0 / 0

من فعل ذنوبا تستوجب اللعن هل له من توبة ؟ هل يمكن أن يغفر الله له ؟

السؤال: 175522

كنت أتساءل : ماذا يعنى كون المرء ملعونا من قبل الله ؟! ؛ فهل هناك لذلك مجال مرئي له مذاق وملمس ؟! ، وعندما يكون الشخص ملعونا ، فهل هذا يعنى أن الله يضع الشخص في عالم مجنون وغير معقول ، ويؤذيه ويتحدث إليه ، أم إنها مجرد لعنة بسيطة ، ومجرد قول لا غير ؟! .
وأيضا : أود أن أعرف : إذا كان الشخص ملعونا من الله ، هل هذا يعنى أنه لا يمكنه دخول الجنة ، أو : لن يغفر له الله لأنه ملعون ؟
أنا لدي صديق كان يعيش حياة طيبة إسلامية ، وبدأ يصوم في سن العاشرة ، وتوقف عن ذلك في الخامسة عشرة من عمره ، لأنه بدأ يرافق غير مسلم ، وأخذ يدخن الحشيش ، وبعدها كان يشرب الخمر ، وعندما كان في بلدة أخرى قام بتدخين الحشيش ثانية ، ثم دخل في نفس المدينة في علاقة مع غير مسلمة ، ومارس الجنس وارتكب الزنا ، واستمرت العلاقة حوالي 6 أشهر قبل أن يقطعها ، لأن أخته ووالدته أخبرتاه أنها علاقة حرام وشريرة ، فقال إنه لا يمكنه الاستمرار في العلاقة وتركها وترك أيضا حياة العصابات ، وكنت أتساءل هل يمكن أن يغفر الله له ؟ وما هي عقوبة ذلك إن لم تكن هناك عقوبة أبدية ؟
وأيضا : فإن ذات الشخص بدأ يسمع أصواتا ، وقالت له : هذه الأصوات إنها أرواح ، وبدأ يتحدث مع الله ، وقال له الله : إنه سيغفر له ، لكن يقول له صوت الله أحيانا : إنه لن يغفر له ، ويرى أشياء لا يراها الآخرون ، فهل هو ملعون ؟
وإذا كان كذلك في الدنيا ، فهل يمكن أن يغفر له؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
” اللَّعْنُ : الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ : الطَّرْد والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء … وكلُّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَبعده عَنْ رَحْمَتِهِ وَاسْتَحَقَّ العذابَ فَصَارَ هَالِكًا “
انتهى من “لسان العرب” (13/ 387-388) .

والملعون إما أن يكون كافرا فهذا مطرود من رحمة الله مبعد عنها إلى عذاب الله .
وإما أن يكون مسلما ولكنه فعل فعلا يستحق عليه اللعن ، كشرب الخمر وأكل الربا وسب الوالدين ونحو ذلك من الذنوب العظام ، فهذا لا يكون إلا في كبائر الذنوب ، ولا يعني ذلك خلوده في النار ؛ لأن من مات من أهل التوحيد على التوحيد والإسلام وإن دخل النار بذنوب فعلها فإنه لا يخلد فيها ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .

قال ابن عثيمين رحمه الله :
” اللعن : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، ولا لعن على فعلٍ إلا من كبائر الذنوب ، ولهذا قال العلماء : كل ذنبٍ كانت عقوبته اللعنة فهو من كبائر الذنوب ” .
انتهى من “دروس وفتاوى الحرم المدني” (ص 57) .

فمن فعل فعلا استوجب كفره ومات على ذلك ولم يتب منه ، فهذا ملعون بمعنى أنه استوجب عذاب الله الخالد ، الذي لا يخرج منه أبدا .

وأما من كان من المسلمين ، ففعل فعلا عظيما استوجب غضب الله عليه ، أو لعنته ، فهذا لم يخرج من الإسلام بمجرد ما وقع منه من الكبيرة ، أو بمجرد حكم الله له باللعنة ؛ بل هو في مشيئة الله تعالى : إن شاء عذبه على ما استوجبه بعمله ، وإن شاء عفا عنه سبحانه بمنه وكرمه ؛ لكنه إذا عذبه عذبه ما شاء أن يعذبه ثم يخرجه من العذاب ، فهذا ليس له العذاب الخالد .

ولا شك أن شرب الخمر والحشيش وفعل فاحشة الزنا من كبائر الذنوب التي تستوجب سخط الله وعذابه ، ولكن من تلبس بشيء من ذلك ثم تاب تاب الله عليه ، شريطة أن يكون صادقا في ندمه وتوبته ، مقلعا عما كان يقترفه من الذنوب والآثام ، دائم الاستغفار مقبلا على الله .
قال الله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم/ 59، 60 .
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/ 68 – 71 .

ثانيا :
لعنة الله تعالى لمن استحق ذلك من عباده ، هي طرده لهذا العبد عن طريق الهدى والرشاد ، وصرفه إلى طريق الغي والفساد ، أو هي كلامه سبحانه بما يستحقه هذا العبد من اللعنة ، وذكره لهذا العبد بلعنته سبحانه وتعالى .
ولا علاقة لهذه اللعنة بعلامة رمزية تظهر على العبد ، أو تظهر له ، كأن ينزل عليه شيء من السماء بمقتضى هذه اللعنة ، أو يظهر شيء في شكله وصورته ، أو يرى شيئا يدله على هذه اللعنة ، أو نحو ذلك من الأوهام ، ولا علاقة لها أيضا بأن يصيبه شيء من الجنون أو الجذام ، أو غير ذلك من الأسقام ؛ فاللعنة حكم شرعي ، يتعلق بدين الرجل في الدنيا ، ومصيره عند ربه في الدار الآخرة ، وربما بدا لك من الشخص أنه من أنعم الناس عيشا ، وأبهاهم صورة ومنظرا ، وهو ملعون عند الله ، مطرود من رحمته . وربما بدا لك من شخص أنه من أقل الناس قدرا ، وأضيقهم عيشا ، وأقلهم حظا ، أو أوحشهم صورة ، ثم هو عند الله من الناجين الفائزين المرحومين .

ثالثا :
الذي يراه صاحبك من أشياء لا يراها غيره ، والذي يسمعه من أصوات تزعم أنها أرواح ، وهذا الذي يأتيه ويقول له أنه الله وأنه سيغفر له ، أو لن يغفر له : كل هذا وأشباهه من تلبيس الشيطان عليه واحتياله وتسلطه ليبعده أكثر عن الله ، وكل ذلك من الباطل الذي لا حقيقة له ، والذي لا أثر له في الحقيقة على من وفقه الله للتوبة والإنابة والرجوع إلى ربه .

وأما صوت الله فلا يسمعه أحد من البشر في الدنيا إلا الأنبياء ، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهكذا لا يرى أحد ربه حتى يموت ، ونراه في الدار الآخرة ، نسأل الله أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم .

وكل ما يجب على صاحبك الآن : أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا : فيقلع عن هذه الذنوب والمعاصي التي أوقعه فيها عدوه اللعين ، وأن يندم على ما فات منه ، وأن يسارع إلى إصلاح اللحظة التي يحياها بطاعة الله تعالى ، والإكثار من الخيرات ، والإقبال على الله بحسن الظن فيه ، والرجاء له ، والرغبة فيما عنده سبحانه ؛ قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/ 53 .

وروى ابن ماجة (4250) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : ( وَسَلَّمَ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) . حسنه الألباني في “صحيح ابن ماجة” .
قال السندي رحمه الله :
” قَوْله ( التَّائِب مِنْ الذَّنْب ) إِطْلَاق الذَّنْب يَشْمَل الذُّنُوب كُلّهَا ، فَيَدُلّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ التَّوْبَة مَقْبُولَة مِنْ أَيّ ذَنْب كَانَ ، وَظَاهِر الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَة إِذَا صَحَّتْ بِشَرَائِطِهَا فَهِيَ مَقْبُولَة ” انتهى من ” حاشية السندي على سنن ابن ماجه ” ( 2/ 562 ) .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
” الذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ ، فَمَنْ قُضِيَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : ” إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا ” .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ) .
وَالْمُؤْمِنُ إذَا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ أَسْبَابٍ : أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، أَوْ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ ، أَوْ يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُوهَا فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ، أَوْ يَدْعُو لَهُ إخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا ، أَوْ يَهْدُونَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ بِهِ ، أَوْ يَشْفَعُ فِيهِ نَبِيُّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي الْبَرْزَخِ بِالصَّعْقَةِ فَيُكَفِّرُ بِهَا عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَرْحَمُهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10 / 45-46) .

وقال ابن القيم رحمه الله :
” قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبدل سيئاته حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة ” انتهى من “الجواب الكافي” (1 / 116) .

فبشر صاحبك بسعة رحمة الله ، وعظيم عفوه ، وفرحه بتوبة عبده وإقباله عليه وإنابته إليه .
فليسارع إلى التوبة وليرجع إلى الله وليترك أهل السوء وليصاحب أهل الصلاح .
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (9222) ،(36674) ، (46683) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android