عندما نتحاور أنا وزوجتي على أمر ما ، فهي تناقشني في ذلك الأمر ، وأنا لا أحب المناقشة ، ولو كانت على صواب ، وهذا يؤدي إلى زعلها ، ويصبح في الأخير خناقا ، ومع ذلك لا أعترف بالذنب ، حتى تأتي هي لتراضيني ، مع العلم بأنها تعرف أنني المذنب ، فما علاج ذلك ؟
لا يحتمل النقاش مع زوجته ، ولو كانت على صواب !!
السؤال: 170101
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إن من أكبر المشكلات التي تعيشها الأسر ، عدم تفهم الزوجين للفوارق بينهما ، ولشخصية كل واحد منهما : كيف يفكر شريكه ، وكيف يعبر عن مشاعره ، وكيف ينظر للأمور، وكيف يتصرف أمام الضغوط والمشاكل ، فيفترض كل واحد أن الآخر يشبهه في صفاته ، أو في عقله ، أو يُفترض فيه أن يكون مطابقا له ؛ يريد ما يريده هو، ويتوقع أن يتصرف كما يتصرف الآخر ؛ إنه يريد أن يكون شريكه : نسخة أخرى ، مختلفة الجنس ، منه !!
وهذا ما تأباه طبائع الأمور !!
إننا نحب أن نلفت نظرك إلى أمر مهم جدا :
ليس من خصائص الرجولة : ألا يرى الرجل لزوجته شيئا ، أو يشركها في حديثه ، وحواره ، وأمر عيشه !!
فكم من رجل ، ملء السمع والبصر ، وهو يشاور زوجته ، ويحاورها ، وينزل على رأيها ، متى كان صوابا !!
وكم من رجل ، ملء السمع والبصر ، وهو ينصت إلى امرأته في حديثها ، مهما عده هو تافها ، أو بسيطا ، أو قريب الغور !!
وكما أن الجفوة مع الزوجة وشريكة العيش : ليست من خصائص الرجولة ، ولا مقتضياتها في شيء ؛ فليس ذلك أيضا من تمام الالتزام أو النسك ، أن تكون ، دهرك كله : آمرا ، ناهيا ، سيدا مطاعا !!
لا بل من مقتضيات الرجولة ، وكرم السجايا ، ومحاسن الأخلاق : أن يحسن الرجل عشرة أهله ، وأن يصبر على نقصان عقلها ، ويكرمها ، ولا يهينها !!
وقد قال الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء /19 .
قال ابن كثير رحمه الله :
“وَقَوْلُهُ: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: طيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ ، وحَسّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ ، كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا ، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [الْبَقَرَةِ:228] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُم لأهْلي” وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمِيل العِشْرَة دَائِمُ البِشْرِ ، يُداعِبُ أهلَه ، ويَتَلَطَّفُ بِهِمْ ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ . قَالَتْ : سَابَقَنِي رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أحملَ اللَّحْمَ ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حملتُ اللحمَ فَسَبَقَنِي ، فَقَالَ: “هذِهِ بتلْك” ، وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا. وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْه الرِّداء وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُر مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ، يُؤانسهم بِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: 21] ” .
انتهى من ” تفسير ابن كثير” (2/242) .
وتأمل هذا النموذج العملي ، للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، يتبين لك الفرق بين الأدب النبوي ، ورواسب الطبائع النفسية ، والعادات الجاهلية :
روى البخاري (4629) ، ومسلم (1479) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ” وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ !!
قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ ، إِذْ قَالَتْ امْرَأَتِي : لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا ؟
قَالَ : فَقُلْتُ لَهَا : مَا لَكَ وَلِمَا هَا هُنَا ؟! وَفِيمَ تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ ؟!
فَقَالَتْ لِي : عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؛ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ ؟! فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَالَ لَهَا : يَا بُنَيَّةُ ؛ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ ؟! فَقَالَتْ حَفْصَةُ : وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ !! ” .
يا عبد الله ؛ إنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا : اتقوا الله في النساء !!
أفهكذا تكون تقوى الله في امرأة ، تبادر بإرضائك ، ولو كنت مخطئا ، ولا ترضى أن تطيب نفسك ؟
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ ) ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( الْوَدُودُ الْوَلُودُ الَّتِي إِنْ ظَلَمَتْ أَوْ ظُلِمَتْ قَالَتْ : هَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى ) رواه الطبراني (19/140) وغيره ، وحسنه الألباني بشواهده .
• إننا نأمل منك أن تجاهد نفسك على إصلاحها ، وترك رعوناتها ، وأهوائها ، وحملها على مكارم الأخلاق ، وتعويدها على ذلك ، قدر طاقتك ، وإنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، فجاهد نفسك على التحلم ، والتطبع بمكارم الأخلاق ، وحسن العشرة لأهلك .
• لماذا لا تعود نفسك الإقرار بالحق ، أيا كان صاحبه ، وأيا كان قائله ؟ أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ ) رواه مسلم (91) . بطر الحق : أي : رده ، وعدم قبوله ، والإذعان له ، وغمط الناس : احتقارهم ، وانتقاصهم .
• جاهد نفسك ، يا عبد الله ، على إكرام أهلك ، وحسن عشرتها ، والإصغاء إليها ، وإشراكها في أمرك ، وأمر عيشك وبيتك .
• جاهد نفسك على أن تقر بالحق لأهله ، ولو كانت امرأتك ، فإنك متى عودتها على ذلك ، انقادت لك ، وسهل عليها القيام بالحق ، والشهادة به ، وهو واجب عليك لكل أحد ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء/135.
يسر الله لك أمرك ، ووقاك شح نفسك ، وجمع بينك وبين زوجك على خير .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب