0 / 0

هل ثبت أن بني أمية كانوا إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه ؟

السؤال: 172859

هل يصح ما يقال : إن بني أمية – أيام حكمهم – كانوا لا يرتضون اسم علي رضي الله عنه ، وكانوا يقتلون المولود بهذا الاسم ! وأن شخصا اسمه " رباح " غيَّر اسم ابنه " عليا " إلى ( عُلَي ) بضم العين خوفا من سلطانهم ، وعليه فكيف ندافع عنهم . يقول المزي : كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه " علي " قتلوه ، فبلغ ذلك رباحا فقال : هو- يعني علي بن رباح – ( عُلي ) بضم العين ، وكان يغضب من " علي " ، ويُحَرِّجُ على من سمَّاه به . راجع " تهذيب الكمال " ج13 وتهذيب التهذيب ج7 وهل ذكر فضائل علي رضي الله عنه كان ممنوعا ، وأن سبه ولعنه كان جائزا ، بل يمدح صاحبه ، ولماذا ، ولأية غاية . ينقل الإمام الذهبي عن عبدالله بن شداد قوله : " وددت أني قمت على المنبر من غدوة إلى الظهر فأذكر فضائل علي بن أبي طالب ثم أنزل فيضرب عنقي ". راجع " سير أعلام النبلاء " ج3. بارك الله فيكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
يخطئ من يظن أننا حين نكتب عن الدولة الأموية أو الدولة العباسية أو غيرها من الدول أننا نكتب بروح المدافع والمنافح عن كل ما وقع فيها ، حاشا وكلا ، ولا يجوز لمسلم أن يتحمل وزر الظلم في أي مرحلة من مراحل التاريخ ، فهو حين يدافع عنه اليوم في الأوساط العلمية والثقافية يناله نصيب من إثمه .
بل نعتقد أن الدولة الأموية كغيرها من الدول لها ما لها من فضائل ، وعليها ما عليها من المظالم ، لها المآثر الحميدة بنشر الإسلام ، وتثبيت أركان الأمن والنظام ، ونشر العلم والتشجيع عليه ، وعليها بعض المساوئ التي من أقبحها التجافي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته الكرام ، وإظهار شتمهم والتنقص منهم ، وسفك دماء المسلمين في سبيل تثبيت الحكم لدولتهم ، والاستئثار بحظوظ الدنيا وأموال الأمة .
روى مسلم في " صحيحه " (2409) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ :
( اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ ، قَالَ : فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا قَالَ : فَأَبَى سَهْلٌ فَقَالَ لَهُ : أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَقُلْ : لَعَنَ اللهُ أَبَا التُّرَابِ ، فَقَالَ سَهْلٌ : مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي التُّرَابِ ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا ) إلى آخر الحديث .

يقول ابن تيمية رحمه الله :
" التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة ، وكان هؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم ، وهؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم ، وقيل : إن كل طائفة كانت تقنت على الأخرى ، والقتال باليد أعظم من التلاعن باللسان ، وهذا كله – سواء كان ذنباً أو اجتهاداً مخطئاً أو مصيباً – فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك بالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وغير ذلك " انتهى باختصار من " منهاج السنة " (4/468)
ثانيا :
يؤمن أهل السنة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أفضل الصحابة الكرام ، فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته ، ورابع الخلفاء الراشدين ، ومن العشرة المبشرين بالجنة ، وردت فضائله في السنة الصحيحة والآثار الكثيرة ، حتى قال رضي الله عنه : ( وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ : أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ ) رواه مسلم (78)
ولذلك ما زال أهل السنة يحاربون النواصب الذين يناصبون علي بن أبي طالب العداء ، ويواجهون الخوارج الذين وقعوا في علي رضي الله عنه وكفروه ، وكتب عقائد السنة مليئة بذلك لمن أراد التثبت .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد ، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني " انتهى من " منهاج السنة النبوية " (8/165)
ويقول أيضا رحمه الله :
" وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله " انتهى من " منهاج السنة " (7/218)
ويقول أيضا رحمه الله :
" كتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه ، وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق ، وهم ينكرون على من سبه ، وكارهون لذلك ، وما جرى من التساب والتلاعن بين العسكرين ، من جنس ما جرى من القتال ، وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب .
بل هم كلهم متفقون على أنه أجل قدراً ، وأحق بالإمامة ، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه ، وعلي أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه ، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من معاوية ، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم ، وعلي أفضل من جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة ، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة ، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة ، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان ، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار " انتهى من " منهاج السنة " (4/396)
فإذا وقع العداء لعلي بن أبي طالب من بعض الخلفاء الأمويين ، واشتهر النصب في زمانهم لجميع آل البيت الكرام الأطهار ، فليس ذلك بحجة على أهل السنة ؛ لأن أهل السنة يتبرؤون من الناصبة ومن كل من يقع في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وجهودهم في الرد على الناصبة والإنكار عليهم مشهورة لا يحصرها ديوان .
ثالثا :
بعد ذلك كله نقول : إن الأثر المروي في السؤال ورد من كلام أبي عبدالرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ ( المتوفى سنة 213هـ) قال :
" كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه ( علي ) قتلوه ، فبلغ ذلك رباحا فقال : هو عُلَيٌّ ، وكان يغضب مِن علي ، ويحرج من سماه به " انتهى.
رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (41/480) قال : قرأت على أبي القاسم بن عبدان ، عن أبي محمد بن علي بن أحمد بن المبارك ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، أنا محمد بن محمد ، نا عبد الرحمن بن سويد بن سعيد ، نا سلمة بن شبيب قال : سمعت أبا عبد الرحمن المقرئ…فذكره .
وهذا إسناد ضعيف جدا:
العلة الأولى : عبد الرحمن بن سويد بن سعيد : لم نقف له على ترجمة ، بل لم نجد من يحمل هذا الاسم في كتب العلماء ولا في كتب الشيعة .
العلة الثانية : محمد بن محمد ، هو ابن داود بن عيسى الكرجي ، نزيل طرسوس : لم نقف على من يذكره بجرح أو تعديل .
العلة الثالثة : محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، هو محمد بن إبراهيم بن محمد بن يزيد أبو الفتح الجحدري الطرسوسي الغازي البزاز المعروف بابن البصري ، ترجمته في " تاريخ بغداد " (2/315)، لم ينقل توثيقه سوى عن الأزهري ، وذلك غير كاف في قبول تفرده بمثل هذا الخبر الخطير الشأن ، وانظر ترجمته في " تاريخ دمشق " (51/233)، وفي " تاريخ الإسلام " للذهبي (9/155)
رابعا :
ثم إن في متن الأثر المذكور غرابة أو نكارة من وجوه كثيرة :
منها : أن أحدا من المؤرخين الكبار أو الرواة أو العلماء لم يذكر نحو هذا الكلام ، ولا شك أن مثل هذه الفعلة الشنيعة ، لو كانت حقا قد وقعت ، لتوفرت الهمم على نقلها.
ومنها : أن العلماء والرواة والناس الذين يحملون اسم " علي " وعاشوا في الحقبة الأموية لا يحصون كثرة ، فكيف عاش هؤلاء ولم يلاحقوا ، ويكفي الباحث أن يدخل اسم ( علي ) في كتاب كـ " سير أعلام النبلاء "، وينظر عدد النتائج في تلك الحقبة ، فسيجد من ذلك عددا كثيرا.
ومنها : أن علي بن رباح هذا ولد في أول خلافة عثمان قبل دولة بني أمية ، فكيف يقال إن أباه غيَّر اسمه عند مولده خوفا من سطوة بني أمية .
يقول الإمام الذهبي رحمه الله :
" قوله : ( مولود ) لا يستقيم ؛ لأن عليا هذا ولد في أول خلافة عثمان ، أو قبل ذلك بقليل ، وكان في خلافة ابن أمية رجلا لا مولودا " انتهى من " تاريخ الإسلام " (7/251)
ومنها : أن ابن حبان رحمه الله ذكر سببا آخر لتغير اسم ( علي ) ، وذلك في قوله : "علي بن رباح اللخمي ، أبو موسى ، من ثقات أهل مصر ، وهو الذي يقال له : عُلي بن رباح ، وكان يقول : من قال لي عَلي ليس مني في حل ، وذاك أن أهل الشام كانوا يصغرون كل عَلي لِما في قلوبهم لأمير المؤمنين علي بن أبى طالب " انتهى من " مشاهير علماء الأمصار " (ص/197) فذكر ههنا أن سبب تصغير اسم علي بن رباح ليس الخوف من حكام بني أمية ، وإنما لانتشار النصب في بلاد الشام يومئذ ، وكان علي منهم ، فأبى أن يسمَّى إلا بالتصغير مخالفة لاسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وبهذا يتبين أن الخبر المنقول لا قيمة له من حيث الإسناد ، ولا قبول له من حيث المتن.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android