0 / 0

هل يجوز له أن يستفيد من مال كان قد اكتسبه من الحرام لفك ضائقة مالية ؟

السؤال: 175812

في بداية الأمر أود أن أعبر عن شكري وامتناني لكل القائمين على هذا الموقع الذي أفدت منه الكثير أنا وزوجتي . سؤالي هو: قبل أن التزم كان والدي قد ورطني في عملية نصب واحتيال ، وجعلني أكذب للحصول على مبلغ مالي معيّن ، كنت صغيراً حينها ، ولم أكن أعرف حرمة هذا الأمر، وقد مرّت الأيام والتزمت وتزوجت ، وأنا الآن أمرّ بظروف مالية قاهرة وأتوقع أن يصلني جزءٌ مما تبقى من ذلك المال في الأيام القليلة القادمة ، لذا فنفسي تراودني في استخدامه للخروج من هذه الضائقة التي أنا فيها ، فما رأي الشرع ، هل يجوز لي استخدامه عملاً بالقاعدة الشرعية “الضرورات تبيح المحظورات” ، إن الدين من السماحة واليسر بحيث يبيح للمضطر أن يأكل من مال الربا، وهو أشد حرمة من هذا المال الذي حصلت عليه عن طريق النصب والاحتيال ، فما توجيهكم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا تجوز طاعة المخلوق – ولو كان أقرب الناس – في معصية الخالق سبحانه ، وإنما الطاعة في المعروف ، راجع جواب السؤال رقم : (162423) .
وإذا كنت قد تبت من هذا الذنب فقد أحسنت صنعا ، ولكن لابد أن تعلم أن التوبة لا تسقط بها حقوق الناس ، بل لا بد من إرجاعها إليهم وردها عليهم .
جاء في “الموسوعة الفقهية” (14/129) :
” التوبة بمعنى الندم على ما مضى والعزم على عدم العود لمثله لا تكفي لإسقاط حق من حقوق العباد ، فمن سرق مال أحد أو غصبه أو أساء إليه بطريقة أخرى لا يتخلص من المساءلة بمجرد الندم والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود , بل لا بد من رد المظالم , وهذا الأصل متفق عليه بين الفقهاء ” انتهى .

وقاعدة ” الضرورات تبيح المحظورات ” يتداولها الناس فيما بينهم ، فإذا وقع أحدهم في ورطة بسبب ذنبه ، أو احتاج حاجة ليست بالشديدة شرع يحل لنفسه ما حرم ربه عليه محتجا بهذه القاعدة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
هناك بعض الناس يتعاملون بالربا ، ويدخلون الربا أيضا في قاعدة : الضرورة تبيح المحظورات ، فما الحكم ؟ شخص عليه دين: إما أن يدفعه، أو يقدم للمحاكمة ؛ فأخذ بالربا ؟
فأجابت اللجنة : ” لا يجوز التعامل بالربا مطلقا ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (13 /294)

واعلم أن هذا الذي أصابك من ضيق وشدة إنما أصابك بذنبك ، وهذا في الحقيقة من لطف الله ورحمته ، حتى يراجع الواحد منا نفسه ويرجع إلى ربه ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/ 30 ، وقال سبحانه : ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الأعراف/ 168 .
فالواجب عليك التنبه إلى هذا الأصل والعمل بمقتضاه ، فالذي أصابك من البلاء والحاجة ، إنما هو بسبب الذنب لتتوب منه ، عسى أن يتوب الله عليك ، وأنت اليوم تريد أن تجعل هذه الحاجة سببا شرعيا للتمادي في الذنب والوقوع في أوحاله وآثاره ! هذا مما لا يحسن بك فعله ، وهو مما يدل على أن توبتك والتزامك ليسا على الوجه المطلوب .

ومن شروط التوبة المقصودة المطلوبة أن ترد المال إلى أصحابه ؛ فإنه لا تصح التوبة إذا تعلق الذنب بحق الآدميين إلا برده إليهم – كما تقدم – أو التحلل منهم .
روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ) .
قال ابن الأثير رحمه الله في “النهاية” (1 / 1035) :
” يقال تحلَّلته واستحللته : إذا سألته أن يجعلك في حِلٍّ من قِبَله ” انتهى .
قال علماء اللجنة :
” يجب على من أخذ مال غيره بغير إذنه أن يرده عليه ، ولو كان وقت أخذه له صغيرا ، ويطلب منه المسامحة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ) ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (15 /373)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” حقيقة التوبة : الإقلاع من الذنوب وتركها ، والندم على ما مضى منها ، والعزيمة على عدم العود فيها ، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم ، أو تحللهم منها ” انتهى .
“مجموع فتاوى ابن باز” (16 /33)

فإن كنت لا تعرف صاحبه ، أو كان من المال العام ، فيجب عليك التصدق به في أوجه البر العامة أو على الفقراء وأهل الحاجة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” الْأَمْوَالُ الَّتِي تَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَى أَهْلِهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِمْ مَثَلًا هِيَ مِمَّا يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ كَالْغَاصِبِ التَّائِبِ وَالْخَائِنِ التَّائِبِ وَالْمُرَابِي التَّائِبِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ صَارَ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ ؛ فَإِنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (28 /568)

ولا يجوز لك أخذ هذا المال الحرام للاستعانة به في فك ضائقتك وحل مشكلتك ، خاصة وأنت لم تقبض هذا الجزء الذي تريد استخدامه بعد ، فالنصب والاحتيال ذنب ومعصية ، وأخذك لهذا المال الذي لم تستلمه بعد ، مناف لتوبتك التي يتشرط فيها الإقلاع عن الذنب ، والندم عليه ؛ وها أنت ذا توطن نفسك على الوقوع في الذنب !!
فرد المال إلى أصحابه ، واستغفر الله وتب إليه ، وتوكل عليه ، يجعل لك من بعد العسر يسرا ومن بعد الضيق فرجا ومخرجا ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 -3 .
كما يجب عليك نصح والدك وإرشاده إلى التوبة وأمره بما أمرك الله به من نهيه عن المنكر والتمادي فيه .
واعلم أنه لا يستغني ساع بالحرام أبدا ، وإنما هي غفلة يعينه عليها التوهم الخاطئ .
راجع جواب السؤال رقم : (65649) ، (169424) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android