أنا امرأة أمريكية متزوجة من رجل من غير جنسيتي ، ومشكلتي مع والدته التي تثير الفتن باستمرار ، إن زوجي بعيد عن البيت هذه الأيام ، والتواصل معه غير حاصل ، وأسأل الله أن يعيده لنا سالماً ، إن لي منه طفلة صغيرة في الشهر التاسع ، وهي محور المشكلة مع أمّ زوجي ، إنها تريدها أن تكون معها باستمرار ، وتتجاهل أني أنا أمها ويجب أن تبقى معي لا مع غيري .
إن أم زوجي مطلّقة وتعيش في بيت آخر ، في حين أني أعيش مع والد زوجي ، فهو من يعتني بي وبابنتي ، وقد أخبرني أن لا أستجيب لمطالبها بإعطائها ابنتي ، إنها تثير المشاكل والقلاقل وتحذر أبناءها من التحدث معي وتتكلم عني بسوء ، بل بلغ بها الحد إلى الدعاء على ابنتي بأن يأخذها الله فتموت ، عندئذٍ ستتخلص مني لأن زوجي سيطلقني ، هكذا تقول !
أسئلتي هي :
– هل أمنعها من رؤية ابنتي ؟ .
– وهل لي الحق بمنعها من رؤيتها حتى في حضرة زوجي ؟ .
– ما مقدار المدة التي يحق لي فيها منعها من رؤيتها ؟ .
– وما حقوق الجدّات على أحفادهن حتى نعرف لها حقها فنقوم به دون أن نظلمها ؟ .
لقد حاولت جاهدة تحسين العلاقة معها ولكنها لا تريد التجاوب معي ، وقد مضى إلى الآن شهران ولم تر فيها ابنتي ، أسأل الله أن يعفو عنّا .
ماذا تصنع في مشكلاتها مع أم زوجها ؟ وهل لها أن تمنعها من رؤية حفيدتها ؟
السؤال: 178418
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن الله تعالى يقول ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) النساء/ 128 .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رواه مسلم ( 2558 ) .
تسفُّهم الملّ : المل : الرماد ، والمعنى : كأنك تطعمهم الرماد .
فهذه النصوص تحثنا على تغليب جانب البر والمعاملة بالحسنى ، وأن للإنسان أن يعامل مَن عاقبه بالمثل ، لكن الصبر واحتمال الأذى أفضل عند الله وأكبر ، قال تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 .
والجدة لها رحم مع حفيدتها ، وتحن إلى رؤيتها كما تحن الأم إلى رؤية ابنها ، فحرمانها هذا الحق من غير مانع قوي جرم عظيم ، فإذا لمستِ منها هذا القلب الرحيم فلا تمنعيها حقًّا شرعه الله لها ، فهذا حق لها .
ويضاف إلى ذلك أن احترام الجدة وإعطاءها حقها هو من البر بالزوج ، ومن إفراح قلبه ، ومن عشرته بالمعروف ، ولا تدرين لعلك إن أحسنتِ إليها ذكرتك بخير عند زوجك ، فرجع التصافي بينك وبين الزوج ، والواقع يشهد بأن أم الزوج أو الزوجة تكون سبب سعادة إن أحسنت التصرف ، وسبب شقاوة إن أساءت في المعاملة ، فتنبَّهي لهذا ابتداء .
ولا بأس بمداراتها ، بل وبالتملق لها ، واحتضانها ، وتقبيل رأسها ، احتراماً وتقديراً ؛ فلعل هذا أن يزيل ما حل في قلبها عليك من البغضاء .
وإن بعض كبار السن يصعب مزاجه مع الكبَر ، ويغضب لأي سبب ، فاحتملي الأذى قربة لله ، خاصة وأنها مطلقة ، وزوجها عندك وهو المتكفل بالعناية بك وبابنتك ، فقد يكون هذا مما يزيدها غضباً ، فتجعل من ابنتك سبباً للمشكلات ، وربما يكون سبب المشكلة الحقيقي هو وجودك مع الذي طلقها ، وفي رعايته ، وهو الجد .
ولا يعني هذا تقديم حقها عليك ، ولكن الكلام السابق من باب المعاملة بالتي هي أحسن ، فأنت أم ابنتك ، وحقك في الرعاية والعناية مقدم على الجدة .
وأما الجواب التفصيلي لأسئلتك :
1. هل أمنعها من رؤية ابنتي ؟ .
الجواب : لا يجوز منعها ، إلا إذا خشيتِ الضرر على ابنتك منها ، وحتى تكوني بعيدة عن الإثم والخوف : يمكنكِ أن تجعليها ترى ابنتك أمام عينك ، فتزوريها ، وتسلمي عليها ساعة ، ثم تنصرفين راشدة إلى بيتك ، ومعك ابنتك ، أو تجتمعين معها في بيت أحد المقربين منكما ويكون موضع تواصل بينكما .
2. هل أمنعها من رؤية ابنتي في حضرة الزوج ؟ .
الجواب : كذلك لا يجوز إلا خوف الضرر ، ومنعها في هذه الحالة أشد من السابقة ، ومن المستبعد أن تكِيد الجدة لابنتك في حضور زوجك ؛ فإن زوجك يخشى على ابنته كما تخشين ، والقرار في ذلك يكون بيد زوجك ؛ فاحذري غضبه عليك ، وإذا رأيتِ أن المصلحة في المنع فاكشفي للزوج سبب منعك حتى يكون عوناً لك .
وهنا أمر يجب التنبيه عليه :
احرصي على بيان ما يحصل مع الجدة للزوج ، وأوضحي له ما يكون بينكم من المشكلات حتى يلُم الشملَ ويفُض النزاعَ ؛ فإن كلامه أقرب إلى الجدة من كلامك ، وكلامه مصدق لديها ، فليحاول بلطف ولين أن يبين لأمه حسن مقصدك ، وأنك تحبينها وتجعلينها بمقام والدتك ، وأنه لا يحسن بها أن تتصرف معك هذا التصرف ، وأنت لها كابنتها في المقام ، وزوجة لابنها في الحقيقة .
3. وأما ما مقدار المدة التي يحق لك أن تمنعيها من رؤية ابنتك ؟ .
فالجواب عنه : أن عرف الناس هو المرجع في ذلك ، والناس يتفاوتون في تقدير ذلك ؛ فقد تكون زيارة كل شهر كافية عند قوم ، وقطيعة عند آخرين . وبعض الناس يرى كثرة الزيارة برا وصلة ، وبعضهم يرى ذلك فتحا لباب المشكلات . فينبغي النظر إلى أعراف الناس ، وعاداتهم ، وقبل كل ذلك : إلى ظروف كل حالة ، وطبيعة الأطراف المتعلقة بها .
4. وأما ما حقوق الجدات على أحفادهن ؟
فالجواب : هو الاحترام والتقدير ، والبر والصلة ، بكل ما يراه الناس احتراما وبرا وصلة ؛ وتلمُّس حاجاتها ، وخدمتها ، والاستماع إلى حديثها وعدم إغضابها .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا ) رواه الترمذي ( 1920 ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
فكيف إذا كان هذا الكبير جدة ؟! بل إن الجدة والجد يأخذان كثيراً من أحكام الوالدين في وجوب البر والصلة وغير ذلك من أحكام الشرع وآدابه .
وينظر جواب السؤال رقم (111892 ) .
وأما ما تسمعين به من الانتقاص والدعاء عليك : فاحتسبي الأجر عند الله ، وادعي لها بالهداية والصلاح ولا تعامليها بالمثل ؛ قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
سورة فصلت/34-36
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة