تنزيل
0 / 0

كان زوجها على علاقة محرَّمة مع امرأة ثم تزوجها وتسأل مسائل متعددة

السؤال: 161302

أكتب لك رسالتي هذه من بلاد الغربة من ” لندن ” , حيث قدمت مع زوجي وأولادي الخمسة – اثنان منهم مع أزواجهم , حيث تسهلت لهم فرصة إكمال دراستهم العليا في الخارج – ووجد زوجي الأكاديمي فرصة عمل في ” لندن ” فانتقلنا جميعنا على أن نكون مع أولادنا في هذه الفترة الدراسية التي مضت منها سنة .
الذي حدث – وأريد من فضيلتكم الرد عليه بشيء من التفصيل – هو أنه في ظروف الغربة والشعور بالضعف والخوف ، وضرورة وجود رب الأسرة دائما قريباً من الأولاد موجهاً معيناً على الدراسة بتهيئة جو أسري مريح , ومع مدى انشغاله بالعمل – فهو يخرج التاسعة ويعود السادسة ـ أو أكثر احياناً – فقد أقدم على الزواج من أخرى تدرس الدكتوراه في نفس البلد , هذه الأخرى له قصة معها , حيث كان على علاقة بها واتصال دام ثلاث سنوات , هذه العلاقة والاتصال بشتى أنواعه بنيت على أنه طلبها من والدها ، ووافق أهلها وهم على علم أنه يتحدث معها ، وكنت أخوفه بالله لكنه كان يبرر موقفه على أنه سوف يتزوجها ، وهي الآن تدرس في ” لندن ” حيث انتقلت إلى هنا قبل مجيئنا بسنة أو أكثر .
أسئلتي لفضيلتكم هي :
1. شعرتُ بالظلم أنه تزوج في بلد الغربة ونحن بهذه الظروف , فأيامنا التي يكون فيها عند الأخرى نشعر فيها بعدم الأمان ، فهل آثم عندما أقول له بأنك قد ظلمتنا بزواجك ؟ .
2. هو يبرر ذلك بأنه قضاء وقدر ، نعم ، آمنت بالله وأنه قضاء وقدر ، ولكني أقول له : إنك أنت الذي قدرته على نفسك لأنك مشيت بهذا الطريق وفتحت له أبوابك ، فهل أنا محقة أم هو؟
3. هل يجوز أن أطلب منه أن لا يذهب إليها إلا يوم أو يومين في الأسبوع حيث احتياجاتنا أكثر من احتياجاتها ؟ مع العلم أن أهلها وأخوانها يعيشون معها في نفس المكان .
4. هل يجوز لي أن أدعو الله بأن يصرفها عنَّا بما يشاء وكيف ما شاء , وأن أدعو الله عليها بعدم توفيقها مع زوجي ، لأني أشعر أنها خَدعت زوجي بكلامها فهي بنت وتصغره بعشرين سنة , وهو قد تجاوز الخمسين ؟ .
5. وأخيراً : إن لم يسمح لي الشرع بذلك , وشعرت أنني لا أطيق ولا أتحمل الوضع معه وأردت أن أعيش معه فقط لأجل أولادي هل أكون آثمة ؟ مع العلم أنه قال لي : افعلي الشيْء الذي يريحك .
واعذرني إذا عشت في هذا الوضع فقد انشغل في أمور الدنيا ومشاكلها , و أنا أريد أن انشغل بآخرتي فبماذا تنصحونني أثابكم الله ؟ .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
لا شك أن ما يحصل من هذه العلاقات المشار إليها ، بين رجل وامرأة لا تحل له : هو من
المنكرات الظاهرة في الشرع ، والتي يترتب عليها من المفاسد ما لا يخفى على أحد .

وقد أحسنتِ في نصحك لزوجك بترك تلك العلاقة المحرمة ، ونرجو الله أن يكتب لك أجر
تلك النصيحة وذاك التخويف بالله تعالى .

ثانياً:
جواباً على أسئلتك نقول :
1. لا تكونين آثمة في قولك لزوجك ” إنك ظلمتنا بزواجك ” إذا كان فعلاً يقع منه
الظلم تجاهك وتجاه أولاده ، كأن يبيت عند الأخرى ما ليس لها به حق ، وكأن يقصِّر في
النفقة عليكم مع القدرة ، وكأن يفرِّط في رعاية أولاده والعناية بهم ومتابعة أمور
دينهم واستقامتهم ، والواجب عليه – والحالة هذه – أن يتقي الله تعالى ربَّه وأن
يرفع الظلم عمن ظلمهم ، وأولهم نفسه حيث ظلمها بتعريضها لوعيد الله .
غير أننا ننبهك إلى أم مهم ، وهو أن الزواج بامرأة أخرى ، وثالثة ، ورابعة ليس ظلما
في حد ذاته ، لا لزوجته الأولى ، ولا لأولاده منها ؛ فمتى كان مؤديّاً ما افترض
الله عليه من العدل بينك وبين الأخرى في النفقة والمبيت والسكنى ، وكان قائماً على
أولاده بالعناية والرعاية والمتابعة : فإنه لا يكون واقعاً في الظلم . ومن كان ضبط
كلامك المتعلق بذلك مهمتك أنت ، حتى لا تقعي في ظلمه والعدوان عليه ، في حين أنك
تظنين أنه هو الظالم لك !
2. الواقع أنه ليس هناك كبير فائدة الآن في بحث مسألة القدر، وزواجه من الأخرى ؛
فكل مسلم يعلم أنه ما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بقضاء الله وقدره ، لكن ذلك لا
يعني أننا غير مسؤولين عن أفعالنا ، خيرها وشرها ، لكن النظر المجدي الآن هو كيف
نتصرف مع هذا الأمر الواقع .
3. لا يجوز لك أن تطلبي من زوجك الذهاب يوماً أو يومين فقط في الأسبوع لزوجته
الأخرى ، وأنت بذلك تقعين في الظلم لنفسك وتسببينه له ، فكما كفل الله تعالى لك
حقوقك ، فكذلك الأمر بخصوص الزوجة الأخرى ، ولا فرق ، والواجب على الزوج أن يقسم
أيام الأسبوع لكل زوجة بالتساوي وهو العدل الذي أمره الله تعالى به ، ولا مانع من
الاتفاق على أيام مخصوصة يكون فيها عند أي واحدة منكما ، ولا مانع أن تتنازل واحدة
منكما عن حقها في بعض أيامها ، لكنَّ ذلك مشروط بأن يكون عن طيبِ نفسٍ منها ، لا
بالإكراه ، ولا بإخجال الطرف الآخر وإحراجه . وينظر جواب السؤال رقم : (
20455 ) .
4. لا يجوز لك الدعاء على الزوجة الأخرى بعدم التوفيق ؛ فهو دعاء بإثم لا يقبله
الله ، ويُخشى من رجوع أثره السيء عليكِ ، فاحذري يا أمة الله من ظلم العباد
والعدوان عليهم ، لكن إن رأيتِ منها شرّاً وسوءًا ، فلك أن تدعي الله تعالى أن
يكفَّ شرَّها وأذاها عنكِ وعن أولادك ، وليس لك الدعاء بالمطلق أن يصرفها الله عنك
وأن لا يوفقها ، وأنتِ لم تري منها ظلماً ولا سوءًا ، وأنتِ لا تعلمين الخير أين
يكون ، فقد كان في زواج زوجك منها توقف عن ارتكابه لآثام ومعاصٍ متعددة ، وهذا خير
له ولها ، وقد ترين منها خيراً لك ولأولادك فيما يأتي من قادم الأيام ، كأن تحتاجي
لوقوف أحد معك لمساعدتك في علاج أو ولادة ، أو يحتاج أولادك لمن يرعاهم بغيابك عنهم
، وغير ذلك كثير مما نراه ونسمعه من حال كثير من الأسر التي عدَّد فيها ربُّ الأسرة
فتزوج أكثر من واحدة .
ونرجو منك النظر في جواب السؤال رقم (
71152 ) ففيه فوائد في هذه
المسألة .
5. لا ننصحك باتخاذ ذلك القرار الذي تودين فيه التفرغ لأولادك دون أن تكوني زوجة
لزوجك ؛ لعدة أمور :
أ. أن هذا منافٍ للفطرة التي فطر الله عليها النساء من وجود شهوة في نفسها ، ولا
تستطيع المرأة تصريفها إلا مع زوجها .
ب. أن هذا منافٍ للعشرة الحسنة التي أمرك الله تعالى بها تجاه زوجك .
ج. نرى تناقضاً في مواقفكِ عليك مراجعة نفسك لأجلها ، فحين كان زوجك يرتكب المحرمات
في العلاقات قبل الزواج مع تلك المرأة لثلاث سنوات لم نرَ موقفاً منك سوى النصح
والتخويف ، والآن عندما فعل الشيء الصواب الحلال نرى موقفك الهجر والترك له ! وهذا
حال كثير من النساء اليوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، تصبر الواحدة منهن على
علاقات زوجها المحرمة ، ولا تصبر على زواجه في حلال الله . والمأمول منك أن تعيدي
النظر في ذلك ، لتعلمي أن الواجب هو العكس من ذلك .
د. ثم إنه لا يُدرى ما يكون من حال زواج زوجك الثاني ، فقد تشوبه شوائب ولا يُكتب
له الاستمرار ، فيكون بُعدك عن زوجك تلك السنوات فيه صعوبة في الإصلاح بعدها .
هـ. ليس هناك تناقض بين تفرغك للآخرة وقيامك على شئون أولادك ، وبين بقاؤك زوجة لها
كامل الحقوق وتعطي كامل الواجبات ، بل إن غياب زوجك عنك عند زوجته الثانية يدع لك
الفرصة الكبيرة للتفرغ لشئون نفسك وطاعتك وطلبك للعلم والتفرغ لأولادك ولبيتك ، فلا
تفتحي على الشيطان باباً ينفذ من خلاله إلى قلبك وعقلك فيفسدهما عليك .
و. إن اتخاذ هذا القرار منك من شأنه أن يؤثر سلباً على تربية أولادك – ذكوراً
وإناثاً – ويسبب لهم آثاراً سيئة مما سيرونه من كثرة فقد أبيهم ، وسيؤثر قرارك عليك
أنت أيضاً لأنه سيجعلك تتحملين مسئولية أكبر من ذي قبل تجاه أولادك .
فالذي نؤكد عليه : عدم اتخاذ هذا القرار ، وأن تبقي زوجة صالحة ، تؤدين واجباتك
الزوجية ، وتعاشرين زوجك بالمعروف .

ثالثاً:
أما الحل الذي تقترحينه فهو جائز على الصحيح ويسمَّى ” الصلح ” ، وهو خير من الطلاق
– ولا شك – وقد أشرنا له في بعض أجوبتنا فانظري أجوبة الأسئلة (
91899 ) و (
12509 ) و (
36818 ) – وخير منه أن يكون
منكِ هبة لأيامك للزوجة الأخرى ، والفرق بين ما تقترحينه وبين ما نقترحه لك أنه في
حال الهبة يمكنك قطعها وعدم الاستمرار بها ، وأما في حال اختيارك للصلح طريقاً فإنه
لن يمكنك التراجع عنه ، وهذا هو الفرق بين ” الهبة ” و ” الصلح ” .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
قوله ” فإن رجعت قسم لها مستقبلاً ” يعني : بعد أن وهبت القَسْم له ، أو لزوجةٍ
أخرى فإن لها أن ترجع ، ويقسم لها في المستقبل ، ولا يقضي ما مضى ، وهذا فائدة قوله
” مستقبلاً ” .
فإن قال قائل : أليست الهبة تلزم بالقبض ؟ .
قلنا : بلى ، لكنهم قالوا : هنا ما حصل القبض ؛ لأن الأيام تتجدد يوماً بعد يوم ،
ولهذا قلنا : إنه يقسم لها مستقبلاً ولا ترجع فيما مضى ، لأن الذي فات قد قُبض ،
والهبة بعد قبضها لا رجوع فيها ، أما ما يستقبل فإنه لم يأتِ بعد فلها أن ترجع فيه
.
وهذا التعليل لما قاله المؤلف صحيح ، لكن ينبغي أن يكون هذا مشروطاً بما إذا لم يكن
هناك صلح ، فإن كان هناك صلح : فينبغي أن لا تملك الرجوع ؛ لقوله تعالى ( وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ) النساء: 128 ، والصلح لازم ،
وكيف الصلح ؟ كأن تشعر من هذا الرجل أنه سيطلقها وخافت ، فقالت له : أنا أتفق معك
على أن أجعل يومي لفلانة ، وتبقيني في حِبالك ، فوافق على هذا الصلح ، فصارت
المسألة معاقدة ، فإذا كانت معاقدة : فإنه يجب أن تبقى وأن تلزم ، وإلا فلا فائدة
من الصلح ، وهذا الذي اختاره ابن القيم رحمه الله .
انتهى من” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 12 / 436 ، 437 ) .

لكنا نعود فنذكرك بأن الذي نختاره لك ، ونصحك به : أن
تبقى الأمور على ما هي عليه ، وتمشي الحياة طبيعية بينكما : ( وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة /216 .
نسأل الله تعالى أن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق ، وأن يثبتك على دينه ،
وأن ييسر لك الخير حيث كان ، وأن يجمع بينك وبين زوجك وأولادك على خير .

والله أعلم

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android