امرأة طلبت الخلع من زوجها أو فسخ عقد النكاح ، بسبب نقص في حقها عليه ، ولأنه كتم وجود أولاده من الزنا قبل توبته ، ثم بعد الزواج أراد أن يأتي بهم ليسكنوا معه ومع الزوجة ، واستمر الزواج لمدة ستة أشهر تقريبا ، وفي خلال هذه المدة كان لا يؤدي بعض حقوقها كأن لا يذهب معها إلى الطبيب حين حملت ومرضت مما سبب بعد ذلك سقوط الجنين ، بعد هذه الحادثة رفضت أن تبقى معه وطلبت الطلاق منه وأبى ، والمهر قيمته أربعة آلاف دولار أمريكي تقريبا، لكن الزوج يطالبها بعشرة آلاف دولار أي قيمة تكاليف الزواج كما يقول ، وهي لا تملك هذا المبلغ ، ولا أحد يستطيع أن يجبره على الطلاق ، وهو لا يعترف بأحد من طلاب العلم في دولتنا يستمع إليه في هذه المسألة، ولا يوجد لدينا محكمة الشرعية ، فهل من حقه أن يطالبها بهذا المبلغ ؟ وهل تستطيع هذه المرأة أن تفسخ العقد ؟
هل لزوج أن يطلب في الخلع أكثر مما دفع من مهر ؟
السؤال: 176224
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لا يجوز للمرأة طلب الطلاق أو الخلع إلا لعذر؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) .
والحديث صححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: ( إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) .
رواه الطبراني في ” الكبير” (17/ 339) وصححه الألباني في ” صحيح الجامع ” (1934) .
فإن وجد العذر كسوء عشرة الرجل، أو كراهة الزوجة لزوجها، جاز طلب الطلاق والخلع .
لما روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ” أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ ) قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).
وعند ابن ماجه (2056) أنها قالت: ( لا أطيقه بغضاً ) صححه الألباني في” صحيح ابن ماجة “.
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع :
” إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل ، والعتاب على أدنى نقص ، فلها الخلع .
ثانياً : إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع .
ثالثاً : إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع.
رابعاً : إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع .
خامساً : إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لِعُنّة ( أي: بسبب العُنة ، وهي عيب يمنع القدرة على الوطء ) فيه ، أو زهد فيها ، أو صدود إلى غيرها ، أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع ، والله أعلم ” انتهى.
ثانيا :
للزوجة الحق في مسكن خاص بها ، فلها أن ترفض سكن أولاد الزوج معها .
ولا يخفى أن أولاده من الزنا ، ليسوا أولادا له شرعا ، فلا يكونون محارم لزوجته .
ثالثا :
إذا أصر الزوج على إسكان أولاد الزنا في بيته ، جاز لها طلب الطلاق أو الخلع ، وكذلك إذا كرهته ولم تطق أن تعيش معه ، وعليها أن تتقي الله تعالى ، وألا تتعجل في ذلك ، وأن تراعي ما سبق بيانه من تحريم سؤال الخلع أو الطلاق ، فلو استعانت ببعض أهل الخير والصلاح فأقنعوا زوجها بجعل سكن مستقل لها ، وأمكنها قبوله والعيش معه ، لم يجز لها طلب الخلع .
رابعا :
لا يستحب للزوج أن يطلب في الخلع أكثر مما دفع من مهر ، وأجاز ذلك المالكية والشافعية ، ولغيرهم تفصيل.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (19/ 243) : ” ذهب المالكية والشافعية إلى جواز أخذ الزوج عوضا من امرأته في مقابل فراقه لها ، سواء كان العوض مساويا لما أعطاها أو أقل أو أكثر منه ، ما دام الطرفان قد تراضيا على ذلك , وسواء كان العوض منها أو من غيرها , وسواء كان العوض نفس الصداق أو مالا آخر غيره ، أكثر أو أقل منه .
وذهب الحنابلة إلى أن الزوج لا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، بل يحرم عليه الأخذ إن عضلها ليضطرها إلى الفداء .
وفصل الحنفية فقالوا : إن كان النشوز من جهة الزوج كره له كراهة تحريم أخذ شيء منها , لقوله تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) ، ولأنه أوحشها بالفراق فلا يزيد إيحاشها بأخذ المال .
وإن كان النشوز من قبل المرأة لا يكره له الأخذ , وهذا بإطلاقه يتناول القليل والكثير , وإن كان أكثر مما أعطاها ، وهو المذكور في الجامع الصغير , لقوله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ، وقال القدوري : إن كان النشوز منها كره له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، وهو المذكور في الأصل ( من كتب ظاهر الرواية عند الحنفية ) لقوله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس : أما الزيادة فلا ، وقد كان النشوز منها , ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء , وكذلك إذا أخذ والنشوز منه … ” انتهى .
وإذا لم يمكن التوفيق والصلح بينهما ، فينبغي نصح الزوج بالتخفيف في العوض الذي يطلبه ، وإعانة المرأة ومساعدتها على دفعه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب