أنا في حاجة ماسة إلي مساعدتكم وعلمكم الموثق حول مسألة واقعية .
أنا أشعر بالخجل والحرج من السؤال عن هذا الأمر ، ولكن ليس لدي حل أخر .
ما هو حكم الشرع في مسألة إرضاع الكبير البالغ ؟ هل هذا يؤدي إلي أن تصبح المرأة المرضعة محرمة علي الرجل الذي سترضعه والتي تقوم بتمريضه ؟
حيث أني أنوي أن أقوم بالرضاعة من امرأة غير مسلمة وليست من محارمي ( ليست زوجة ولا من أقاربي ) . هل يجوز أن أرضع من لبنها ، مع العلم أنها تود أن تقوم بتمريضي ؟ وليس لدي أي رغبة جنسية.
يريد أن ترضعه ممرضته لتحرم عليه
السؤال: 175072
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
رضاع الكبير لا يؤثر ، ولا يثبت به التحريم في قول جماهير أهل العلم ، وإنما الرضاع المعتبر ما كان في الحولين ، لما ثبت في “سنن الترمذي” (1152) عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ ) ، قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ، أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى البخاري (2453) ومسلم (1455) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ . قَالَ : ( يَا عَائِشَةُ ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ ) .
قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9/148) : ” والمعنى تأملن ما وقع من ذلك ، هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ، ومقدار الارتضاع ؟ فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط ، قال المهلب : معناه ، انظرن ما سبب هذه الأخوة ، فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة . وقال أبو عبيد : معناه ، أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع ، لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع ” انتهي .
قال ابن قدامة – رحمه الله – في “المغني” (8/142) : ” من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين ” انتهى .
وقد جاءت آثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن رضاع الكبير لا يؤثر ، فمن ذلك :
1. ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فسألته ، فقال : حرمت عليك . قال : فقام وقمنا معه حتى انتهى إلى أبي موسى فقال : ما أفتيت هذا ؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود ، وأخذ بيد الرجل : أرضيعاً ترى هذا ؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم ، فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم .
رواه عبد الرزاق في المصنف (7/463 رقم13895) .
ورواه أبو داود (2059) عن ابن مسعود بلفظ : ( لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم . فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحَبْر فيكم ) . وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
2- وروى مالك في الموطأ (2/603) عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال : ( لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير ) .
3- وروى مالك أيضا في الموطأ عن عبد الله بن دينار أنه قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير ، فقال عبد الله بن عمر : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني لي وليدة [جارية] وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها ، فدخلت عليها فقالت : دونك ، فقد والله أرضعتها . فقال عمر : ” أوْجِعْها وأْتِ جاريتك ، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير ” . وإسناده صحيح .
وأما من قال بأن رضاع الكبير يحرم ، فقد استدل بما روى مسلم (1453) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ .
وفي رواية لمسلم أيضا : (فقالت : إنه ذو لحية . فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة) .
وكان أبو حذيفة قد تبنى سالماً ، قبل أن ينزل تحريم التبني .
وقد أخذت عائشة رضي الله عنها – وحفصة أيضاً – بهذا الحديث ، ولم تره خاصا بسالم ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وقد كانت أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها تَقُولُ : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ، وَلَا رَائِينَا . رواه مسلم (1454) .
وقد أجاب الجمهور عن حديث سالم بأن ذلك كان خاصاً به ، كما هو قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنه منسوخ .
كما أن الحديث لم يبين كيف ارتضع سالم ، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : ” قوله صلى الله عليه وسلم ( أرضعيه ) قال القاضي : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ، ولا التقت بشرتاهما . وهذا الذي قاله القاضي حسن ، ويحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خُص بالرضاعة مع الكبر . والله أعلم ” انتهى
واعلم أن الذي عليه الفتوى عند كثير من أهل العلم المعاصرين ، أن رضاع الكبير لا يثبت به التحريم ، وبهذا أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، ورأوا أن حديث سالم خاص به .
انظر : “مجموع فتاوى الشيخ ابن باز” (22/264) ، “فتاوى اللجنة” (21/41، 102) .
واختار الشيخ ابن عثيمين أن حديث سالم ليس خاصاً به ، ولكنه ينطبق على مَنْ حاله تشبه حال سالم ، وهذا لا يمكن الآن ، لأن التبني قد حرمه الله تعالى ، وبهذا يتفق هذا القول مع قول جماهير العلماء بأن رضاع الكبير لا يثبت به التحريم الآن .
قال رحمه الله في “الشرح الممتع” (13/435، 436) :
” وعندي : أن رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً ، إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه .. وهذا غير ممكن ، لأن التبني أُبطل ” انتهى .
والحاصل : أن الراجح أن إرضاع الكبير لا يؤثر ؛ لأن الرضاع المحرم لابد أن يكون في الحولين أو قبل الفطام .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب