تنزيل
0 / 0

هل من السنة أن يقول المسلم إذا رأى ما يعجبه إن العيش عيش الآخرة

السؤال: 174568

وصلتني رسالة من أخت هذا نصها : " سنة مهجورة ذكرها الشيخ ابن عثيمين ، قال رحمه الله : من السنة إذا رأى الإنسان ما يعجبه في الدنيا أن يقول : " لبيك إن العيش عيش الآخرة "؛ لأن الإنسان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا ربما يلتفت إليه ، فيعرض عن الله ، فيقول : " لبيك " استجابة لله ، ثم يوطن نفسه فيقول : " إن العيش عيش الآخرة "، فهذا العيش الذي يعجبك عيش زائل . ولمّا سألتها أين قال الشيخ هذا الكلام ؟ ما ردت علي ، وبحثت في النت فوجدت هذه الرسالة منتشرة في منتديات كثيرة جدا ، وبعضها كتب أنها من " الشرح الممتع " ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الله عز وجل بقوله " إن العيش عيش الآخرة "، أو " إن الخير خير الآخرة " في معرض رؤية ما يعجب من الدنيا ، وفي معرض مواجهة الشدة والمشقة .
وذلك في الأحاديث الآتية :
الحديث الأول : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الخَنْدَقِ ، فَإِذَا المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالجُوعِ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ ، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا … عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا )
رواه البخاري (4099) ومسلم (1805) .
الحديث الثاني :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا قَالَ : ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، قَالَ : إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَةِ )
رواه ابن الجارود في " المنتقى " (ص/126)، وابن خزيمة في " صحيحه " (4/260)، والطبراني في " المعجم الأوسط " (5/317)، والحاكم في " المستدرك " (1/636)، والبيهقي في " السنن الكبرى " (5/71) جميعهم من طريق حدثنا محبوب بن الحسن ، حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .
قال الحاكم :
" احتج البخاري بعكرمة ، واحتج مسلم بداود ، وهذا الحديث صحيح ، لم يخرجاه " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" هذا إسناد حسن ، رجاله رجال " الصحيح " ، وفي محبوب – وهذا لقبه واسمه محمد بن الحسن بن هلال – خلاف ، والراجح أنه حسن الحديث، وقد روى له البخاري حديثا واحدا " انتهى من " السلسلة الصحيحة " (5/181)
الحديث الثالث :
عن مجاهد رحمه الله قال :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
قال : حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه ، فزاد فيها : لبيك إن العيش عيش الآخرة . قال ابن جريج : وحسبت أن ذلك يوم عرفة )
رواه الإمام الشافعي في " الأم " (2/170) قال : أخبرنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج قال : أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد به .
ومن طريق الشافعي رواه الإمام البيهقي في " معرفة السنن والآثار " (7/136) ، وفي " السنن الكبرى " (7/77)
وهذا حديث مرسل ؛ إسناده حسن ، فيه سعيد بن سالم القداح ، قال عنه ابن معين والنسائي : ليس به بأس ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وقال ابن عدي : حسن الحديث وأحاديثه مستقيمة . ينظر : " تهذيب التهذيب " (4/35)
الحديث الرابع :
عن عبد الله بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم حج على رحل فاهتز ، فقال : ( لبيك إن العيش عيش الآخرة )
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3/442)، والإمام أحمد في " الزهد " (ص/26) قالا : أخبرنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن الحارث .
وأبو سنان هو ضرار بن مرة ، أجمعوا على أنه ثقة ثبت كما أخبر بذلك النقاد ، ينظر " تهذيب التهذيب " (4/457)
وعبد الله بن الحارث الذي يروي عنه أبو سنان ، هو الزبيدي الكوفي المكتب ، التابعي وليس الصحابي ، قال فيه ابن معين والنسائي : ثقة ، ولكن حديثه مرسل كحديث مجاهد . انظر " تهذيب الكمال " (14/402).
الحديث الخامس:
من مراسيل عكرمة كالمرسلين السابقين ، عزاه ابن الملقن في " البدر المنير " (6/162) إلى " سنن سعيد بن منصور "، ولم أجده في المطبوع منه .
ثانيا :
وقد أخذ بهذه الأحاديث والمراسيل أهل العلم ، فقالوا يستحب للمرء إذا رأى ما يعجبه أن يقول : " اللهم إن العيش عيش الآخرة "، ليذكر نفسه بغربته في هذه الدنيا ، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية التي سباه الشيطان عنها لما استزل أبانا آدم عليه السلام .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" إذا رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة " انتهى من " شرح مسلم " (8/91)
وقد بوب عليه الإمام البيهقي رحمه الله بقوله :
" باب كان إذا رأى شيئا يعجبه قال : لبيك إن العيش عيش الآخرة " انتهى من " السنن الكبرى " (7/77)
وقال أبو عبد الله المواق المالكي رحمه الله :
" إذا رأى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – شيئا يعجبه يقول : لبيك إن العيش عيش الآخرة ، فكان يقولها في حال الشدة والرخاء ، وهكذا يقول كل من عرف الآخرة وحقر الدنيا وذمها " انتهى من " التاج والإكليل " (5/18) .
وأما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقد ذكر ذلك في أكثر من موضع ، قال :
" الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا يقول : ( لبيكَ ، إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة ) لأن الإنسان إذا رأى ما يعجبُه مِن الدُّنيا رُبَّما يلتفت إليه فيُعرض عن الله ، فيقول : ( لبيك ) استجابةً لله عزَّ وجلَّ ، ثم يوطِّنُ نفسه فيقول : ( إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة ) فهذا العيش الذي يعجبك عيش زائل ، والعيش حقيقة هو عيش الآخرة ، ولهذا كان من السُّنَّة إذا رأى الإنسانُ ما يعجبُه في الدُّنيا أن يقول : ( لبيك ، إن العيشَ عيشُ الآخرة ) " انتهى من " الشرح الممتع " (3/124)
وقال رحمه الله أيضا :
" كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه في الدنيا يقول : ( لبيك ! إن العيش عيش الآخرة ) لتوجيه النفس إلى إجابة الله ؛ لا إلى إجابة رغبتها ، ثم يقنع النفس أيضاً : أني ما صددتك وأجبت الرب عزّ وجلّ إلا لخير ؛ لأن العيش عيش الآخرة ؛ والعجيب أن من طلب عيش الآخرة طاب له عيش الدنيا ؛ ومن طلب عيش الدنيا ضاعت عليه الدنيا والآخرة ؛ قال الله تعالى : ( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) الزمر/15 " انتهى من " تفسير الفاتحة والبقرة " (3/23) . وينظر أيضا : " فتاوى نور على الدرب " (24/4، ترقيم الشاملة آليا) .
وقد قال الشاعر الزاهد :
لا تركننّ إلى القصور الفاخرة *** واذكر عظامك حين تمسي ناخِرة
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل *** يا رب إنّ العيشَ عيشُ الآخرة
والله أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android