ورد عن ابن عمر في ” الأدب المفرد ” أنه إذا تخدَّرت قدمه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل هذا العمل مشروع ؟
دراسة ما روي في باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله
السؤال: 162967
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
مدار أسانيد هذا الأثر على أبي إسحاق السبيعي ، رواه عنه خمسة من أصحابه ، وهم :
سفيان الثوري ، وزهير بن معاوية ، وشعبة ، وإسرائيل بن يونس ، وأبو بكر بن عياش .
ولكنهم اختلفوا في رواية الأثر عن أبي إسحاق على أوجه :
1- سفيان الثوري وزهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن سعد قال :
( خدرت رجل ابن عمر ، فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك . فقال : محمد )
رواه البخاري في ” الأدب المفرد ” (رقم/964)، والدارقطني في ” العلل ” (13/242) عن سفيان الثوري باللفظ السابق ، إلا أنه عند الدارقطني بلفظ : ” يا محمد “.
ورواه علي بن الجعد في ” المسند ” (ص/369)، وإبراهيم الحربي في ” غريب الحديث ” (2/674)، وابن سعد في ” الطبقات ” (4/154)، وابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (31/177)، عن زهير بلفظ : ( جئت ابن عمر فخدرت رجله فقلت : ما لرجلك ؟ قال : اجتمع عصبها . قلت : ادع أحب الناس إليك . قال : يا محمد . فبسطها ) .
وهذا إسناد لا يثبت بسبب عبد الرحمن بن سعد القرشي العدوي الكوفي ، مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما – وفي ” العلل ” للدارقطني أنه مولى ابن الخطاب -، ترجمته في ” الجرح والتعديل ” (5/237)، وفي ” تهذيب الكمال ” (17/142) لم نقف فيها على جرح أو تعديل ، بل قيل ليحيى بن معين رحمه الله : ” من عبد الرحمن بن سعد ؟ قال : لا أدري . ” تاريخ ابن معين – رواية الدوري ” (2953)
وأما قولُ الحافظ ابن حجر في ” التهذيب ” (6/186): قلت : وقال النسائي: ثقة .
فقد علق عليه الدكتور سعد الحميد حفظه الله بقوله :
” أخشى أن تكونَ هذه عبارة النسائي التي قالها في الراوي الذي قبله ، وهو عبد الرحمن بن سعد المدني الأعرج ، فهو يشتبه معه في الطبقة ، ولذا ذكر المزِّي في “تهذيب الكمال” (17/139-140) توثيقَ النسائي للمدني الأعرج ، ولم يذكر توثيقه للكوفي مولى ابن عمر ” انتهى .
http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/3004/14542/
تنبيه : ذكر الدارقطني في ” العلل ” (13/242) أن زهير بن معاوية رواه عن أبي إسحاق ، عن عبد الجبار بن سعيد ، عن ابن عمر . ولم أقف على أصل الرواية .
2- شعبةُ ، عن أبي إسحاق ، عمَّن سمع ابن عمر قال : ( خَدِرَت رِجلُه ، فقيل : اذكر أحبَّ الناس ، قال : يا محمد ) .
رواه إبراهيمُ الحربيُّ في ” غريب الحديث ” (2/673) .
وفي إسناده ضعف بسبب إبهام الراوي عن ابن عمر رضي الله عنهما .
3- إسرائيلُ ، عن أبي إسحاق ، عن الهيثم بن حنش ، قال : ( كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فخَدِرَت رِجلُه ، فقال له رَجُل : اذكر أحبَّ الناس إليك : فقال : يا محمد ، قال : فقام ، فكأنما نَشِطَ من عِقال )
رواه ابنُ السني في ” عمل اليوم والليلة ” (رقم/169)
وهذا إسناد ضعيف أيضا بسبب الهيثم بن حَنَش ، ترجمته في ” التاريخ الكبير ” (8/213)، وفي ” الجرح والتعديل ” (9/79)، وليس لأحد من أهل العلم فيه توثيق ولا تجريح ، فهو مجهول الحال كما مثل به الخطيب البغدادي في ” الكفاية ” (ص/88) على المجاهيل .
ثم في الإسناد إلى إسرائيل راو اسمه محمد بن مصعب القرقساني ، ضعفه ابن معين والنسائي ، وقال ابن حبان : ساء حفظه ، فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ; لا يجوز الاحتجاج به . ووثقه آخرون .
تنبيه : ذكر الدارقطني في ” العلل ” (13/242) أن إسرائيل رواه عن أبي إسحاق ، عن ابن عمر مرسلا . ولم أقف على الرواية .
4- أبو بكر بن عياش ، ثنا أبو إسحاق السَّبيعي ، عن أبي شعبة قال : ( كنت أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما ، فخَدِرَت رِجلُه ، فجلس فقال له رَجُل : اذكر أحبَّ الناس إليك ، فقال : يا محمَّداه ، فقام فمشى )
رواه ابن السني أيضًا في ” عمل اليوم والليلة ” (رقم/168)
وهذا إسناد ضعيف أيضا لا يدرى فيه من هو ” أبو شعبة ” هذا ، وأبو بكر بن عياش فيه كلام.
والحاصل أن هذه الأسانيد لا تخلو من علل ثلاثة :
1- اشتمال كل منها على أحد الرواة المجاهيل ، وذلك في طبقة من يحدث عنهم أبو إسحاق السبيعي ، وهم : عبد الرحمن بن سعد ، والهيثم بن حنش ، وأبو شعبة ، وراو آخر مبهم .
2- ثم إن سماع أبي إسحاق السبيعي عن كل من هؤلاء الأربعة غير مثبت في الكتب ، ومعلوم أن أبا إسحاق مشهور بالتدليس ، حتى ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين ، وذلك في كتاب : ” تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ” (ص/42)، فيخشى أنه استعمله في بعض هذه الموضع أيضا ، فقد روى الحديث بالعنعنة ولم يصرح بالسماع ، وإن كانت عنعنعة أبي إسحاق الأصل فيها القبول ، غير أن استعمالها هنا في طبقة الشيوخ المجاهيل مدعاة إلى الريبة والتوقف .
3- اختلاف الرواة على أبي إسحاق السبيعي قد يؤدي بالناقد إلى التوقف في صحته بسبب هذا الاضطراب ، خاصة وأن أبا إسحاق قد تغير حفظه ونسي في آخر عمره ، وإن كان بالإمكان ترجيح رواية سفيان الثوري لأنه أحفظ الرواة عن أبي إسحاق ، لكنه ترجيح ظنِّي قد لا يسلم . يقول الدكتور سعد الحميد حفظه الله : ” أرجح هذه الطرق رواية سفيان الثوري ” انتهى. ويقول الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله : ” والمعتمد رواية الثوري ” انتهى من ” الفتاوى الحديثية “. ويقول الشيخ صالح آل الشيخ : ” سفيان من الحفاظ الأثبات ، فنقله خبر أبي إسحاق بهذا اللفظ يدل على أنه هو المحفوظ ، وسواه غلط مردود ” انتهى من ” هذه مفاهيمنا ” (ص/52)
ولا يتقوى أثر ابن عمر بما رواه ابن السني في ” عمل اليوم والليلة ” (رقم/169) قال : حدثنا جعفر بن عيسى أبو أحمد ، ثنا أحمد بن عبد الله بن روح ، ثنا سلام بن سليمان ، ثنا غياث بن إبراهيم ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خَدِرَت رِجلُ رَجُل عند ابن عباس ، فقال ابنُ عباس : اذكر أحبَّ الناس إليك ، فقال : محمد صلى الله عليه وسلم ، فذهب خَدَرُه .
وذلك لأنها رواية شديدة الضعف بسبب غياث بن إبراهيم ، قال فيه أحمد بن حنبل : ترك الناس حديثه . وقال البخاري : تركوه . انظر : ” ميزان الاعتدال ” (5/406)، وفيه أيضا ضعفاء آخرون .
وقد ضعف الأثر الشيخ الألباني رحمه الله في ” ضعيف الأدب المفرد “، والشيخ بكر أبو زيد رحمه الله حيث يقول : ” لا يصح في الذكر أو الدعاء عند خدر الرجل أثر ، ولم يرد فيه حديث مرفوع ” انتهى من ” تصحيح الدعاء ” (ص/362)
ثانيا :
ذكر أحب الناس إلى ابن عمر ، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يرد – على فرض صحته – على سبيل الاستغاثة به عليه الصلاة والسلام ، وإنما ورد على سبيل الذكر المجرد ، وفرق عظيم بين الأمرين .
فالذكر المجرد هو الذي قصده بعض العلماء الذين أثبتوا هذا الأثر في كتبهم ، كالإمام النووي في ” الأذكار ” (ص/305)، وابن تيمية في ” الكلم الطيب ” (ص/96) وغيرهم ، فقد كان هذا النوع من علاج الخدر مستعملا لدى العرب قديما ، يرون ذكر الحبيب مهيجا للدم في العروق ، فيكون سببا في ذهاب الخَدَر ، وفي شواهد الشعر العشرات من الأبيات التي تدل على هذا النوع من العلاج العربي ، يمكن مراجعتها في كتاب ” بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ” للألوسي (2/320-321)
أما الاستغاثة فتعني أن ابن عمر سأل الشفاء العاجل من خدر الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس من الله تعالى ، وسؤال الشفاء لا يجوز أن يتوجه إلا لله عز وجل ، فهو الذي بيده الضر والنفع ، وهو الرب المتصرف في الكون كله ، وقد أمرنا سبحانه بسؤاله هو دون سؤال أحد من خلقه – فيما لا يقدر عليه إلا الله – فقال سبحانه : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا . قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا . قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ) الجن/18-20.
يقول الشيخ أبا بطين رحمه الله :
” فإن صح فلعل الله سبحانه وتعالى جعل في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الأمر خاصية والله أعلم ، ولم يقل : يا محمد أزل خدري ، أو أشكو إليك خدر رجلي ، كما قد احتج بهذا من يجوز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به ، وسؤاله قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ” انتهى من ” رسائل وفتاوى أبا بطين ” (ص/199)
ومن أراد أن يستدل بهذا الأثر على جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أبعد النجعة ، وادعى ما ليس في الأثر ، وأسقط جميع أصول الاستدلال وقواعد فهم الآثار ، وتأمل قول الرجل : ” اذكر “، ولم يقل : ” استغث “، ولا ” ادع ” إلا في رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق قال : ادع أحب الناس إليك ، ولكن لا شك أن رواية سفيان الثوري أولى وأوثق ؛ لأنه أحفظ وأثبت في أبي إسحاق السبيعي ، ولأن زهير بن معاوية سمع من أبي إسحاق بعد تغير حفظه في كبر سنه أيضا ، فيخشى أن يكون هذا من ذلك .
ثالثا :
على فرض صحة قول ابن عمر : ” يا محمد ” أيضا – مع أن رواية سفيان الثوري ليس فيها النداء – فذلك لا يلزم منه الاستغاثة ، وإنما يحمل على إرادة استحضار شخص النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فيكون التقدير : يا محمد صلى الله عليك . كما قدره ابن حجر الهيتمي في ” الدر المنضود ” (ص/236)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” قوله : ( يا محمد يا نبي الله ) هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب ، فيخاطب المشهود بالقلب ، كما يقول المصلي : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا ، يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب ” انتهى من ” اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ” (2/319)
رابعا :
قوله : ( اذكر أحب الناس إليك ) لا يلزم أن يكون جوابه واحدا لدى جميع من تخدر أرجلهم ، فقد يذكر أحدهم اسم زوجته ، وآخر يذكر اسم والده ، وثالث يذكر اسم صديقه ، ثم قد يكون هذا المذكور ليس من الصالحين ، ولا من العباد المتقين ، بل قد يكون فاسقا لا يلتزم بأحكام الدين ، فكيف يقال : إن الاستغاثة به ، أو حتى ذكر اسمه : سيكون سببا في ذهاب الخدر مباشرة عن الجسم ؟!!
والحاصل أنه لا يصح في هذا الباب شيء .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب