0 / 0

لا حرج أن تتخلص من الكسب الحرام بإنفاقه على التعلم

السؤال: 177744

خلال العشرة الأشهر الماضية وأنا أعمل ككاتبة ، أكتب الواجبات والمهام الدراسية للطلاب مقابل شيء من المال ، فعلت ذلك حتى أتمكن من جمع بعض المال لتسديد الرسوم الدراسية ، إلا أني قرأت فتوى على موقعكم تقول : إنه لا يجوز للطلاب أن يدّعوا فعل شيء من الواجبات لم يفعلوه هم على وجه الحقيقة ؛ لأن في ذلك غشا وخداعا للمدرسين ، والجامعة ، وبقية الزملاء من الطلاب ، لذا خشيت أن يكون ما كسبته من مال حرام على هذا الاعتبار ، فما العمل ، إن تخليت عن هذا المال ، فإني ربما لن أستطيع تسديد الرسوم الدراسية ، ولن أستطيع إكمال دراستي ، فهل يجوز استخدامها لتسديد الرسوم المستقبلية ، أو لتسديد الرسوم المتراكمة الماضية التي بدأت الفوائد الربوية تُضاف إليها شيئاً فشيئاً ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
سبق في موقعنا تقرير حرمة القيام بالواجبات المدرسية أو الجامعية مِن قِبَل أي أحد بدلا عن الطالب نفسه ، سواء كانت أبحاثا أم وظائف أم تجارب أم غيرها مما يكلف به الطلاب ؛ لما في ذلك من غش صريح للمعلم وللمؤسسة التعليمية وللطالب نفسه ، ويمكن الاطلاع على الفتاوى المتعلقة بالمسألة في موقعنا في الأرقام الآتية : (95893) ، (104812) ، (130118) .
ثانيا :
الذي نراه في حالة السائلة – بعد أن تتوب عن سابق عملها ولا تعود إليه – أنه لا حرج عليها في إنفاق ما اكتسبته في دفع رسومها الدراسية ، وذلك لسببين :
السبب الأول :
أنها لم تكن على علم بالحكم الشرعي للمسألة ، وهي ليست من ضروريات الشريعة التي لا يخفى مثلها على الناس ، بل من خفايا المسائل التي يغيب مثلها عن عامة الناس ، والجهل في مثل هذه الحالة عذر شرعي يرفع الإثم ويسقط المطالبة المالية لدى كثير من الفقهاء .
فقد جاء في اختيارات ابن تيمية رحمه الله : ” من كسب مالا حراما برضاء الدافع ثم تاب : إن لم يعلم التحريم ثم علم ، جاز له أكله ، وإن علم التحريم أولا ثم تاب ، فإنه يتصدق به ” انتهى من ” الفتاوى الكبرى ” (5/421) .
السبب الثاني :
نص كثير من الفقهاء أن طلب العلم – سواء كان دينيا أم دنيويا مباحا – من الحاجات الأساسية التي تراعى في وصف الفقر والمسكنة ، وفي جواز دفع الزكاة لسد الحاجة إليها .
قال الإمام النووي رحمه الله :
” لو قدر على كسب يليق بحاله إلا أنه مشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل حلت له الزكاة ؛ لأن تحصيل العلم فرض كفاية ” انتهى من ” المجموع ” (6/190)
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله :
” إن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضَه المحرم ، كمن عاوض على خمر أو خنزير ، أو على زنى أو فاحشة ، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع ؛ لأنه أخرجه باختياره ، واستوفى عوضه المحرم ، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوَّض ، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان ، وتيسير أصحاب المعاصي عليه ، وماذا يريد الزاني وفاعل الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله ، فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ، ولا يسوغ القول به وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر .
ولكن لا يطيب للقابض أكله ، بل هو خبيث كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن خبثه لخبث مكسبه ، لا لظلم من أخذ منه ، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي ، فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه عينا كان أو منفعة ، ولا يلزم من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث كسب الحجام ، ولا يجب رده على دافعه ” انتهى من ” زاد المعاد ” (5/691) .
وقد سبق اختيار ذلك في موقعنا في الفتوى رقم : (95418) .
فإذا كان المال الحرام سبيله الصدقة ، وكان مكتسب المال الحرام محتاجا إليه ليعينه على دراسته وطلبه للعلم ، فلا حرج عليه أن ينفقه على نفسه في هذا السبيل ، بشرط أن لا يعود إلى اكتساب مثله ، ويستغني بالحلال عن الحرام في قابل أيامه ، فقد قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/2-3.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله – في معرض حديثه عن التخلص من المال الحرام -:
” له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيرا ، أما عياله وأهله فلا يخفى ؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله ، بل هم أولى من يتصدق عليهم ، وأما هو فله أن يأخذ منه قدر حاجته ؛ لأنه أيضا فقير ، ولو تصدق به على فقير لجاز ، وكذا إذا كان هو الفقير ” انتهى من ” إحياء علوم الدين ” (2/132)، ونقله مؤيدا له الإمام النووي رحمه الله في ” المجموع شرح المهذب ” (9/351) .
وجاء في ” الاختيار لتعليل المختار ” (3/61) من كتب الحنفية :
” الملك الخبيث سبيله التصدق به ، ولو صرفه في حاجة نفسه جاز ، ثم إن كان غنيا تصدق بمثله ، وإن كان فقيرا لا يتصدق ” انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (114789) ورقم (121252) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android