موسى وهاورن عليهما السلام لما أرسلا إليه ( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/ 144 .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android