0 / 0

كيف أتعامل مع التهديد بالأذى ؟

السؤال: 178316

كنت موظفا في إحدى الشركات العمومية ، وكنا نعاني من تسلط مسؤولنا الأول الذي كانت أخلاقه سيئة ؛ ومعاملته لنا بتجبر وتكبر ، وكنت عاملا جديدا ، وبحمد الله استطعت التأقلم مع المجموعة ، ولكن شاءت الأقدار أن تتأزم العلاقة بيني وبين المسؤول ، فقررت أن أبحث عن عمل آخر ، ففتح الله علي بعمل خير من الأول والحمد لله ، فأنا الآن أعمل مع أناس محترمين ، ولكن بعد مدة علمت أن مسؤولي الأول يريد أن يكيد لي ، ويستعمل علاقاته لوضع عراقيل تثبطني وتعرقل مساري المهني .
كيف أتعامل مع هذا النوع من المشاكل ، فبعد تيقُّني أنه لن يضرني إلا بشيء قد كتبه الله لي إلا أني صرت في بعض الأحيان متوترا ، أشك في إخلاصي ، كأن أتوب من أجل أن لا يسلطه الله عليّ ، لا أن أتوب ابتغاء وجه الله والدار الآخر ، فكيف أُوفق بين هذا وهذا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يتعرض كثيرون في أعمالهم وأيامهم إلى مواجهة شرار الناس ، ومقاومة اعتدائهم ، وهم في ذلك ما بين قوي بقوة الله عز وجل ، وضعيف عن احتمال الأذى والضرر ، والسبب في ذلك يرجع إلى طباع النفوس التي خلقها الله سبحانه ، وإلى بعض العوامل المتفاوتة ما بين حالة وأخرى .
وفي سبيل الإعانة على تجاوز أذية الأشرار نقدم بعض النصائح ، ونذكِّر ببعض القضايا التي نرجو أن تكون سببا في بث الشجاعة في النفوس ، ومن ذلك :
أولا :
تذكَّر أن صلاح الأرض لا يتم إلا بمحاربة الفساد ، ومن أراد فسادا عاما أو خاصا كان واجبا على كل من علم به مقاومته ما أمكن ، وفي ذلك أجر عظيم ، وثواب جليل من الله سبحانه ، يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ) الشعراء/10-11.
ثانيا :
وتذكر أنك إن تعرضت للأذى لأمر ديني أو دنيوي فقد ذاق قبلك الأنبياء من ذلك الأذى الشيء الكثير ، وفي ذلك مواساة لك ولغيرك من الناس ، فلن يكون أحد أحب إلى الله ولا أقرب إليه من أنبيائه ورسله ، ومع ذلك نالهم من شرار الناس الأذى الكثير ، يقول الله سبحانه : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) الفرقان/31.
وفي ذلك أعظم مواساة لكل من يعاني من إجرام المجرمين واعتدائهم ، فذلك ابتلاء جميع الأنبياء ، منهم من قُتل ، ومنهم من ضرب ، ومنهم من طرد من أرضه ، ومنهم من حورب ، فكان هديهم الصبر والرضى بقضاء الله ، ومواجهة الإساءة بالإحسان والصفح والغفران .
ثالثا :
استعن بالله عز وجل في شأنك كله ؛ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بدفع ظلم أو أذى أو فساد في الأرض ؛ فقد كان ذلك حال المؤمنين والمتقين ، التوجه إلى الله سبحانه كي يقذف في قلوبهم الخوف منه دون مَن سواه من البشر ، يقول الله سبحانه – عن موسى عليه السلام – : ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) القصص/21.
ويقول عزوجل : ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) يونس/84-86.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” أي : لا تُظفرهم بنا ، وتسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم إنما سلطوا لأنهم على الحق ونحن على الباطل… وقال ابن أبي نجيح وغير واحد عن مجاهد : لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ، ولا بعذاب من عندك ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (4/288)
رابعا :
من أعظم ما يعين على مواجهة المصاعب والمتاعب التوكل على الله ، وذلك يعني أن تفوض أمرك له سبحانه ، ولو تصورت أن مسؤولا كبيرا طمأنك ووعدك بكف ظلم مديرك عنك لانبعث في قلبك من الطمأنينة والسكينة ما تقر به عينك ، فمن باب أولى أن يكون هذا حالك عندما تكل أمرك لله سبحانه ، وفي ذلك يقو جل وعلا : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ . فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) يونس/84-85. ويقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) الجاثية/19.
خامسا :
لا تستجب لوساوس الشيطان الذي يدعوك لترك التوبة بحجة عدم الإخلاص فيها ، فذلك من أعظم مداخل الشيطان على العباد ، يدعوهم لترك الأعمال الصالحات من التوبة والعبادة والأخلاق الفاضلة خوفا من أن تشوبها شوائب السمعة والرياء والعجب وغيرها ، وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ” تَرْكُ العمل لأجل الناس رياء ” انتهى من ” الأذكار ” (ص/9)
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
” ما دمتَ تجد باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل ، وجاهد خاطر الرياء ، وألزِمْ قلبك الحياء من الله إذا دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمده حمد المخلوقين ، وهو مطَّلع على قلبك ، ولو اطلع الخلق على قلبك وأنك تريد حمدهم لَمَقَتوك ، بل إن قدرت على أن تزيد في العمل حياء من ربك وعقوبة لنفسك فافعل .
فإن قال لك الشيطان : أنت مُراءٍ . فاعلم كذبَه وخداعه بما تصادف في قلبك مِن كراهة الرياء وإبائه ، وخوفك منه ، وحيائك من الله تعالى ” انتهى من ” إحياء علوم الدين ” (3/323)

سادسا :
من النصائح المهمة في هذا الأمر ونحوه : التباعد عن ذكر ذلك الشخص ، والتشاغل عن تهديده ووعيده ، فَذِكْرُه لن يعود عليك إلا بالقلق والترقب ، فينال منك وهو على فراشه ، وذلك من نوازع النفس التي يجب على كل الناس مقاومتها ، فلا يرخي لها حبل الوساوس المخيفة ، ولا يسترسل معها في تصديق كل تهديد أو التفكير بكل وعيد ، وإلا عاش في خوف ونكد ، وضاق عليه صدره ، في حين أن الأمر أيسر من ذلك ، والحياة مليئة بالمشاغل النافعة والأعمال الطيبة التي تكفي أن تشغلك عن شؤونك الخاصة ، فكيف بشؤون من يطلق التهديد والوعيد .

سابعا :
من الآداب التي يغفل عنها كثير من الناس ، ملازمة الذكر الذي حرص عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما خوَّفهم الناس وهددوهم بما يخطط له الكفار والمشركون ، فقالوا كلمة عظيمة ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” فكفاهم الله ما أهمهم .
يقول سبحانه وتعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/173-175.
وللمزيد يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: (160583)، (161597)، كما نوصيك بالاطلاع على الفتوى رقم: (8621) ففيها تنبيه على خطأ ما ورد في سؤالك عندما قلت : ” شاءت الأقدار “، والصواب أن تقول : ” كانت مشيئة الله “.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android