ما حكم المتاجرة بالعقود الآجلة؟ كأن آخذ كيلو من النحاس على أن أعيده اثنين كيلو فيما بعد، فهل يجوز ذلك على اعتبار أن النحاس ليس من الربويات؟
هل يجوز أن يأخذ كيلو نحاس على أن يعيده كيلوين بعد مدة
السؤال: 176124
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا حرج في شراء النحاس بغيره بالآجل ، أو مبادلة كيلو منه بكيلوين من غير تأجيل ؛ لأن النحاس ليس من الربويات كما ذكرت ، لكن لا يجوز قرض النحاس مع اشتراط الزيادة ، كما لا يجوز مبادلته بجنسه متفاضلا مع التأجيل ؛ لأن ذلك في معنى القرض كما سيأتي .
فلا يجوز أن تقترض كيلو من النحاس على أن ترده كيلوين ؛ لأن القرض يرد بمثله ، واشتراط الزيادة فيه ربا ، سواء كان الشيء المقترض من الربويات أو لم يكن .
قال ابن قدامة رحمه الله : ” وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف .
قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة” انتهى من “المغني” (6/ 436).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الربا : ” وهو متفق على تحريمه في النقدين ، وفي الصنف الربوي كالأعيان الستة ، لا يبيع حنطة بأكثر منها إلى أجل ، ولا شعيرا ولا تمرا ولا زبيبا ولا ملحا . وهو أيضا متفق عليه بين المسلمين في القرض من سائر الأجناس .
فإذا أقرض ما يكال وما يوزن وشرط أكثر منه لا يجوز ذلك باتفاقهم .
ولو أقرضه ما يوزن كالقطن والكتان والحديد وغيره ، وشرط أكثر ، لم يجز باتفاقهم .
وكذلك لو أقرضه ما يكال ولا يؤكل ، كالسدر والخطمي والأشنان ، وغير ذلك ، وشرط أكثر منه لم يجز باتفاقهم ” انتهى من “تفسير آيات أشكلت” (2/ 667).
فتبين بهذا أنه لا يجوز أن يقترض الإنسان شيئا ، حديدا أو نحاسا أو غيره ، على أن يرده بزيادة ، وهذا محل اتفاق الفقهاء .
وأما الصرف أو المبادلة : فإن كانت حالة غير مؤجلة ، فتجوز الزيادة في مبادلة الأجناس غير الربوية ، والنحاس ليس ربويا على الراجح ، فتجوز مبادلة كيلو منه بكيلوين ، على سبيل الصرف ، لا القرض .
وأما مع التأجيل : فمبادلة الجنس الواحد متفاضلا مؤجلا ، محل خلاف بين الفقهاء :
فمنهم من يقول إنه محرم ، وهو مذهب مالك وأحمد في رواية ؛ لأنه في معنى القرض بالزيادة ، وقد سبق أنه محرم اتفاقا .
ومنهم من يقول : إنه جائز ؛ لأنها مصارفة في جنس غير ربوي ، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي .
والراجح أنه محرم ، وأن هذا الصرف المؤجل في الجنس الواحد مع الزيادة ، هو في حكم القرض مع الزيادة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله بعد كلامه السابق في حكاية الاتفاق على تحريم الزيادة في القرض : ” وهذا من أقوى الحجج على أن الجنس الواحد إذا اجتمع فيه نوعا الربا التفاضل والنساء ، لم يجز ذلك ، وإن كان لا يجري فيه ربا الفضل ، فإنهم متفقون على هذا في القرض ، لو أقرضه ما يوزن لم تجز الزيادة . وإن قيل : ليس فيه ربا الفضل ، فيجب أن يكون إذا قال : بعتك هذا الرطل برطلين من جنسه إلى شهر ، وهذا الكيل بكيلين إلى شهر : لم يجز ، وهذا مذهب مالك وأحمد في رواية ؛ لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يجعل ذلك قرضا بزيادة ؛ إذ الاعتبار بالمقاصد لا بالألفاظ .
ولو قال : أقرضتك هذا الرطل على أن ترد رطلين ، لم يجز ، سواء أجّل القرض أو أطلقه وكان حالا ، فيجب إذا قال : بعتك هذا الرطل برطلين إلى أجل أن لا يجوز ؛ لأن هذا هو معنى القرض بزيادة ” انتهى .
فالحاصل :
أن قرض النحاس أو غيره ، من الأصناف الربوية وغير الربوية ، لا يجوز مع شرط الزيادة ، اتفاقا .
وأن بيع النحاس بالنحاس ، أو مبادلته ومصارفته ، – مع القول بأن النحاس غير ربوي وهو الراجح – لا يجوز أن يكون مؤجلا مع الزيادة ، على الراجح ؛ لأنه في معنى القرض مع الزيادة.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب