0 / 0

ما صحة حديث في الحث على العزوبة ، وأوله : ( ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه ) ؟

السؤال: 162834

ما صحة هذا الحديث : عن عبد الله بن مسعود قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ‏ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية ، ومن شاهق إلى شاهق ، ومن جحر إلى جحر ) ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

وجدنا هذا الحديث يُروَى بأسانيد ثلاثة :
الإسناد الأول : يروي به الإمام الخطابي في ” العزلة ” (رقم/9) من طريق محمد بن يونس الكديمى ، قال حدثنا محمد بن منصور الجشمي ، قال حدثنا سلم بن سالم ، قال حدثنا السري بن يحيى ، عن الحسن ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ‏ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية ، ومن شاهق إلى شاهق ، ومن جحر إلى جحر ، كالثعلب الذي يروغ‏ .‏ قالوا ‏:‏ ومتى ذاك يا رسول الله ؟ قال ‏:‏ إذا لم تُنل المعيشة إلا بمعاصي الله عز وجل ، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة‏ . قال ‏:‏ وكيف ذاك يا رسول الله وقد أمرتنا بالتزوج ؟ قال‏ :‏ لأنه إذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يدي أبويه ، فإن لم يكن له أبوان فعلى يدي زوجته وولده ، فإن لم يكن له زوجة ولا ولد فعلى يدي قرابته ‏. قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏يَعَيِّرونه بضيق المعيشة ، فيتكلف ما لا يطيق حتى يورده موارد الهلكة ‏)‏
وهذا إسناد ضعيف فيه علل عدة :
1- سلم بن سالم : قال فيه أحمد بن حنبل : ليس بذاك . وقال النسائي : ضعيف . وقال ابن معين : ليس بشيء . انظر : ” ميزان الاعتدال ” (2/185)
2- محمد بن يونس الكديمي : أحد المتروكين . انظر : ” ميزان الاعتدال ” (6/378)
3- محمد بن منصور الجشمي : لم نقف له على ترجمة .
وقد نص الحافظ ابن حجر على ضعفه بسبب الكديمي ، كما في ” الكافي الشاف ” (201)

الإسناد الثاني : يروي به الإمام أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (1/25) من طريق عبدالله بن الحسن ، ثنا إسحاق بن وهب ، ثنا عبد الملك بن يزيد ، ثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبدالله بن مسعود قال : إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ، ولم يشغله بزوجة ولا ولد . وقال ابن مسعود : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا رجل يفر بدينه من قرية إلى قرية ، ومن شاهق إلى شاهق ، ومن جحر إلى جحر ) .
وهذا إسناد ضعيف أيضا فيه علل :
1- عبد الملك بن يزيد بن فهر – كما في شيوخ إسحاق بن وهب من ” تهذيب التهذيب ” – : قال فيه الحافظ الذهبي رحمه الله : أتى عن أبى عوانة بخبر باطل في ترك التزويج ، لا يُدرَى من هو . كذا في ” ميزان الاعتدال ” (2/667) .
2- عبد الله بن الحسن بن نصر : ترجمته في ” تاريخ بغداد ” (9/437) ليس فيها جرح أو تعديل له عن أحد من أهل العلم .

الإسناد الثالث : يروي به الإمام ابن حبان في ” الثقات ” (8/211) فيقول : حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد ، ثنا محمد بن أحمد بن حكيم السيناني ، ثنا أبو روح العابد حاتم بن يوسف ، عن ابن المبارك ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من فج إلى فج ، ومن شاهق إلي شاهق )
وهذا إسناد ضعيف أيضا بسبب :
1- إرسال الحسن البصري .
2- مبارك بن فضالة : قال فيه أبو زرعة يدلس كثيرا وقال أبو داود شديد التدليس . انظر : ” تهذيب التهذيب ” (10/31)

الإسناد الرابع : أخرجه الحارث بن أبي أسامة في ” المسند ” (2/773 من بغية الباحث)، ومن طريقه أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (2/118) قال الحارث : حدثنا عبد الرحيم بن واقد , ثنا مسعدة بن صدقة أبو الحسين , ثنا سفيان الثوري , عن أبيه , عن الربيع بن خثيم , عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سيأتي على الناس زمان تحل فيه العزبة , ولا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق ، أو من جحر إلى جحر ، كالطائر يفر بفراخه وكالثعلب بأشباله , ثم قال : ما أتقاه في ذلك الزمان راع أقام الصلاة بعلم ، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس إلا من خير , ولمائة شاة عفراء أرعاها بسلع أحب إلي من ملك بني النضير , وذلك إذا كان كذا وكذا )
وهذا إسناد ضعيف جدا أيضا بسبب مسعدة بن صدقة ، قال فيه الدارقطني : متروك . انظر : ” ميزان الاعتدال ” (4/98).
لذلك قال عنه أبو نعيم : ” غريب ” انتهى.

الإسناد الخامس : رواه البيهقي في ” الزهد الكبير ” (ص/183) من طريق جامع بن سودة ، ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من هرب بدينه من شاهق إلى شاهق ، ومن جحر إلى جحر، فإذا كان ذلك الزمان لم تنل المعيشة إلا بسخط الله ، فإذا كان ذلك كذلك كان هلاك الرجل على يدي زوجته وولده ، فإن لم يكن له زوجة ولا ولد كان هلاكه على يدي أبويه ، فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي قرابته أو الجيران . قالوا : كيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يعيرونه بضيق المعيشة ، فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي تهلك فيها نفسه )
وهذا إسناد ضعيف أيضا ، فيه جامع بن سوادة : ضعيف يروي أخبارا باطلة ، كما في ” لسان الميزان ” (2/93)، وفيه أيضا تدليس المبارك بن فضالة والحسن البصري .

والحاصل :
أن الحديث ضعيف جدا من جميع طرقه ، لا يقوي بعضها بعضا ، فضلا عن أن الحديث يدعو إلى الترهب والعزوف عن الزواج ، وهذا معنى غريب بل منكر في الشريعة ، ليس له شاهد في السنة الصحيحة ، بل الشواهد المتكاثرة على عكسه .
لذلك عقد ابن الجوزي في كتاب ” الموضوعات ” (2/278) بابا بعنوان : ” باب التعزب “، أورد فيه هذا الحديث وغيره ، دلالة على نكارة ورود هذا المعنى في الشريعة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ليس معروفا عن النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18/383)
وحكم الإمام الذهبي على الخبر بالبطلان – كما سبق نقله – ، وضعف الحديث الحافظ العراقي في ” المغني عن حمل الأسفار ” (2/24)
وقال الحافظ السخاوي رحمه الله :
” في معناه أحاديث كثيرة كلها واهية ” انتهى من ” المقاصد الحسنة ” (ص/329)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
” منكر ” انتهى من ” السلسلة الضعيفة ” (رقم/3270)، وتجد فيها تضعيف أكثر الطرق المذكورة في هذا الجواب أيضا .

أما موضوع العزلة ، والحديث عن المفاضلة بينها وبين الاختلاط بالناس : فقد سبق الجواب عليه في موقعنا في الفتوى رقم : (13835)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android