أمي غير مسلمة ، أمّا أنا فمسلمة والحمد لله ، إنها تقع أحياناً في بعض المآزق المالية فأقوم بإقراضها بعض المال من مال زوجي على أنه مساعدة لا يلزمها ردّها ، إلا أنها تعتبر ذلك ديناً وتعدُ أنها ستعيده لي إذا تحسنت ظروفها، ما لم فإنها ستعطيني جزءاً من أرضها أو محاصيلها الزراعية.
بالطبع أنا أصرّ على أن لا تعتبر ذلك ديناً وأن لا ترده لي بشكل من الأشكال، لا نقداً ولا عيناً. لكن ماذا لو أصرت على أن تعطيني قطعة أرض من أرضها ، أو شيئاً من محصولها، ماذا أفعل إذاً؟
هل أقبله منها وأتصدق به ، أم يمكنني الاحتفاظ به واعتبار أنه سداد لدينها ؟
إني أعلم أن المسلم لا يرث الكافر، فهل في إعطائها لي شيئاً من هذه الأملاك يُعتبر من قبيل التوريث ، أرجو التوضيح .
هل يجوز لها أن تقبل من أمها الفقيرة مقابل صلتها إياها إذا أيسرت ؟
السؤال: 177971
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لا بأس أن يصل المسلم أباه المشرك أو أمه المشركة ؛ لما روى البخاري (2620) ومسلم (1003) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ : ” قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : وَهِيَ رَاغِبَةٌ : أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : ( نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ ) .
قال الحافظ (5/234) رحمه الله :
” قَالَ الْخَطَّابِيّ : فِيهِ أَنَّ اَلرَّحِمَ اَلْكَافِرَةَ تُوصَلُ مِنْ اَلْمَالِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا تُوصَلُ اَلْمُسْلِمَة ” انتهى .
ثانيا :
” الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه ، إلا ما كان يسيرا قد جرت العادة به ، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها والأجر بينهما ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا ) .
متفق عليه ” .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (10 /81) .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (26 /327) :
” يَجُوزُ التَّصَدُّقُ مِنْ مَال الزَّوْجِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ ، إِذَا كَانَ يَسِيرًا ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ” انتهى .
فالواجب عليك أن تستئذني زوجك فيما تعطينه من ماله لأمك ، إلا إن كان شيئا يسيرا ، لا يمنع الزوج من مثله .
ثالثا :
إذا أيسرت الأم وأعطتك مقابل صلتك وعطيتك ، أرضا أو محصولا ، أو غير ذلك : فلا حرج عليك في قبوله ؛ ويكون منها مكافأة لك على صلتك لها ، وليس ذلك من باب الرجوع في الهبة أو الصدقة ، كما أن ذلك ليس من التوريث ؛ لأن وراثة المال لا تكون إلا بعد موت صاحبه ؛ وإنما هو إحسان منها مقابل إحسانك المتقدم إليها ، ولا حرج في قبوله والانتفاع به بالصدقة والإنفاق على نفسك وولدك وغير ذلك من أوجه التصرف المباحة والمشروعة .
قال الشوكاني رحمه الله :
” إذا كانت الهبة بغير عوض كانت المكافأة عليها مشروعة ، وتجوز للكافر ومنه ، ولا يحل الرجوع فيها ” انتهى .
“الدراري المضية” (2 /306)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أعطاني أبي قطعة من الأرض ، ولي أشقاء أحياء ، علما بأنني قد بنيت له بيتا قبل ذلك ، فربما أعطاني هذه الأرض مكافأة لي على البيت الذي بنيته له ، فهل هذا الفعل يجوز؟
فأجاب :
” الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحدا من أبنائه أو بناته شيئا إلا إذا أعطى الآخرين مثله … أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضا لكونه بنى لأبيه بيتا ، فإنه ينظر :
إذا كان الأب منحه هذه الأرض ونيته بذلك مكافأة على بناء البيت ، أي أنه من الأصل لم يقبل تبرع ابنه ببناء البيت إلا بمكافأة ، فكافأه بهذه الأرض وهي تقابل بناء البيت ؛ فإن هذا لا بأس به ، كما لو اشترى منه حاجة وأوفاه ثمنها .
وأما إذا كان الأب قد قبِل تبرع الابن ببناء البيت ، ولم يكن يخطر على باله أن يكافئه ؛ فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضا دون إخوته ” انتهى ” لقاء الباب المفتوح ” (39 /7) .
وحيث إن أمك إنما قبلت منك المال والصلة ، على أنه متى تحسن حالها كافأتك : فلا حرج في قبول مكافأتها التي تقابل صلتك .
وإذا أعطتك على أنه سداد دين فلا حرج أيضا في قبول ذلك منها .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب