تنزيل
0 / 0
1448321/03/2012

والداه يريدان الانفصال وكل منهما يريده أن يقف إلى صفه

السؤال: 175863

اتجه أبي وأمي إلى المحكمة ؛ لاستصدار حكم الطلاق ، أمّي تقول أن ادعاءات أبي كلها كاذبة ، وأبي يقول أن ادعاءات أمّي كلها كاذبة ، وأنا الآن بين المطرقة والسندان ، فأمّي تطلب مني أن أقف إلى صفها وأبي يطلب أن أقف إلى صفه .
وأنا كابن أراني في حيرة من أمري ولا استطيع أن أفضّل هذا على هذا ، وأعلم أن كلا منهما يتحمل جزءاً من الخطأ والمسؤولية ، لقد نصحتهما وذكرتهما بالله ، وطلبت منهما أن يعودا إلى كتاب الله وسنة رسوله ففيهما الخير والحل والكفاية ، ولكن دونما فائدة .
فما نصيحتكم لي، ماذا يجب علىّ أن أفعل في مثل هذه الحالة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بر الوالدين من الواجبات المحتمات على الأولاد ، وعقوقهما من المحرَّمات القطعيات ،
قال الله تبارك وتعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا
قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي
نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا )
الإسراء/ 23 – 25 .

قال الشيخ محمد الأمين
الشنقيطي رحمه الله :
” أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بإخلاص العبادة له وحده ، وقرن بذلك الأمر
بالإحسان إلى الوالدين ، وجعْلُه برَّ الوالدين مقروناً بعبادته وحده جل وعلا
المذكور هنا : ذَكَرَه في آيات أخر ، كقوله في سورة ” النساء ” : ( وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) ، وقوله في
البقرة ( وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) ، وقوله في سورة لقمان : ( أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) ، وبيَّن في موضع آخر أن برَّهما لازم ولو
كانا مشركين داعيين إلى شركهما ، كقوله في ” لقمان ” : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى
أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ، وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) ، وقوله في ” العنكبوت ” : ( وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُم ) الآية .
وذِكْرُه جل وعلا في هذه الآيات برَّ الوالدين مقروناً بتوحيده جل وعلا في عبادته :
يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين ” انتهى من “أضواء البيان” ( 3 / 85 ) .

ولذا فإن الواجب عليك بر
والديْكِ ، والإحسان إليهما ، وبذل النصيحة لهما ، والسعي للتوفيق بينهما ، فإن
أصرا على الطلاق ، لم يسقط حق أحدهما في البر مهما كان مخطئا .
وينبغي أن تبين بوضوح لهما أنك مقيم على برهما ، مجتهد في الإحسان إليهما ، تنأى
بنفسك عن الميل إلى طرف على حساب الآخر ، وعن سماع الادعاءات والاتهامات التي تقسي
قلبك ، وتوغر صدرك ، ولا فائدة من سماعها مع اختيارهما الانفصال .
واعلم أن للأم ثلاثة أضعاف ما للأب من حسن الصحبة ، دون تقصير في حق الأب .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ : ( أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ
ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ
أَبُوكَ ) رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
قال النووي رحمه الله : ” وفيه الحث على بر الأقارب ، وأن الأم أحقهم بذلك ، ثم
بعدها الأب ثم الأقرب ، فالأقرب ، قال العلماء : وسبب تقديم الأم : كثرة تعبها عليه
، وشفقتها ، وخدمتها ، ومعاناة المشاق في حمله ، ثم وضعه ، ثم إرضاعه ، ثم تربيته ،
وخدمته وتمريضه ، وغير ذلك ، ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تفضل
في البر على الأب ، وحكى القاضي عياض خلافا في ذلك ؛ فقال الجمهور بتفضيلها وقال
بعضهم يكون برهما سواء ، قال ونسب بعضهم هذا إلى مالك ، والصواب : الأول ؛ لصريح
هذه الأحاديث في المعنى المذكور والله أعلم” انتهى من “شرح مسلم” (16/ 102) .

سئل الشيخ محمد بن صالح
العثيمين رحمه الله : شاب يبلغ الخامسة والعشرين من العمر ، والدي ووالدتي في خصام
مستمر طول أيامهما ، إن بررت بالأول : غضب ونفر الثاني ، إن بررت الثاني : غضب
الأول ، واتهمني بالعقوق ، ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ لكي أبرهما ؟ وهل أعتبر عاقّاً
بالنسبة لأمي بمجرد أنني بررت بأبي أو العكس ؟
فأجاب : ” الإجابة على هذا أن نقول : إن بر الوالدين من أوجب الواجبات التي تجب
للبشر على البشر ؛ لقول الله تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين
إحسانا ) ، وقوله تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) ،
وقوله تعالى ( إن اشكر لي ولوالديك إلى المصير ) ، والأحاديث في هذا كثيرة جدّاً ،
والواجب على المرء أن يبر والديه كليهما : الأم والأب ، يبرهما بالمال ، والبدن ،
والجاه ، وبكل ما يستطيع من البر حتى إن الله تعالى قال : ( ووصينا الإنسان بوالديه
حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير . وإن
جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) ،
فأمر بمصاحبة هذين الوالدين المشركين اللذين يبذلان الجهد .. في أمر ولدهما بالشرك
ومع ذلك أمر الله أن يصاحبهما في الدنيا معروفاً ، وإذا كان ذلك كذلك : فالواجب
عليك نحو والديك اللذين ذكرت أنهما في خصام دائم ، وأن كل واحد منهما يغضب عليك إذا
بررت الآخر ، الواجب عليك أمران :
الأول : بالنسبة للخصام الواقع بينهما : أن تحاول الإصلاح بينهما ما استطعت ، حتى
يزول ما بينهما من الخصام والعداوة والبغضاء ؛ لأن كل واحد من الزوجين يجب عليه
للآخر حقوق لابد أن يقوم بها ، ومن بر والديك أن تحاول إزالة هذه الخصومات حتى يبقى
الجو صافياً ، وتكون الحياة سعيدة .
وأما الأمر الثاني : فالواجب عليك نحوهما أن تقوم ببر كل واحد منهما ، وبإمكانك أن
تتلافى غضب الآخر إذا بررت صاحبه بإخفاء البر عنه ، وتبر أمك بأمر لا يطلع عليه
والدك ، وتبر والدك بأمر لا تطلع عليه أمك ، وبهذا يحصل المطلوب ، ولا ينبغي أن
ترضى ببقاء والديك على هذا النزاع ، وهذه الخصومة ، ولا على هذا الغضب إذا بررتَ
الآخر ، والواجب عليك أن تبين لكل واحد منهما أن بر صاحبه لا يعنى قطيعته ، أي :
قطيعة الآخر بل كل واحد منهما له من البر ما أمر الله به ” انتهى من “فتاوى
إسلامية” (4/ 196) .
وإذا أصر الوالدان على هذه الخصومة ، فالذي نراه أن تعرض عن الدخول فيها من الأصل ،
خاصة وأنك نصحتهما من البداية .
زادك الله برا وتوفيقا ، وهدى والديك وأصلح حالهما .
والله أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android