0 / 0
18,66121/10/2011

هل يجوز أن يصف نفسه بأنه ” مسلم أرثوذكسي ” دلالة على تمسكه بالإسلام ؟

السؤال: 174627

أحياناً يَسأل بعضُ الناسِ – وبالأخص غير المسلمين – المسلمين فيقولون : أي نوع من المسلمين أنت ؟
فهل يجوز أن أرد عليهم بقولي : ” مسلم أرثوذوكسي” .
فكلمة ” أرثوذوكسي ” تعني المتمسك حق التمسك ، وأنا أعني بذلك أني مسلم محافظ متمسك بالكتاب والسنة ، سائر على نهج السلف الصالح .
فأنا أقترح استخدام هذا المصطلح – بالأخص مع غير المسلمين – لأنهم لا يعرفون ما معنى أن تقول لهم : أنا سلفي ، أو من أهل السنة والجماعة ، أو من أهل الحديث .
فكل هذه أشياء لا يعرفون تفاصيلها ، فكان عندئذٍ استخدام كلمة ” أرثوذوكسي ” أقرب إلى فهمهم ، فهم يعلمون أن معنى ” أرثوذوكسي ” أي : المتمسك حق التمسك
وعليه ، فهل يجوز لي أن أستخدم هذا المصطلح ؟ وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا يجوز للمسلم أن يصف نفسه بأنه ” مسلم أرثوذكسي ” ولو كان غرضه من ذلك إفهام غير المسلمين أنه من الملتزمين بدين الإسلام ، وذلك لبعض أسباب ، منها :
أولا :
أن هذا الوصف عَلَم على ملة من ملل الكفر التي جاء الإسلام بهدمها ، وبيان بطلانها ، فكيف يجوز للمسلم أن يسمي نفسه بها ، أو يشبه دينه بهذه الملة الكفرية ، وقد أمرنا بمخالفتهم في هديهم وخصائصهم ؛ فكيف بالتسمي بأسمائهم ، وقد سمانا الله باسم المدح : الإيمان والإسلام ؛ فهذا في الواقع جمع بين نقيضين : الإسلام ، والكفر .
ثانيا :
أن في هذا الوصف تزكية – ولو من وجه بعيد – للطائفة الأرثوذكسية ، وكأن هذه الطائفة تتبع الديانة الحقة ، وتتمسك بالصراط المستقيم ؛ لأن الغالب أن المشبه به أعلى مرتبة من المشبه ، فإذا وصفت نفسك بأنك ” مسلم أرثوذكسي ” رفعت مقام الأرثوذكسية على مقام الإسلام من حيث تشعر أو لا تشعر ، وهذا لا شك خطر عظيم على دينك واعتقادك .
ثالثا:
قولك إنك ” مسلم أرثوذكسي ” فيه تشبيه ظاهر للإسلام الحق بالأرثوذكسية ، سواء قصدت هذا التشبيه أو لم تقصده ؛ فإن من لازم الوصف تشبيه الموصوف بما يحمله الوصف من معان ، والأصل في المسلم أن لا يرضى تشبيه الإسلام بالأرثوذكسية ، ففي ذلك جناية عظيمة على هذا الدين العظيم بعقيدته وشريعته التي لا وجه للمقارنة بينها وبين الأرثوذكسية .
ثالثا :
لا يعدم المسلم الذي يتحلى بالوعي والثقافة انتقاء الكلمات والأوصاف التي تدل على مراده من غير إيهام المعاني الباطلة ؛ فالقصد الصحيح ليس عذرا في الأعمال والأقوال الباطلة ، بل لا من أمرين : أن يكون القول والعمل صالحا ، وأن يكون القصد – أيضا – صالحا .
قال ابن القيم رحمه الله في سياقه للأدلة على المنع من فعل ما يؤدي إلى الحرام ، ولو كان جائزا في نفسه : ” الْوَجْهُ الرَّابِعُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا البقرة/ 104 نَهَاهُمْ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ – مَعَ قَصْدِهِمْ بِهَا الْخَيْرَ – لِئَلَّا يَكُونَ قَوْلُهُمْ ذَرِيعَةً إلَى التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَخِطَابِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخَاطِبُونَ بِهَا النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَيَقْصِدُونَ بِهَا السَّبَّ، وَيَقْصِدُونَ فَاعِلًا مِنْ الرُّعُونَةِ، فَنَهَى الْمُسْلِمُونَ عَنْ قَوْلِهَا؛ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْمُشَابَهَةِ، وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى أَنْ يَقُولَهَا الْيَهُودُ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَشَبُّهًا بِالْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُونَ بِهَا غَيْرَ مَا يَقْصِدُهُ الْمُسْلِمُونَ .” انتهى من “إعلام الموقعين” (3/110) .
رابعا :
نقول ما سبق فضلا عن المغالطة الكبيرة في الأمر الذي يتداوله كثير من الكاتبين حين يصفون الأرثوذكسية بالالتزام والتمسك بما كان عليه السيد المسيح عليه السلام ، وهذا تحريف كبير على المستوى الفكري العقائدي وعلى المستوى الواقعي .
” فالكنيسة الأرثوذكسية مثل باقي الكنائس الأخرى تؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم : الأب ، الابن ، الروح القدس ، على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي 325م ، كما تؤمن بربوبية وألوهية الرب والمسيح في آن واحد على أنهما من جوهر واحد ومشيئة واحدة ، ومتساويين في الأزلية ، لكن كنيسة أورشليم الأرثوذكسية اليونانية ومن يتبعها تؤمن بأن المسيح له طبيعتان ومشيئتان موافقةً لمجمع كليدونية 451م ، ويؤمن الأرثوذكس بالزيادة التي أضيفت على قانون الإيمان النيقاوي في مجمع القسطنطينية عام 381م التي تتضمن الإيمان بالروح القدس الرب المحيي والمنبثق من الأب وحده ، فله طبيعته وجوهره ، وهو روح الله وحياة الكون ومصدر الحكمة والبركة فيه ، والإيمان بتجسُّد الإله في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم ، وذريته من بعده ، والإيمان بأن السيدة مريم العذراء والدة الإله ، ولذا يوجبون تقديسها كما يقدسون القديسين ” انتهى باختصار وتصرف يسيرين من ” الموسوعة الميسرة ” (2/593-594)
وهذه كلها عقائد محرفة مشوهة ، لم يأت بها المسيح عليه السلام ، ولم يدع الناس إليها ، كما أن الشعوب الأرثوذكسية لا تختلف كثيرا عن الشعوب الكاثوليكية أو البروتستانتية من حيث التمسك بتعاليم كنائسهم أو عدمه ، فالإلحاد بينهم منتشر ، والفجور والوقوع في الجريمة والرذيلة أيضا لا تردعه أرثوذكسية ولا كاثوليكية ، ولا نجد في الشعوب الأرثوذكسية ميزة ظاهرة عن غيرها من أتباع الطوائف الأخرى .
خامسا :
الواجب على العبد أن يتسمى باسم الإسلام ، وأن يتمدح بما مدح الله به عباده ، فهو الاسم الذي سمانا الله عز وجل به ، ومن سماه ربه لا يرضى عن اسمه بديلا أو تغييرا أو تعديلا ، فقد قال الله عز وجل : ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج/78.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” عن ابن عباس في قوله : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) قال : الله عز وجل ، وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والسدي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، قال مجاهد : الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر ، ( وفي هذا ) يعني : القرآن . وكذا قال غيره ، وهذا هو الصواب ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (5/456)
وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نتسمى بما دعانا الله عز وجل به ، وننبذ كل دعوة أخرى يتعصب الناس فيها لوصف أخص من وصف ” الإسلام ” الذي يحمل في طياته جميع المعاني الشرعية التي يحبها الله من عباده ، فالأوصاف الخاصة لا تنفك عن تضييق وتأطير لمفهوم الإسلام الشامل الواسع ، والمسلم لا يرضى أن يختزل انتسابه إلى جميع مفردات هذا الدين العظيم بانتسابه إلى مفردات محدودة ضيقة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ ) رواه الترمذي (رقم/2863) وقال : حسن صحيح غريب ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
فإذا احتيج إلى شيء من الإضافات للتمييز ، ونحو ذلك ، فالواجب أن تكون إضافات ونسبا شرعية ، لا تشبه فيها بغير المسلمين .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android