أرجو من فضيلتكم التحقق من هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده :
روى أبو سعيد وأبو هريرة : ” أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم قال : ( ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن لهم عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا ) .
و أيضاً أريد تفاصيل عن راوي الحديث عبد الرحمن بن مسعود اليشكري .
نقل الشيخ الأرنأؤط توثيق ابن حبان له مع أن الإسناد ضعيف .
و لو وثق أحد أهل الحديث راويا ، ولم يوثقه الباقون فكيف يكون الأمر ؟؟
أرجو التوضيح مع إعطاء شرح تفصيلي للحديث .
الكلام على حديث ( ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها … ) سندا ومتناً
السؤال: 179873
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
هذا الحديث لم يروه الإمام أحمد في مسنده ، وإنما رواه ابن حبان في “صحيحه” (4586) فقال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال : أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن رقبة بن مصقلة عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي سعيد و أبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفا ولا شرطيا و لا جابيا ولا خازنا ) .
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان : ” إسناده ضعيف ” .
وكذا ضعفه الشيخ مقبل الوادعي في “صحيح دلائل النبوة ” (570) .
وصححه الشيخ الألباني في “الصحيحة” (360) .
وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (5/240) :
” رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ خَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَسْعُودٍ وَهُوَ ثِقَةٌ ” .
وعبد الرحمن بن مسعود هذا ، ذكره ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (5/285) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ولم يوثقه إلا ابن حبان ، وهو معروف بالتساهل في التوثيق ، فإنه كثيرا ما يوثق المجهولين حتى الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه .
انظر : “الضعيفة” (1/80) ، وأيضا : ” الصحيحة ” ، الطبعة الجديدة (1/2/702-703) .
وهذا الراوي روى عنه ثقتان : جعفر بن إياس – كما في هذا الحديث – والبختري بن أبي البختري كما في “تهذيب الكمال” (4/22) .
وقال الحافظ في “تعجيل المنفعة” (1/813) :
” عبد الرحمن بن مسعود اليشكري عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما وعنه جعفر بن إياس وغيره ، وثقه ابن حبان ” .
فبِرواية الثقتين عنه ترتفع عنه جهالة العين ، ثم هو من التابعين ، فعند بعض العلماء كابن كثير وابن رجب أن من كان هذا حاله ولم يأت بما ينكر عليه فحديثه حسن ، راجع “إرواء الغليل” (3/309) .
وله شاهد رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (4190) و”الصغير” (564) والخطيب في “التاريخ” (11/577) من طريق دَاوُد بْن سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةً، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةً، وَقَضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ جَابِيًا، وَلَا عَرِيفًا، وَلَا شُرْطِيًّا ) .
قال الهيثمي في “المجمع” (5/233) :
” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ ، وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ لَمْ أَعْرِفْهُ ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ “انتهى .
وقد توبع معاوية بن الهيثم ، تابعه عبد الله بن أحمد بن شبوية عند الخطيب ، فانحصرت العلة في داود بن سليمان .
وهذا الحديث ضعفه الألباني في “الإرواء” (8/280) .
ثانيا :
إذا وثق بعض أهل العلم بالحديث راويا ، ولم يُحك توثيقه عن غيره : فإن كان هذا العالم معروفا بالحذق ، مشهودا له بالحفظ والعناية بالأسانيد ونقد الرجال ، ولا يعرف عنه التساهل في التوثيق؛ فهذا يقبل قوله في توثيق الراوي ، ويؤخذ به وإن تفرد بذلك ، مثل الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وإسحق بن راهويه والبخاري ومسلم والنسائي وأبي داود والدارقطني وأشباههم من الحفاظ المتقنين والنقاد الجهابذة .
وإن كان هذا العالم ممن عُرف عنه التساهل في التوثيق ، وأنه يوثق المجهولين ومن لا يعرف ، كابن حبان والحاكم والعجلي فإنه يُتوقف في قبول توثيق من وثقه حتى توجد قرائن تساعد على اعتماد توثيقه وقبول حديث هذا الراوي ، فإن كان معروفا بالطلب ، أو مشهورا بالفضل ، ولم يرو ما ينكر عليه ، ولم يأت عن المشاهير الحفاظ بما ينفرد به عن أصحابهم الملازمين لهم ، وقد ارتفعت عنه جهالة الحال برواية ثقتين عنه فأكثر ، وخاصة إذا كان من التابعين ، فمن كان هذا حاله ، وقد وثقه بعض من عُرف بالتساهل في التوثيق فحديثه مقبول حسن .
ثالثا : معنى الحديث :
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه سيأتي زمان على الناس يتأمّر عليهم فيه ويحكمهم من يقربون شرار الناس ، ممن يتابعونهم على أهوائهم ويطيعونهم فيما يأمرونهم به ، وهم مع ذلك يؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فيصلونها بعد وقتها ، ولا يحافظون عليها كما أمر الله ورسوله .
ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء ، وينهى من أدرك هؤلاء من أصحابه ، أن يكون لهم معينا على ما هم عليه من العصيان ، بل الواجب مجانبتهم ، وعدم الاختلاط بهم ، والدخول عليهم ؛ لما في ذلك من الفتنة والإعانة على الإثم والعدوان .
وقد بوّب لهذا الحديث ابن حبان رحمه الله في صحيحه (10 /446) بقوله : ” ذِكر الإخبار عما يجب على المرء عند ظهور أمراء السوء من مجانبتهم في الأحوال والأسباب ” .
وقوله : ( فلا يكونن لهم عريفا ) فالعريف : قال في “عون المعبود” (8/108) :
” هُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ ، يَلِي أُمُورَهُمْ وَيَتَعَرَّفُ الْأَمِيرُ مِنْهُ أَحْوَالَهُمْ ” .
وقال الحافظ في “الفتح” (6/601) :
” وسمي العريف عريفا لأنه يعرّف الإمام أحوال العسكر ” .
وقال أيضا (13/169) :
” وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم ، حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج ” انتهى .
وحال العرفاء مذموم إذا سعوا بين الإمام والرعية بما يفسد بينهم .
روى البخاري (6056) ومسلم (105) عَنْ حُذَيْفَةَ أنه قِيلَ لَهُ : إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ) .
وقوله : ( ولا شرطيا ) الشرطة معروفون ، وهم حفظة الأمن في البلاد ، الذين يجوبون الشوارع بالليل والنهار ويتفقدون أحوال الناس ، ولكنهم في دولة الظلم يظلمون الناس ويضربونهم ويأكلون أموالهم بغير الحق .
وقوله : ( ولا جابيا ) الجباة هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة وجمعها من الناس .
وهم العاملون عليها .
راجع “المجموع” (14 /92) ، “المغني” (7/317) .
وهم في دولة الظلم الذين يحصلون من الناس الضرائب والمكوس بغير الحق .
وقوله : ( ولا خازنا ) الخازن هو الذي يُخزن عنده المال ، أي : يُحفظ .
“شرح أبي داود للعيني” (6 /436) .
قال الشيخ عبد المحسن العباد :
” الخازن : هو الذي يكون قيماً على الشيء ، ويكون مؤتمناً على حفظه ، سواء كان الخازن مملوكاً ، أو كان مستأجراً لحفظ أي شيء ، والقيام عليه ، والإدخال فيه ، والإخراج منه ، فيكون مسئولاً عن المال الذي يخزن ” انتهى من “شرح سنن أبي داود” (9 /153) .
والخازن في دولة الظلم يكون قيما على هذا المال المجموع بغير حقه ، فيكون الخازن مشاركا للظالم في ظلمه معينا له عليه .
أما في دولة العدل فهو مشارك في الأجر والثواب ؛ فقد روى البخاري (2260) ومسلم (1023) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ ) .
فهؤلاء كلهم إنما ذم النبي صلى الله عليه وسلم حالهم ، ونهى عنه وعن التلبس به ، إن صح هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ، لما يقومون به من الظلم ؛ أما في حال العدل ، وظهور الخير : فهم محمودون غير مذمومين .
قال الشوكاني رحمه الله :
” الخبر الوارد في ذم العرفاء : لا يمنع العرفاء ؛ لأنه محمول – إن ثبت – على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ، ومجاوزة الحد ، وترك الإنصاف ، المفضي إلى الوقوع في المعصية ” . انتهى من نيل الأوطار (8/ 9) .
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
” وكذلك يقال في حديث (لا تكن لهم شرطياً ولا جابياً ولا عريفاً) : فهو محمول على كون ذلك في أمور الشر والظلم التي لا تجوز ، وأما في الخير فقد دل على الجواز الحديث ” .
انتهى من “شرح سنن أبي داود” (14 /277) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب