أنا مقيمة في بريطانيا ، وقد تخليت عن الدراسة الأكاديمية في الجامعة ، وانصرفت لدراسة الإسلام والتعمق فيه عن طريق ” الجامعة الإسلامية المفتوحة ” ، أي : بالدراسة عن بُعد ، وقد رفض أبي هذه الفكرة ؛ لأنه يريدني أن أدْرس لأكون طبيبة أو ما شابه ذلك من التخصصات العلمية ، ويقول : ” أي فائدة ستجنينها من دراستك للإسلام ؟ لن يحترمك أحد ” ، فهل صحيح ما يقوله ؟! إنني أنوي التعلم ونشر العلم ، كما أن هذا التخصص أيضاً ليس مقصوراً على أمور الآخرة فقط ، فسأحصل على شهادة أستطيع من خلالها التدريس في إحدى المدارس ، وبهذه الطريقة أكون قد جمعت بين الدين والدنيا ، كما يمكنني أيضاً التدريس في بعض المراكز النسائية ، وبهذه الطريقة أكسب احترام من حولي ، أليس كذلك ؟ .
كما أريد منكم أيضاً أن تذكروا لي مدى ضرورة تعلم العربية ، أريد ذلك مدعّماً بالدليل ؛ لأن والدي يقول أيضاً : لماذا تتعلمينها ؟ أي ميزة فيها ؟ فهي لغة كباقي اللغات ! كما أن العرب أنفسهم سيئون وفاسدون فلماذا تهتمين بها ؟ .
بالطبع أنا أختلف معه بالكلية ، ولكن لا أدري كيف نصل إلى اتفاق نهائي فهو يعارضني دائماً في هذه المسائل ويرى أن الإسلام مجرد شيء جانبي .
فأرجو تزويدي بأكبر قدر من الأدلة لكي أعرضها عليه علّه يتفهم ، وجزاكم الله خيراً .
كيف ترد على والدها الذي يعارض دراستها للشريعة ويقلل من أهمية دراسة اللغة العربية ؟
السؤال: 164887
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
لا يمكن للطالب أن يُفلح في دراسة فنٍّ من الفنون ليس له به رغبة ، ولذا فإن علماء الاجتماع يوصون الآباء بأن يكون اختيار التخصص الدراسي راجعاً للطالب نفسه لا لوالديه أو أحدهما ، ولذا فإننا نعجب من الآباء الذين يُلزمون أولادهم بالتخصص في فنٍّ لا يرغبون دراسته ، وإن هذا الإجبار – أو الإحراج – يسبِّب آلاماً نفسية للطالب ، كما أن تحقيق رغبة الأهل في نوعية المادة المختارة للدراسة على حساب رغبة الطالب من شأنها أن لا تجعله ناجحاً مبدعاً فيها ، ولو حقق الطالب رغبة الأهل في نوعية المادة الدراسية فإنه لن يعمل بها – غالباً – بل سيختار عملاً آخر غير متوافق مع دراسته ، وفي هذا تضييع للوقت والمال ، وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى .
ولذا فإننا نرى أن اختيارك للدراسة الإسلامية في ” الجامعة الإسلامية المفتوحة ” هو اختيار موفق للغاية ؛ وذلك لأسباب :
1. أنكِ تخلصتِ بذلك من الدراسة في الجامعة والتي فيها من المخالفات للشرع الشيء الكثير.
2. أنها دراسة عن بُعد ، ففيها الستر والعفاف ، والبُعد عن مخالطة الرجال والبعد عن تعرض سفهاء الناس لك بالقول أو الفعل .
3. أن الدراسة تتعلق بأمر أوجبه الله تعالى على المسلمين وهو تعلم العلم الشرعي ، ومن المعلوم أن الدراسة الأكاديمية فيها التزام بمناهج الجامعة مما يجعل طلب العلم جديّاً ومثمراً .
4. أن من شأن الدراسة الشرعية أن تجعل لكِ مكانة عند الناس ، فطالب العلم يحتاجه الناس ليستفتونه في دينهم ، وليوجههم في حياتهم نحو الأفضل ، وإذا كان طالب العلم أنثى كانت الحاجة لها أشد وأكثر ؛ لما تحتاجه بنات جنسها لمثلها في عرض مشكلاتهن الخاصة والأحكام التي تستحيي المرأة من ذِكرها أمام الرجال .
5. أن فرص العمل المتاحة بعد الدراسة الشرعية لا تخالف الشرع – غالباً – ، فيمكنك التدريس في مدراس خاصة بالطالبات ، أو في مراكز إسلامية نسائية ، أو عن طريق الإنترنت ، والمهم أن ظروف العمل الشرعية لتلك الدراسة متوفرة بكثرة .
ولذا فإننا معكِ في اختيارك لنوع الدراسة ، ولمكان تلقيها ، ونسأل الله تعالى أن يهديَ والدك لموافقتك فيما اخترته إذ لا نرى له وجهاً صحيحاً في معارضته تلك .
ثانياً:
أما اللغة العربية فيكفي لمعرفة منزلتها العالية أنها لغة القرآن الكريم ، وأنها لغة نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي من الدِّين ، ومعرفتها فرض واجب إما على الأعيان أو على الكفاية ، ولا يمكن لأحدٍ أن يفتي في دين الله تعالى وهو لا يُحسن العربية ، وهذا كله يدل على منزلة اللغة العربية وأهميتها في ديننا .
قال ابن حزم – رحمه الله – : ” وأما النحو واللغة : ففرض على الكفاية أيضاً كما قدمنا ؛ لأن الله يقول ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم ) إبراهيم/ 4 ، وأنزل القرآن على نبيِّه عليه السلام بلسان عربي مبين ، فمن لم يعلم النحو واللغة : فلم يعلم اللسان الذي به بيَّن الله لنا ديننا وخاطبنا [ به ] ، ومن لم يعلم ذلك : فلن يعلم دينه ، ومن لم يعلَم دينه : ففرض عليه أن يتعلمه ، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة ولا بد منه على الكفاية كما قدمنا ، ولو سقط علم النحو واللغة : لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو سقط : لسقط الإسلام .
فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهِّمه غيرَه : فهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية لا يجب التقصير عنها لأحد ، وأما مَن وَسم اسمَه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو واللغة : فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة ، وحرام على المسلمين أن يستفتوه ؛ لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبَنا الله تعالى به ، وإذا لم يعلمه : فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم .” انتهى من ” رسائل ابن حزم ” ( 3 / 162 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” فإن نفس اللغة العربية من الدِّين ، ومعرفتها فرض واجب ؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية .
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد فتفقهوا في السنَّة ، وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن فإنه عربي .
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : تعلَّموا العربية فإنها من دينكم ، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم .
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه ؛ لأن الدِّين فيه فقه أقوال وأعمال ، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله ، وفقه السنَّة هو الطريق إلى فقه أعماله ” انتهى من ” اقتضاء الصراط المستقيم ” ( ص 207 ) .
وأما حكم والدك على العرب بأنهم سيئون وفاسدون : فهذا ظلم يحاسبه عليه ربُّه يوم يلقاه ، ولو فُرض هذا فلا دخل لهذا بمنزلة اللغة وأهميتها ، ولم يمنع كون العرب يعبدون الأصنام ويشركون بالله تعالى ويشربون الخمر أن ينزل القرآن بلسان عربيٍّ مبين ، وها هم الغرب فيهم السيء والقاتل والمغتصب والمحتل ومع ذلك فهم يحافظون على لغتهم ويقدسونها ، ولا نظن والدك يُنكر عليهم هذا ، ولو رُبطت اللغة بأفعال بعض أهلها لصارت لغة الإشارة هي المتعينة ليخاطب الناس بعضهم بعضاً بها ، وما تعلم أحد لغة لأحد ! .
والحاصل :
أن تعلم اللغة العربية واجب شرعي لمن أراد أن يتعلم دينه ، ويتفقه فيه ، ثم هي واجب أخلاقي لمن أراد أن يتعلم ما عند العرب من الدين والعلم ، قبل أن يحكم عليهم .
وأما حال أهل هذه اللغة ، من الضعف ، أو السوء ، فهذا لا علاقة له بتعلم اللغة ، فضلا عن أن ذلك أمر عام في بني البشر .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب