أعرف قصة قوم يأجوج ومأجوج ، وأنهم سوف يفسدون في الأرض ، ويأكلون الأخضر واليابس ، ولكن هل يأجوج ومأجوج سيفسدون أرض العرب فقط أم العالم بأجمعه ؟
وشكرا ، بارك الله فيك .
هل يصيب إفساد يأجوج ومأجوج العالم كله ؟
السؤال: 161083
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأدلة الواردة في شأن يأجوج ومأجوج اشتملت على بعض بعض الإشارات التي تدعو إلى التأمل لمعرفة مَن سيخرج فيهم هؤلاء القوم المفسدون ، إذ لا سبيل لمعرفة ذلك سوى بالوحي المعصوم.
ولذلك يمكننا القول إن الأدلة التي أخبرت عن هذا الموضوع على قسمين :
الأول : أدلة ظاهرها خروج يأجوج ومأجوج على جميع الناس ، وبلوغ أذاهم إلى جميع أهل الأرض ، وهذه الأدلة هي :
1- قوله تعالى : ( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) الكهف/94. فكلمة ( الأرض ) كلمة مطلقة ظاهرها إمكان بلوغ أذاهم إلى جميع بقاء الأرض .
2- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّدِّ قَالَ :
( يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ : ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا ، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَأَشَدِّ مَا كَانَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتَهُمْ – وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ – قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ : ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ – وَاسْتَثْنَى – قَالَ : فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ ، فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ ، فَيَسْتَقُونَ الْمِيَاهَ وَيَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ فِي السَّمَاءِ ، فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدِّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ . قَسْوَةً وَعُلُوًّا ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ ، فَيَهْلِكُونَ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ تَسْمَنُ وَتَبْطَرُ وَتَشْكَرُ شَكَرًا مِنْ لُحُومِهِمْ )
رواه الترمذي (3153) وقال : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا . وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام : ( وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ ) ، وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا : ( فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ )، فكلمة ( الناس ) كلمة عامة تشمل في ظاهرها عمومَ الناس ، وليس فئة خاصة منهم .
وكذلك قولهم : ( قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ ) ظاهره أنهم يقصدون جميع أهل الأرض ؛ لأن ( مَن ) مِن ألفاظ العموم .
الثاني : أحاديث ظاهرها خروج يأجوج ومأجوج على المسلمين في البلاد المباركة ، بلاد الأنبياء التي تكون فيها الملحمة الكبرى ، ويخرج فيها الدجال ، ويحشر الناس إليها يوم القيامة : بلاد الشام والجزيرة وما حولها ، وهذه الأحاديث هي :
1- عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ :
( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ – وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا – قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟! قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ )
رواه البخاري (3346) ومسلم (2880)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” إنما خص العرب بالذكر لأنهم أول من دخل في الإسلام ، وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم “. انتهى من” فتح الباري ” (13/11)
ويقول أيضا :
” خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم “. انتهى من” فتح الباري ” (13/107)
وكلام الحافظ ابن حجر رحمه الله يدل على أن فتنة يأجوج ومأجوج تصيب المسلمين في الغالب ، وإنما ذكر العرب لأنهم معظم المسلمين ، ولا ذكر لغير المسلمين في هذه الفتنة .
2- حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه – وهو حديث طويل يصف فتنة الدجال ونزول المسيح ابن مريم عليه السلام وقتله له – وكان مما جاء فيه :
( فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ – يعني الدجال – إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ…فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ …فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى : إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ …. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ )
رواه مسلم (2937)
ظاهر هذا الحديث يدل على أن خروج يأجوج ومأجوج على المسلمين في بلاد البعثة النبوية وبلاد الشام وما حولها :
فذِكْرُ بحيرة طبرية – وهي في بلاد الشام – .
وانحصار عيسى عليه السلام والمؤمنين معه في مكان ضيق .
وإلقاء جثث يأجوج ومأجوج حيث شاء الله – يعني من الأرض -.
كلها قرائن تشعر أن هذه الفتنة لا تعم الأرض كلها ، وإن كانت باقي بقاع الأرض تتأثر بما يحدث في هذه البلاد المباركة ، ولكنه ليس التأثر الرئيس .
ثم قوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث : ( وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ) يدل على أن شرار الناس هؤلاء لم يقتلهم يأجوج ومأجوج ، وبالتأكيد لم يكونوا مع المؤمنين أتباع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، فلم يبق إلا أنهم شرار الناس في باقي الأرض التي لم يمر عليها يأجوج ومأجوج .
وأما الأحاديث الأولى التي ظاهرها إصابة الفتنة عموم الناس فتحمل على أنها من قبيل العام الذي يراد به الخاص ، بدلالة السياق أو الأحاديث الأخرى ، كحديث زينب بنت جحش ، وحديث النواس بن سمعان .
وعلى كل حال : لا يمكننا الجزم بأحد الاحتمالين لعدم قيام الأدلة الظاهرة على الترجيح بينهما، والعلم عند الله تعالى ، والمهم هو أخذ العبرة والعظة من هذه الفتنة العظيمة .
وانظر جواب السؤال رقم : (3437)
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة