0 / 0

الكلام على حديث ( ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها … ) سندا ومتناً

السؤال: 179873

أرجو من فضيلتكم التحقق من هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده :
روى أبو سعيد وأبو هريرة : ” أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم قال : ( ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن لهم عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا ) .
و أيضاً أريد تفاصيل عن راوي الحديث عبد الرحمن بن مسعود اليشكري .
نقل الشيخ الأرنأؤط توثيق ابن حبان له مع أن الإسناد ضعيف .
و لو وثق أحد أهل الحديث راويا ، ولم يوثقه الباقون فكيف يكون الأمر ؟؟
أرجو التوضيح مع إعطاء شرح تفصيلي للحديث .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
هذا الحديث لم يروه الإمام أحمد في مسنده ، وإنما رواه ابن حبان في “صحيحه” (4586) فقال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال : أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن رقبة بن مصقلة عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي سعيد و أبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفا ولا شرطيا و لا جابيا ولا خازنا ) .
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان : ” إسناده ضعيف ” .
وكذا ضعفه الشيخ مقبل الوادعي في “صحيح دلائل النبوة ” (570) .
وصححه الشيخ الألباني في “الصحيحة” (360) .
وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (5/240) :
” رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ خَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَسْعُودٍ وَهُوَ ثِقَةٌ ” .
وعبد الرحمن بن مسعود هذا ، ذكره ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (5/285) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ولم يوثقه إلا ابن حبان ، وهو معروف بالتساهل في التوثيق ، فإنه كثيرا ما يوثق المجهولين حتى الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه .
انظر : “الضعيفة” (1/80) ، وأيضا : ” الصحيحة ” ، الطبعة الجديدة (1/2/702-703) .

وهذا الراوي روى عنه ثقتان : جعفر بن إياس – كما في هذا الحديث – والبختري بن أبي البختري كما في “تهذيب الكمال” (4/22) .
وقال الحافظ في “تعجيل المنفعة” (1/813) :
” عبد الرحمن بن مسعود اليشكري عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما وعنه جعفر بن إياس وغيره ، وثقه ابن حبان ” .
فبِرواية الثقتين عنه ترتفع عنه جهالة العين ، ثم هو من التابعين ، فعند بعض العلماء كابن كثير وابن رجب أن من كان هذا حاله ولم يأت بما ينكر عليه فحديثه حسن ، راجع “إرواء الغليل” (3/309) .

وله شاهد رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (4190) و”الصغير” (564) والخطيب في “التاريخ” (11/577) من طريق دَاوُد بْن سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةً، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةً، وَقَضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ جَابِيًا، وَلَا عَرِيفًا، وَلَا شُرْطِيًّا ) .
قال الهيثمي في “المجمع” (5/233) :
” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ ، وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ لَمْ أَعْرِفْهُ ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ “انتهى .
وقد توبع معاوية بن الهيثم ، تابعه عبد الله بن أحمد بن شبوية عند الخطيب ، فانحصرت العلة في داود بن سليمان .
وهذا الحديث ضعفه الألباني في “الإرواء” (8/280) .

ثانيا :
إذا وثق بعض أهل العلم بالحديث راويا ، ولم يُحك توثيقه عن غيره : فإن كان هذا العالم معروفا بالحذق ، مشهودا له بالحفظ والعناية بالأسانيد ونقد الرجال ، ولا يعرف عنه التساهل في التوثيق؛ فهذا يقبل قوله في توثيق الراوي ، ويؤخذ به وإن تفرد بذلك ، مثل الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وإسحق بن راهويه والبخاري ومسلم والنسائي وأبي داود والدارقطني وأشباههم من الحفاظ المتقنين والنقاد الجهابذة .
وإن كان هذا العالم ممن عُرف عنه التساهل في التوثيق ، وأنه يوثق المجهولين ومن لا يعرف ، كابن حبان والحاكم والعجلي فإنه يُتوقف في قبول توثيق من وثقه حتى توجد قرائن تساعد على اعتماد توثيقه وقبول حديث هذا الراوي ، فإن كان معروفا بالطلب ، أو مشهورا بالفضل ، ولم يرو ما ينكر عليه ، ولم يأت عن المشاهير الحفاظ بما ينفرد به عن أصحابهم الملازمين لهم ، وقد ارتفعت عنه جهالة الحال برواية ثقتين عنه فأكثر ، وخاصة إذا كان من التابعين ، فمن كان هذا حاله ، وقد وثقه بعض من عُرف بالتساهل في التوثيق فحديثه مقبول حسن .

ثالثا : معنى الحديث :
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه سيأتي زمان على الناس يتأمّر عليهم فيه ويحكمهم من يقربون شرار الناس ، ممن يتابعونهم على أهوائهم ويطيعونهم فيما يأمرونهم به ، وهم مع ذلك يؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فيصلونها بعد وقتها ، ولا يحافظون عليها كما أمر الله ورسوله .
ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء ، وينهى من أدرك هؤلاء من أصحابه ، أن يكون لهم معينا على ما هم عليه من العصيان ، بل الواجب مجانبتهم ، وعدم الاختلاط بهم ، والدخول عليهم ؛ لما في ذلك من الفتنة والإعانة على الإثم والعدوان .
وقد بوّب لهذا الحديث ابن حبان رحمه الله في صحيحه (10 /446) بقوله : ” ذِكر الإخبار عما يجب على المرء عند ظهور أمراء السوء من مجانبتهم في الأحوال والأسباب ” .

وقوله : ( فلا يكونن لهم عريفا ) فالعريف : قال في “عون المعبود” (8/108) :
” هُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ ، يَلِي أُمُورَهُمْ وَيَتَعَرَّفُ الْأَمِيرُ مِنْهُ أَحْوَالَهُمْ ” .
وقال الحافظ في “الفتح” (6/601) :
” وسمي العريف عريفا لأنه يعرّف الإمام أحوال العسكر ” .
وقال أيضا (13/169) :
” وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم ، حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج ” انتهى .

وحال العرفاء مذموم إذا سعوا بين الإمام والرعية بما يفسد بينهم .
روى البخاري (6056) ومسلم (105) عَنْ حُذَيْفَةَ أنه قِيلَ لَهُ : إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ) .

وقوله : ( ولا شرطيا ) الشرطة معروفون ، وهم حفظة الأمن في البلاد ، الذين يجوبون الشوارع بالليل والنهار ويتفقدون أحوال الناس ، ولكنهم في دولة الظلم يظلمون الناس ويضربونهم ويأكلون أموالهم بغير الحق .
وقوله : ( ولا جابيا ) الجباة هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة وجمعها من الناس .
وهم العاملون عليها .
راجع “المجموع” (14 /92) ، “المغني” (7/317) .
وهم في دولة الظلم الذين يحصلون من الناس الضرائب والمكوس بغير الحق .

وقوله : ( ولا خازنا ) الخازن هو الذي يُخزن عنده المال ، أي : يُحفظ .
“شرح أبي داود للعيني” (6 /436) .

قال الشيخ عبد المحسن العباد :
” الخازن : هو الذي يكون قيماً على الشيء ، ويكون مؤتمناً على حفظه ، سواء كان الخازن مملوكاً ، أو كان مستأجراً لحفظ أي شيء ، والقيام عليه ، والإدخال فيه ، والإخراج منه ، فيكون مسئولاً عن المال الذي يخزن ” انتهى من “شرح سنن أبي داود” (9 /153) .

والخازن في دولة الظلم يكون قيما على هذا المال المجموع بغير حقه ، فيكون الخازن مشاركا للظالم في ظلمه معينا له عليه .
أما في دولة العدل فهو مشارك في الأجر والثواب ؛ فقد روى البخاري (2260) ومسلم (1023) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ ) .

فهؤلاء كلهم إنما ذم النبي صلى الله عليه وسلم حالهم ، ونهى عنه وعن التلبس به ، إن صح هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ، لما يقومون به من الظلم ؛ أما في حال العدل ، وظهور الخير : فهم محمودون غير مذمومين .
قال الشوكاني رحمه الله :
” الخبر الوارد في ذم العرفاء : لا يمنع العرفاء ؛ لأنه محمول – إن ثبت – على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ، ومجاوزة الحد ، وترك الإنصاف ، المفضي إلى الوقوع في المعصية ” . انتهى من نيل الأوطار (8/ 9) .
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
” وكذلك يقال في حديث (لا تكن لهم شرطياً ولا جابياً ولا عريفاً) : فهو محمول على كون ذلك في أمور الشر والظلم التي لا تجوز ، وأما في الخير فقد دل على الجواز الحديث ” .
انتهى من “شرح سنن أبي داود” (14 /277) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android