0 / 0
57,00814/02/2012

نصرانية تزوجت مسلما من غير ولي فهل يصح نكاحها

السؤال: 173946

أنا امرأة مسيحية تزوجت مؤخراً برجل مسلم ، وقد قرأت بعض الفتاوى والمعلومات على موقعكم ولا أدري إن كان زواجنا صحيحاً أم لا ، فلقد تزوجت دون ولي ، لقد تولى تزويجي إمام المسجد ! وعلى الرغم من أنه لم يمض على زواجنا إلا أربعة أشهر إلا أننا أصبحنا نتكلم في الطلاق ، لقد خرج من البيت ولا أدري أين هو الآن ، ولكننا نتواصل عبر رسائل الموبايل ، تزوجته منذ أربعة أشهر بعد أن خرج من السجن ، ولكن في الحقيقة كنت على علاقة معه قبل دخوله السجن وقبل تمسكه بالإسلام ، ولدينا أولاد من تلك العلاقة السابقة .

وعلى الرغم كذلك من أني لا أرى الطلاق حلاًّ ناجعاً إلا أنه خيار مطروح وبقوة ، لقد اتفقت معه أن يكمل إجراءات الطلاق وفقاً للإسلام ، وأنا أتولى ذلك عبر الأوراق الرسمية وقانون الولاية التي نعيش فيها .
إن سبب مشكلتنا :

هي طريقة تفكيره ، فبعد أن خرج من السجن صار يرى كل شيء من وجهة نظره هو كمسلم ، وليس عندي بأس في ذلك ، فقد انصعت له في كثير مما يريد ، كالابتعاد عن الخمر والموسيقى وضرورة اللبس المحتشم ، وأعطيته صلاحية كاملة في أن يعلّم الأولاد الإسلام ، وغير ذلك من الأشياء ، بل إنه منعني من أن أتكلم مع معارفي من الرجال والذين أعرفهم منذ سنوات ، ومع ذلك فقد كان له ما يريد .

ومع هذا كله يبدو أنه غير راضٍ ، ويريد أن يدخلني الإسلام بالقوة ! إنّي أحترم الإسلام وأحب كثيراً من المفاهيم التي ينهض لها ، غير أن سلوك زوجي ينفرني ويجعلني أراجع حساباتي ، ولا أبالغ إن قلت إنه بأسلوبه هذا يعقّدني ويكرّهني في دينه .

أنا على قناعة إننا حتى وإن اختلفنا في الديانات فإنه لا بد وأن هناك سبيلاً للتعايش مع بعض كزوج وزوجة ، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة له ، إنه يرى أنه لا كلام بيني وبينه ولن تستقيم الحياة إلا إذا اعتنقتُ الإسلام ! لم يسبق لي وأن وعدته أني سأعتنق الإسلام ، ولا أظن أحداً سيفعل لو كان في مكاني ، بعد أن يُقابل بهذه الغلظة والحماقة في الدعوة ، إنه يمتنع أن يتحدث معي في أي موضوع ، ويقول : لا حديث لنا إلا فيما يتعلق بالإسلام ! .

إنه يعتقد أنني أكره الإسلام ، في حين أن الأمر ليس كذلك ، لكن في الحقيقة لست مستعدة لاعتناقه ، على الأقل في الوقت الحاضر ، ولا أنكر أيضاً أنه قد سبق وأن تلفظت ببعض الكلمات التي لا تليق عن الإسلام ، ولكني أحمله المسؤولية في ذلك ؛ فقد كان يحتقرني ويسب ديني .

ولا أدري أي تديُّن هذا الذي يدّعيه ؟! إنه يتحدث مع النساء على ” الفيس بوك ” ، إحداهن امرأة كان على علاقة معها قبل أن يلتزم ، وقد أخبرته في ذلك فقال : إنه يدعوهن إلى الإسلام ! لكن الرسائل التي يتبادلونها تقول غير ذلك إنه يسألهن عما إذا كنّ متزوجات أم لا ، أي : إنه يبحث عن الزواج بإحداهن ، وقد وعد واحدة منهن أنه سيحضرها ويتحمل تكاليف سفرها إلى الولايات المتحدة .

إنه عاطل عن العمل ، ولا يكترث لي ولأولاده ، وهذا ما يدفعني أكثر ويبعدني عن الإسلام ، أي أنانية هذه التي يحملها ؟! وأي دين هذا الذي يمكن أن يملي عليه مثل هذه السلوكيات ؟! حتى في وقت الجماع نكون مع بعض ونمارس ما يمارسه الرجل مع زوجته ، وفجأة بعد أن يكون قد قضى ما يريد من شهوة يقوم وينصرف متجاهلاً حاجتي ورغبتي ، ويتحجج بأنه حان وقت الصلاة ! إنه يجرحني ويؤذي مشاعري باستمرار ، ومع هذا يقول إنه ليس بحاجة إلى أن يبرر لي تصرفاته طالما أني كافرة ! ألم يأمر الإسلام بالإحسان إلى الزوجات ؟! إنه يقول : إنه لا يمكنه أن يحبني طالما أني لست على ملته ، فهل هذا صحيح ؟! إنه يمنعني من أن أستشير أحداً في مشاكلنا هذه ، ويقول : إنها مشاكل زوجية لا ينبغي لأحد أن يطلع عليها ! لكن ما العمل وهو لا يريد أن يتحدث معي بخصوصها فكيف ستُحلّ إذاً ؟ .

إنني أنصحه أحياناً وألفت انتباهه إلى بعض الحقائق الإسلامية في كيفية التعامل مع الآخرين ، وأنا بذلك أنقل له ما تعلمته من موقعكم ، فيرد عليّ قائلاً : كيف يمكن لكافرة أن تعلمني الإسلام ؟! لا يحق لك أن تحدثيني عن الإسلام فلستِ سوى كافرة ختم الله على قلبك ، وستكونين وقوداً للنار ! .
فهل لكم من كلمة أو نصيحة ؟ وأعتذر عن الإطالة .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة .
وولي الكتابية من كان على دينها من عصبتها : أبوها ، أو جدها ، أو أخوها … ، فإن لم يوجد أو امتنع : زوّجها القاضي المسلم إن وجد ، فإن لم يوجد : زوَّجها مدير المركز الإسلامي في منطقتها ؛ لأن الأصل في ولاية النكاح أنها للأب ثم للعصبة الأقرب فالأقرب ، فإذا عُدموا أو لم يكونوا أهلاً للولاية لأي مانع من الموانع ، أو امتنعوا بغير حق : انتقلت الولاية إلى الحاكم أو من ينيبه . ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 18/ 162) .
وإن تزوجت المرأة بلا ولي ، أو زوجها إمام المسجد مع وجود وليها الذي على دينها ، فهذا النكاح مختلف فيه بين الفقهاء ، فإن وقع : لم يُنقض ، مراعاة للخلاف .
وفي كثير من البلدان الإسلامية ، يتبنى القضاء الشرعي مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله القائل بصحة نكاح المرأة من غير ولي .
وعليه : فإن لم يكن لك ولي على دينك ، أو كان لك ولي وامتنع عن تزويجك من هذا الزوج بغير حق ، فعقد لك إمام المسجد ، فالعقد صحيح .
وإن كان لك ولي ولم يمنع تزويجك ، لكنك زوجت نفسك ، أو زوجك إمام المسجد ، فهذا نكاح بلا ولي ، ولا يجوز ابتداء ، لكن ما دام أنه وقع ، فإنه لا ينقض ، وتكونين به زوجة .
فأنت الآن زوجة لهذا الرجل المسلم في جميع الأحوال .
ثانيا :
لا شك أن الإسلام يأمر بالإحسان إلى الزوجة كما ذكرت ، بل هذا من الأمور المعلومة المتقررة بالأدلة الكثيرة من القرآن والسنة ، وحسبك من ذلك قول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/19 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ومن العشرة بالمعروف :
1- التفاهم مع الزوجة ، ومشاورتها ، ومناقشتها ، والاستماع لنصحها ولو كانت غير مسلمة .
2- إعطاؤها حقها في الاستمتاع ، فلا يقوم عنها حتى تقضي شهوتها .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله : ” ويستحب أن يلاعِب امرأته قبل الجماع ؛ لتنهض شهوتُها ، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ ، قلت : وذلك إليَّ ؟ نعم إنك تقبِّلها ، وتغمزها ، وتلمزها ، فإذا رأيتَ أنه قد جاءها مثل ما جاءك : واقعتها ) .
فإن فرغ قبلَها : كُره له النزع حتى تفرغ ؛ لما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا جامع الرجل أهله فليصدُقها ، ثم إذا قضى حاجته : فلا يَعجلها حتى تقضي حاجتها ) ؛ ولأن في ذلك ضرراً عليها ؛ ومنعاً لها من قضاء شهوتها ” انتهى من ” المُغني ” ( 8 / 136) .
وكلا الحديثين ضعيفان ، لكنهما صحيحان من حيث المعنى والفقه .
قال المناوي – رحمه الله – : ” ( إذا جامع أحدكم أهله ) أي : حليلته ، قال الراغب : وأهل الرجل في الأصل [ من ] يجمعه وإياهم سكن ؛ ثم عبر به عن امرأته .
( فليصدقها ) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال ، من الصدق في الود والنصح ، أي : فليجامعها بشدة ، وقوة ، وحُسن فعل جماع ، ووداد ، ونصح ، ندباً .
( فإن سبقها ) في الإنزال وهي ذات شهوة :
) فلا يعجلها ) أي : فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها ، بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره ، فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها ؛ فإن ذلك من حسن المعاشرة ، والإعفاف ، والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف .
ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده : أن الرجل إذا كان سريع الإنزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل : أنه يُندب له التداوي بما يبطئ الإنزال ؛ فإنه وسيلة إلى مندوب ، وللوسائل حكم المقاصد ” انتهى من ” فيض القدير ” ( 1 / 325) .
3- ومن حسن العشرة عدم تعيير الزوجة بدينها ومخاطبتها بالكافرة ، فإن هذا مخالف لأمر الله تعالى القائل : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/ 125 .
ومخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وصيته بالنساء كما سبق .
والمتزوج من كتابية قد تزوجها وهو يعلم دينها ، فما معنى أن يعيرها بذلك ، أو يقول لها إنه لن يحبها حتى تغير دينها ؟!
ثالثا :
لا يجوز إكراه الزوجة الكتابية على الإسلام ، بل ولا إكراه غيرها من الناس لقوله تعالى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة/ 256 .
رابعا :
الأصل أنه لا يجوز للمرأة طلب الطلاق ، إلا إن وجد العذر المبيح لذلك ، كامتناع الزوج عن النفقة عليها ، أو تكرار إساءته وسوء عشرته لها ، وقد شرع الله لنا طريقا عظيما لحل الخلافات الزوجية ، وهي أن تختار المرأة رجلا من أهلها ، ويختار الزوج رجلا من أهله ، فيقفان على أسباب الخلاف ، ويسعيان للعلاج ، ويقرران ما يريانه من البقاء على النكاح أو الطلاق .
قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء/ 35 .
فليس صحيحا أن المشاكل الزوجية لا يطلع أحد عليها ، فإذا حصل الخلاف ولم يتمكن الزوجان من حله ، فلا سبيل إلا توسيط من يصلح بينهما ويقف على أسباب الخلاف ويسعى لمعالجته .
وإننا نلمس من سؤالك أنك محبة لزوجك ، راغبة في البقاء معه ، ولهذا نقول : لا تستعجلي في أمر الطلاق ، واحرصي على علاج هذه المشاكل ، ولْيعلم زوجك أنه مأمور بتحكيم شريعته في هذا الخلاف .
وهذ المبدأ لو تقرر في حياتكما ، ضمن لكما السعادة بإذن الله ، فكل خلاف يجب عرضه على شرع الله الذي يؤمن به زوجك ، وتحترمينه أنت : كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليعرف المحق من المبطل ، وللشريعة أهلها المختصون بعلمها ، فلا يستنكف الزوج أن يرجع إلى إمام المركز الإسلامي أو غيره من أهل العلم بالشريعة ، وأن يعرض هو وزوجته المشكلة عليه ، أو يكتبا مشكلتهما ، ويطلبا حكم الشريعة فيها ، ولن تأتي لك الشريعة إلا بالخير العظيم ، والكرامة التي تنشدينها .
خامسا :
إننا لنلمس كذلك من سؤالك عقلا راجحا ، ومنطقا سليما في التفكير ، وأنت مصيبة في جميع ما ذكرت – بحسب سؤالك – ولهذا نقول :
مثلك لا ينبغي أن يتخلف عن هذا الدين العظيم ، فإنه الدين الموافق للعقل والفطرة ، المعلي لشأن الأخلاق والقيم ، الذي يحث أتباعه على حسن المعاملة ، ومراعاة الشعور ، والإحساس بالآخرين ، وإنصاف للضعفاء ، واحترام الآدمية ، وتكريم الإنسان ، وهو دين واقعيٌ عملي ، فيه عشرات النصوص التي تعالج المشاكل الزوجية ، والقضايا الاجتماعية ، وهو كفيل بسعادة الأسرة ، والأمة ، والبشرية .
فنصيحتنا الصادقة لك : أن تبذلي الجهد في معرفة الإسلام من مصادره الصحيحة ، وأن لا يحجبك عنه سوء تصرفات أتباعه ، فإن الأتباع فيهم الصالح والطالح ، والمحسن والمسئ ، وهكذا الأمر في أتباع الأنبياء جميعا .
وإنه ليسرنا أن يكون موقعنا أحد المصادر التي ترجعين إليها .
نسأل الله أن يشرح صدرك للإسلام ، وأن يهدي قلبك للإيمان ، وأن يكتب لك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android