كنت أتصفح فتاوى الدعاء عندكم ، فوجدت أن إطالة السجدة الأخيرة من الصلاة بدعة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسوي بين أركان الصلاة ، أريد أن أدعو ربي بلا قيود البدع ، فأنا أحب دائما أن أدعو ربي في وقت السحر ، برفع يدي بعد ركعتي قيام ليل ، وأطيل لساعة ، وذلك يوميا تقريبا ، فهل هذا يجوز ، ولو صليت ركعتين قيام ليل وساويت بين أركان الصلاة تقريبا إلا في التشهد ، أطيل لساعة تقريبا ، قبل السلام ، هل يجوز هنا الدعاء بهذه الصيغة .
هل يجوز لي أن أدعو ربي بعد السلام من ركعة الوتر ، وأطيل لساعة تقريبا ، ويوميا ، المقصد من كل هذا أريد أن أدعو ربي ليلا في السحر ، وأطيل في الدعاء ، فكيف بعيدا عن البدعة .
وبالنسبة لساعة يوم الجمعة قبل المغرب كيف أستغلها بعيدا عن البدع ، أأصلي ركعتين في وقت الكراهة ، وأرفع يدي ، أم كيف الطريقة الصحيحة ؟
كيف أناجي ربي وقتا طويلا مع اجتناب الوقوع في البدعة ؟
السؤال: 161223
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الدعاء والمناجاة من أحب الأعمال إلى الله عز وجل ، لأنها من أصدق صور التعبير عن الذل والانكسار بين يدي الله ، ولأنها إعلان صريح للفقر المطلق إلى رحمته عز وجل ، وهو سبحانه يحب من عباده ذلك .
ولا ينبغي أن يكون الخوف من الوقوع في البدعة سببا مثبطا عن هذا العمل الصالح ، فالشيطان يلبِّسَ على العباد عباداتهم فيدخل إليهم من باب التخويف من الرياء أو التخويف من البدعة كي يتركوا العبادة كلها ، فيجب على المسلم الحذر من ذلك ، وخيراً فعلت بسؤالك عن الجائز من الدعاء وكيفيته .
ثانيا :
أما من حيث الأحكام الشرعية التي وردت في السؤال ، فنقول :
إن تطويل السجود في صلاة القيام من السنن المستحبة ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) رواه مسلم (482)
وإكثار الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في السجود سبب لتطويل السجود .
قال الإمام النووي رحمه الله :
” القيام والركوع والسجود والتشهد أركان طويلة بلا خلاف ، فلا يضر تطويلها “. انتهى من ” المجموع ” (4/126)
وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم طول سجود الصالحين في معرض المدح والثناء ، فقال عز وجل : ( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) الفتح/آية 29.
وقد سبق ذكر هذا الحكم في الجواب رقم : (6834)
أما الذي سبق النص في موقعنا على أنه مخالف للسنة – ولم نقل إنه بدعة – في الجواب رقم : (111889) ، (112165) فهو تعمد إطالة الإمام السجود الأخير في صلاة الجماعة لينبه الناس على أنه الآن في السجود الأخير ، فهذا الذي يخالف السنة النبوية ، أما إطالة السجود في قيام الليل فلا يمنعه أحد ، بل هو من السنة .
ثالثا :
ومثله أيضا إطالة جلوس التشهد ، فقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره : ( ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ) رواه البخاري (5876) ومسلم (402)
جاء في ” المدونة ” (1/192) :
” قال مالك : ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة حوائج دنياه وآخرته في القيام والجلوس والسجود … عن عروة بن الزبير قال : … إني لأدعو الله في حوائجي كلها في الصلاة حتى في الملح ” انتهى .
وأما الدعاء في الصلاة ، مع رفع اليد ، فإنما يشرع ذلك في الوتر ، آخر الصلاة ، يعني : إذا انتهى من صلاته في الليل ، فليجعل آخر صلاته وترا ، وبعد الركعة الأخيرة : يرفع يديه ويدعو بما شاء ، كما يفعل الناس مع الإمام في صلاة التراويح في رمضان .
رابعا :
وأما الدعاء بعد ركعة الوتر في السحر فلا حرج فيه أيضا ، ولا يدخل في البدعة لأن الدعاء في السحر جائز بنص الكتاب والسنة .
فالله عز وجل يقول :
( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) آل عمران/17.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) .
رواه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) .
خامسا :
وأما تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة بالدعاء فهو من الأعمال الصالحة أيضا ، وليس من البدعة في شيء ، ولكن لا يجوز ربطه بصلاة نافلة بعد العصر ، فإن صلاة النافلة بعد صلاة العصر منهي عنها ، لذلك يكتفي الداعي بالجلوس والدعاء – سواء في المسجد أم في البيت -، ويسأل الله حوائجه كلها ، وبالصدق والتضرع يجاب بإذن الله ، وقد سبق تفصيل الكلام عن هذا الأمر في الجواب رقم : (112165)
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة