عُيّنت مؤخراً إماماً لأحد المساجد لمدة مؤقتة ، وقد بدأت الصلاة بالناس ، ووفقاً للفهم المتأصل لديّ من أن هناك رأيين في مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة وأن الأرجح عدم الجهر بها لم أجهر ، ولكن الناس تضايقوا من هذا وبدأوا يتحدثون عن هذا من خلفي ويشتكون ويقولون : لماذا لا يقرأ هذا الإمام البسملة ؟ يجب أن يفعل كما كان يفعل الأئمة الذين أتوا من قبله . كما أنهم يعيبون عليَّ عدم قراءتي لبعض السور التي جرت العادة أن تُقرأ في بعض الأيام ، كقراءة سورتي الفلق والناس في صلاة المغرب يوم الجمعة . إني أحاول أن أتجاهل مثل هذه الأشياء ، ولكني لا أريد أن أثير فتنة أو أن أكون سبباً في إثارتها ، ويمكنني بكل سهولة أن أتخلى عن هذا العمل وأوكله إلى شخص آخر ، فهو عمل مؤقت على كل حال . فأشيروا عليَّ :
هل أجهر بالبسملة في الصلاة أم لا ؟
وهل أقرأ تلك السور التي اعتادوا أن يسمعوها أم أتخلى عن العمل بالكلية ؟
هل يجوز للإمام الجهر بالبسملة من أجل تأليف قلوب المصلين ؟
السؤال: 175551
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
نشكر لك – أخي السائل – حرصك على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ، ونشكر لك سؤالك عن حكم موافقة المأمومين فيما تعودوا عليه ، وخيراً فعلت ؛ حيث يظن بعض المتبعين للسنَّة أنهم ليسوا بحاجة لإرشاد ونصح في طريقة تعاملهم مع الناس ! وأنه حتى لو كان بتطبيقهم للسنَّة – التي يرونها راجحة – فتنة وتباغض قلوب وتفرق المسلمين فإنهم لا يتوانون عن تطبيقها ، ولو ترتب عليها ما ترتب من فساد ! ولا شك أن هذا خطأ ، وأنه ليس هو ما عليه أئمة أهل السنة قديماً وحديثاً كما سيأتي .
ثانياً:
لا شك أن الجهر بالبسملة في الفاتحة في الصلاة جائز ، وليس بدعة ولا حراماً ، ولكن في أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها بل كان يقرؤها سرّاً .
عن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِـ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . رواه البخاري ( 743 ) .
وعند أحمد ( 12868 ) ” وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ” .
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة ، وخالفهم الشافعية فقالوا بسنيَّة الجهر بها .
ومع كون السنَّة الثابتة : عدم الجهر بالبسملة ؛ إلا أنه لا حرج من الجهر بها ، خاصة عند من كان مذهبهم الجهر بها ، تأليفاً لقلوبهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” ومع هذا : فالصواب : أن ما لا يُجهر به ، قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع للإمام – أحيانا – لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا ، ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة ، خوفاً من التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم ، وقال ابن مسعود ، لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال : ” الخلاف شر ” ؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول ؛ مراعاة ائتلاف المأمومين أو لتعريفهم السنَّة وأمثال ذلك ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 22 / 436 ، 437 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – : ” فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس ، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمَّ بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم : كان قد أحسن ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 22 / 268 ، 269 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما حكم الجهر بالبسملة ؟ .
فأجاب : ” الراجح : أن الجهر بالبسملة لا ينبغي ، وأن السنَّة الإسرار بها ؛ لأنها ليست من الفاتحة ، ولكن لو جهر بها أحياناً : فلا حرج ؛ بل قد قال بعض أهل العلم : ” إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه ” أنه كان يجهر بها ” .
ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ” أنه كان لا يجهر بها ” ، وهذا هو الأولى : أن لا يجهر بها .
ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر : فأرجو أن لا يكون به بأس ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 13 / 109 ) .
وعليه : فيجوز لك الجهر بالبسملة لأولئك القوم إما دائما ، أو أحياناً ؛ لتحقيق مصلحة كبرى وهي ائتلافهم واجتماعهم ووحدة كلمتهم ، ويمكنك استثمار هذا لتعليمهم ما هو أهم من مسائل الفقه العملية وهو التوحيد ونواقضه والشرك ووسائله ، وبقاؤك مع الجهر بالبسملة خير – ولا شك – للناس من تركك لهم ليحل محلك إمام جاهل يضل الناس ويجهلهم ويصرفهم عن العلم الشرعي .
ثالثاً:
إن المداومة على سورٍ وآيات معينةٍ في صلواتٍ محددة مقتصراً عليها : لا يخلو الأمر فيها من حالين :
الأول : أن يكونَ الشرعُ قد أثبتَ المداومة عليها ، كسورتي ” السجدة ” و ” الإنسان ” في صلاة الفجر من يوم الجمعة ، وعليه : فلا بأسَ من المداومةِ على ذلك في كلِّ فجر جمعةٍ .
وينظر جواب السؤال رقم (121175) .
الثاني : ألاَّ يكونَ الشرع قد أثبتَ المداومة عليها ، كأن يعيِّن الإمام قراءة آخر سورة البقرة في المغربِ دائماً : فالسنَّةُ عدم مشروعيةِ المداومةِ ؛ لأن ذلك مخالفٌ لهديه صلى الله عليه وسلم من التنوع في القراءة – وانظر جواب السؤال رقم ( 148634 ) – وخشيةً لاعتقاد الجهلةِ استحباب ذلك في كل مغربٍ ، فضلا عن وجوبه .
ومع كون هذا هو السنَّة فإنه لا مانع من قراءة ما اعتادوا عليه والمداومة على ذلك لفترة من الوقت استعمالاً للسياسة الشرعية ؛ من أجل وحدة كلمة المصلين وعدم تفرقهم ، ومن أجل إغلاق الباب على من يأتي من أئمة البدع لإضلالهم ، ومن أجل تحبيبهم لك وللمنهج العلمي الذي تسلكه لتصل بهم إلى حبِّ السنَّة والعمل بها ، وسيكون مع الوقت ترك لتلك المداومة كما قد فعله غيرك من طلبة العلم في مثل حالك مع المخالفين للسنَّة من المصلين .
وانظر جوابي السؤالين ( 111223 ) ( 152874 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة