أنا شاب تائب من السرقة ، وأعلم أن من شروط التوبة رد الحقوق إلى أهلها ، وقد سرقت وأنا في صغري ، أي بعد البلوغ ، والمال الذي سرقته ليس بكثير .
وسؤالي :
أني أريد رد هذا المال أو قيمة الشيء المسروق ، والشخص طلب مني أن أعمل له إعلانا على شبكة الانترنت لسيارته لكي يبيعها ، وبفضل الله تم بيع سيارتين له عن طريق إعلاني ، ولكني لم أشترط على هذا الشخص مالاً ، وذلك بسبب الحياء ، وقلت : إن أعطاني أخذت إن أصر ، وإن لم يعطني لن أطالبه بشيء ، لأني أستحي كثيراً ، ولأنه من أقربائي ، والشخص هو نفسه الذي أريد رد المال إليه ، وقيمة الدلالة لبيع السيارة تتجاوز المسروق ، وأنا أعلم أن رد المظالم يكون عند طريق هدية أو أي طريقة مشروعة لمن يخشى المفسدة والله اعلم ، فهل أعتبر أني قد أرجعت إليه ما سرقت بهذه الصورة ، وأعتبر المال الذي لم يعطني إياه بدل الذي سرقته منه ؟
تاب من السرقة ولم يرد الحق لصاحبه فهل تكفيه الدلالة لبيع سيارته مجانا دون إخباره ؟
السؤال: 179432
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
من شروط التوبة الصحيحة : رد المظالم إلى أهلها ، أو التحلل منها ؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ).
ثانيا :
إذا سرق الإنسان مال غيره ، وشق عليه أن يخبره بذلك ، أو خشي المفسدة بإخباره ، كأن تحصل القطيعة بينهما ، فلا يلزمه إخباره ، بل يرد المال إليه بأي طريق ممكن ، كأن يدخله في حسابه ، أو يعطيه لمن يوصله إليه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق / 2 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق / 4 .
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو : فهذا أيضاً أسهل من الأول ؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه ، وحينئذٍ تبرأ منه .
إن هذه القصة التي ذكرها السائل توجب للإنسان أن يبتعد عن مثل هذا الأمر ؛ لأنه قد يكون في حال طيش وسفهٍ فيسرق ولا يهتم ، ثم إذا منَّ الله عليه بالهداية يتعب في التخلص من ذلك ” انتهى من ” فتاوى إسلاميَّة ” ( 4 / 162) .
ثالثا :
ما قمت به من الدعاية والدلالة لا تستحق عليه أجرا إلا إذا كنت منتصبا لهذا العمل ، يعرف الناس عنك القيام به بمقابل ، فلك أجر المثل حينئذ ، وإلا فأنت متبرع ؛ لأنك لم تشترط على صاحبك شيئا .
قال في كشاف القناع (4/206) : (( ومن عمل لغيره عملا بغير جُعْل فلا شيء له ) ; لأنه بذل منفعته من غير عوض فلم يستحقه , ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلتزمه , ولم تطب نفسه به ( إن لم يكن ) العامل ( مُعَدَاً لأخذ الأجرة فإن كان ) معدا لذلك ( كالملاح , والمُكاري , والحجام , والقصار , والخياط , والدلال , ونحوهم ) كالنقاد , والكيال , والوزان , وشبههم ( ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل , وأذن له ) المعمول في العمل ( فله أجرة المثل ) لدلالة العرف على ذلك …) انتهى.
وعليه : فإن كنت مشتغلا بالدعاية والإعلان بمقابل ، وكان صاحبك يعلم ذلك ، فلك أجر المثل على ما قدمت له من إعلان ، ولك أن تطالبه بذلك ، أو تجعلها مقابل ما سرقت منه ، دون إخباره بالسرقة خشية المفسدة .
وإن لم يكن معلوما عنك القيام بالدعاية بمقابل ، فلا تستحق شيئا من صاحبك ، ويلزمك رد ما سرقت منه ، بالطريق المتيسرة لك ، حسبما سبق .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب