0 / 0

هل يوصف الله عز وجل بالغيْرة ؟ وهل يقال ” يغار الله على أنبيائه وأوليائه ” ؟

السؤال: 161451

هناك قصيدة نظمها أحد الشعراء في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ورد فيها:
قد غار ربي في حليلة أحمد .. وأنا على عرض النبي أغار
فهل يجوز مثل هذا الكلام في حق الله عز وجل ؟ وكذلك هناك بعض القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أحس أنها لا تليق ، مثلاً : ” طيفك يداعب خيالي ” وهي أنشودة منتشرة في الأسواق ، فهل يجوز مثل هذا ؟ .
وبارك الله فيكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
منهج أهل السنَّة والجماعة في باب صفات الله تعالى قائم على أمور ، من أهمها :
1. أنها صفات توقيفية لا يجوز لأحد أن يُثبتها من غير الكتاب والسنَّة ، فلا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم .
2. أن لها من المعاني ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته ، فتُعلم معانيها ويُجهل كيفياتها .
3. أنه يؤمن بمعانيها من غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل .
وانظر جوابي السؤالين ( 72318 ) و (39803 ) .

ثانياً:
ثبتت صفة ” الغيْرة ” لله تعالى في صحيح السنّة ، ومما جاء في ذلك :
1. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) رواه البخاري ( 4925 ) ومسلم ( 2761 ) .
2. عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) .
رواه البخاري ( 6980 ) ومسلم ( 1499 ) وعنده زيادة بلفظ ( وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ ) .
3. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيراً ) .
رواه البخاري ( 1044 ) ومسلم ( 901 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
” وغيْرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه ، وغيْرته أن يزني عبدُه أو تزني أمَتُه … .
الغيْرة التي وصف الله بها نفسه : إمَّا خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه ، وإما عامة وهي غيرته من الفواحش ما ظهر منها وما بطن” . انتهى من ” الاستقامة ” ( 2 / 9 – 11 ).
وقال ابن القيم – رحمه الله – : ” الغيرة تتضمن البغض والكراهة ، فأخبر أنه لا أحدَ أغير منه ، وأن من غيْرته حرَّم الفواحش ، ولا أحد أحب إليه المِدْحة منه ، والغيْرة عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية ، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية ؛ فيستحيل وصفه عندهم بذلك ، ومعلوم أن هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ؛ فإن الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشة وتركها : مذموم غاية الذم مستحق للذم القبيح ” انتهى من ” الصواعق المرسلة ” ( 4 / 1497 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
” المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق ، وأما الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها ، كما دل عليه هذا الحديث وما جاء في معناه ، فهو سبحانه يوصف بالغيْرة عند أهل السنَّة على وجه لا يماثل فيه المخلوقين ، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه ، كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه ، والله أعلم ” . انتهى من تعليق الشيخ ابن باز على ” فتح الباري ” لابن حجر ( 2 / 531 ) .
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان – حفظه الله – في التعليق على حديث ( وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ) – : ” ومعناه : أن الله يغار إذا انتهكت محارمه ، وليس انتهاك المحارم هو غيرة الله ؛ لأن انتهاك المحارم فعل العبد ، ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره .
وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها ، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق ، بل هي صفة تليق بعظمته ، مثل الغضب ، والرضا ، ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها ، وقد تقرر أنه تعالى ليس كمثله شيء في ذاته ، فكذلك في صفاته ، وأفعاله ” . انتهى من ” شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري ” ( 1 / 287 ) .

ثالثاً:
إذا عُلم معنى الصفة العظيمة المتصف بها ربنا تعالى وهي الغيرة : يتبين أن استعمالها فيما سأل عنه الأخ السائل صحيح ، وفي سياق حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه فإن الغيرة ” تتضمن الغضب لانتهاك الحرمة ، والله سبحانه يبغض ما حرم ، ويغضب إذا انتهكت حرماته ” – كما جاء في ” تعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري ” رقم ( 55 ) – ، ومما لا شك فيه أن التعرض للنبي صلى الله عليه وسلم في عرضه بالطعن بقذف زوجته الصدِّيقة عائشة رضي الله عنها ، هو من أعظم الذنوب التي يغار الله تعالى لأجلها ، والله تعالى يغار على رسله الكرام عليهم السلام ولذا لم يتعرض لهم أحد إلا خُذل وقُصم ، ويغار على أوليائه وأصفيائه ولذا فإنه تعالى قال ( مَن عَادى لي وَلِيّاً فَقَد آذَنْتُه بِالحَرْب ) ، ويغار الله تعالى على شرعه وعلى محارمه أن تُنتهك ولذا فإنه تعالى توعد العصاة بالعذاب وتعجل عقوبة بعضهم في الدنيا ليكونوا عبرة لغيرهم ، وكل ذلك من الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى .
وقول الشاعر ” غار فيها ” هو بمعنى ” غار لها ” ، وحروف الجر تتناوب عند طائفة من أئمة العربية ، وقد استعمل مثلها أئمة الإسلام من أهل السنَّة .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – :
” ولما تكلم فيها أهل الافك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان ” انتهى من ” البداية والنهاية ” ( 8 / 99 ) ، وينظر : ( 3 / 334 ) .

وأما بخصوص جملة ” طيفك يداعب خيالي ” المقولة في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلم نر فيها ما يُنكر ، وإن كان غيرها أحسن منها ، والبعد عنها أولى ، لئلا يختلط الأمر بكلام العشاق وأشباههم ، فهي أشبه بذلك ، وأقرب إليه .
وانظر في أقسام مدح الرسول صلى الله عليه وسلم جواب السؤال رقم (112152 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android