0 / 0

هل يجوز للإمام الجهر بالبسملة من أجل تأليف قلوب المصلين ؟

السؤال: 175551

عُيّنت مؤخراً إماماً لأحد المساجد لمدة مؤقتة ، وقد بدأت الصلاة بالناس ، ووفقاً للفهم المتأصل لديّ من أن هناك رأيين في مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة وأن الأرجح عدم الجهر بها لم أجهر ، ولكن الناس تضايقوا من هذا وبدأوا يتحدثون عن هذا من خلفي ويشتكون ويقولون : لماذا لا يقرأ هذا الإمام البسملة ؟ يجب أن يفعل كما كان يفعل الأئمة الذين أتوا من قبله . كما أنهم يعيبون عليَّ عدم قراءتي لبعض السور التي جرت العادة أن تُقرأ في بعض الأيام ، كقراءة سورتي الفلق والناس في صلاة المغرب يوم الجمعة . إني أحاول أن أتجاهل مثل هذه الأشياء ، ولكني لا أريد أن أثير فتنة أو أن أكون سبباً في إثارتها ، ويمكنني بكل سهولة أن أتخلى عن هذا العمل وأوكله إلى شخص آخر ، فهو عمل مؤقت على كل حال . فأشيروا عليَّ :
هل أجهر بالبسملة في الصلاة أم لا ؟
وهل أقرأ تلك السور التي اعتادوا أن يسمعوها أم أتخلى عن العمل بالكلية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
نشكر لك – أخي السائل – حرصك على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ، ونشكر لك سؤالك عن حكم موافقة المأمومين فيما تعودوا عليه ، وخيراً فعلت ؛ حيث يظن بعض المتبعين للسنَّة أنهم ليسوا بحاجة لإرشاد ونصح في طريقة تعاملهم مع الناس ! وأنه حتى لو كان بتطبيقهم للسنَّة – التي يرونها راجحة – فتنة وتباغض قلوب وتفرق المسلمين فإنهم لا يتوانون عن تطبيقها ، ولو ترتب عليها ما ترتب من فساد ! ولا شك أن هذا خطأ ، وأنه ليس هو ما عليه أئمة أهل السنة قديماً وحديثاً كما سيأتي .

ثانياً:
لا شك أن الجهر بالبسملة في الفاتحة في الصلاة جائز ، وليس بدعة ولا حراماً ، ولكن في أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها بل كان يقرؤها سرّاً .
عن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِـ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . رواه البخاري ( 743 ) .
وعند أحمد ( 12868 ) ” وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ” .
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة ، وخالفهم الشافعية فقالوا بسنيَّة الجهر بها .
ومع كون السنَّة الثابتة : عدم الجهر بالبسملة ؛ إلا أنه لا حرج من الجهر بها ، خاصة عند من كان مذهبهم الجهر بها ، تأليفاً لقلوبهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” ومع هذا : فالصواب : أن ما لا يُجهر به ، قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع للإمام – أحيانا – لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا ، ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة ، خوفاً من التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم ، وقال ابن مسعود ، لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال : ” الخلاف شر ” ؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول ؛ مراعاة ائتلاف المأمومين أو لتعريفهم السنَّة وأمثال ذلك ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 22 / 436 ، 437 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – : ” فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس ، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمَّ بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم : كان قد أحسن ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 22 / 268 ، 269 ) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما حكم الجهر بالبسملة ؟ .
فأجاب : ” الراجح : أن الجهر بالبسملة لا ينبغي ، وأن السنَّة الإسرار بها ؛ لأنها ليست من الفاتحة ، ولكن لو جهر بها أحياناً : فلا حرج ؛ بل قد قال بعض أهل العلم : ” إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه ” أنه كان يجهر بها ” .
ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ” أنه كان لا يجهر بها ” ، وهذا هو الأولى : أن لا يجهر بها .
ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر : فأرجو أن لا يكون به بأس ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 13 / 109 ) .

وعليه : فيجوز لك الجهر بالبسملة لأولئك القوم إما دائما ، أو أحياناً ؛ لتحقيق مصلحة كبرى وهي ائتلافهم واجتماعهم ووحدة كلمتهم ، ويمكنك استثمار هذا لتعليمهم ما هو أهم من مسائل الفقه العملية وهو التوحيد ونواقضه والشرك ووسائله ، وبقاؤك مع الجهر بالبسملة خير – ولا شك – للناس من تركك لهم ليحل محلك إمام جاهل يضل الناس ويجهلهم ويصرفهم عن العلم الشرعي .

ثالثاً:
إن المداومة على سورٍ وآيات معينةٍ في صلواتٍ محددة مقتصراً عليها : لا يخلو الأمر فيها من حالين :
الأول : أن يكونَ الشرعُ قد أثبتَ المداومة عليها ، كسورتي ” السجدة ” و ” الإنسان ” في صلاة الفجر من يوم الجمعة ، وعليه : فلا بأسَ من المداومةِ على ذلك في كلِّ فجر جمعةٍ .
وينظر جواب السؤال رقم (121175) .
الثاني : ألاَّ يكونَ الشرع قد أثبتَ المداومة عليها ، كأن يعيِّن الإمام قراءة آخر سورة البقرة في المغربِ دائماً : فالسنَّةُ عدم مشروعيةِ المداومةِ ؛ لأن ذلك مخالفٌ لهديه صلى الله عليه وسلم من التنوع في القراءة – وانظر جواب السؤال رقم ( 148634 ) – وخشيةً لاعتقاد الجهلةِ استحباب ذلك في كل مغربٍ ، فضلا عن وجوبه .
ومع كون هذا هو السنَّة فإنه لا مانع من قراءة ما اعتادوا عليه والمداومة على ذلك لفترة من الوقت استعمالاً للسياسة الشرعية ؛ من أجل وحدة كلمة المصلين وعدم تفرقهم ، ومن أجل إغلاق الباب على من يأتي من أئمة البدع لإضلالهم ، ومن أجل تحبيبهم لك وللمنهج العلمي الذي تسلكه لتصل بهم إلى حبِّ السنَّة والعمل بها ، وسيكون مع الوقت ترك لتلك المداومة كما قد فعله غيرك من طلبة العلم في مثل حالك مع المخالفين للسنَّة من المصلين .
وانظر جوابي السؤالين ( 111223 ) ( 152874 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android