أنا في مشكلة ، كنت ولداً طموحاً جدّاً لدرجة أني ما تخيلت نفسي يوما أن أكتب مثل هذه الكلمات ، وأنا في حالة لم أفهمها ، وكأن غشاوة بين عيني ، من أين أبدأ ؟ حالتي النفسية : كنت ولا زلت مدمناً للمخدرات ، عدت طبيباً لأتداوى ، فصرتُ مدمناً على الدواء ، بالإضافة إلى أنني خسرت كل ما أملك الآن ، أصبحت لا أستوعب الكلام ، صرت أكثر عدائية مع أبي وأمي ، أصبحت لا أخرج من البيت إلا لقضاء حاجتي ، أنام كثيراً ، لا أستطيع التفكير جيِّداً ، أتردد كثيراً ، مع أني حتى حقوقي الدنيوية لا أستطيع تلبيتها . أرجو منكم التوجيه ، والله المستعان .
كان شابّاً طموحاً ثم صار مدمن مخدرات فما توجيهنا له ؟
السؤال: 175269
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إن طريق الهداية والنور معلوم ، وطريق الظلمات والمعاصي أيضاً معلوم ، لكننا عادة ما نفقد العزيمة التي تجعلنا نمشي في الطريق الأول ، وكلنا خطاءون ، وخير الخطائين التوَّابون .
فعليك – أخي – بالتوبة الصادقة لله والبكاء بين يديه ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) التحريم/ 8 ، وقال تعالى ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/ 31 ، فالدعوة عامة لجميع المؤمنين للتوبة والاستغفار .
يا عبد الله ؛ إن الله يفرِّج عن عباده الداعين ويحب سؤالهم ، ويمتحنهم ويختبرهم ليسمع تضرعهم فيكشف عنهم الكربة ويزيل الهم والغم .
يا عبد الله ؛ إن باب التوبة واسع ومفتوح ، فبادِر ولا تقل ” ذنبي عظيم ” ؛ فإن رحمة الله وعفوه أعظم وأكبر وأجل من ذنوب أهل الأرض جميعاً ، وإن رحمته سبقت غضبه .
وإليك هذا الحديث العظيم ؛ فإنه سيبث فيك الأمل للتوبة ويحدوك للرجوع إلى الله .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ) . رواه مسلم ( 2766 ) .
فانظر إلى عظم ذنبه فقد قتل مئة نفس ثم قبل الله توبته ، ويجب أن يقارِنَ التوبةَ عزيمةٌ على عدم الرجوع إلى المعصية ؛ فإن هذا من شروط التوبة .
وابتعد عن جلساء السوء ، وعن كل ما يذكرك بالمعصية وبتناول المخدرات ، وأشغل وقتك بما ينفعك من عمل أو دراسة ، ونمِّ طموحك فإنك ما زلت في ريعان الشباب ، وستسأل يوم القيامة عن وقتك وشبابك ومالك .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) رواه الترمذي ( 2417 ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
إن المخدرات هي رأس البلاء ، وأم الخبائث ؛ فهي تقود إلى الهاوية وربما يبيع الإنسان دينه وعرضه من أجل الحصول عليها ، وقد قادتك المخدرات إلى سوء التعامل مع الديك ، وهذا انحدار خطير .
وهي التي أذهبت مالك وصرفت تفكيرك وجلبت عليك النوم الكثير .
فعالج جسمك ونفسيتك ، وراجع طبيباً موثوقاً مراراً وتكراراً ، واصبر على مرارة ترك الإدمان فإنك ستجد حلاوتها فيما بعد بإذن الله .
نسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح ، وأن يعافيك ، ويعفو عنك ، ويهديك سواء السبيل .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب