كنت فيما مضى من سنين أستقل حافلات النقل العمومي التابعة للدولة دون دفع ثمن تذكرة الركوب مدة ثلاث سنوات بمعدل رحلة واحدة في اليوم ( 750 رحلة ) وقيمتها 15000 ديناراً ، وقد ندمت على فعلي ، والآن أرغب في دفع المال الواجب عليَّ رده إلى الجهة المعنية ، فهل يكفي – مثلاً – دفع ثمن اشتراك لمدة شهر واحد 2000 ديناراً وهو لا يصل إلى المبلغ الإجمالي 15000 دينار الواجب عليَّ رده ؟ مع العلم أن النظام يسمح بعدد غير محدود من الرحلات اليومية خلال الشهر المشترك فيه وبالتالي يفوق عدد 750 رحلة التي قمت بها خارج الاشتراك ، أم أن العبرة بالقيمة وليس بعدد الرحلات وأنه يجب رد القيمة كاملة حتى ولو كان عدد الرحلات المسموح بها خلال الاشتراك غير محدود ؟
كيف يتوب من سافر بالحافلات العمومية ثلاث سنوات ولم يكن يدفع ثمن التذاكر ؟
السؤال: 180480
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ما فعلتَه – أخي السائل – من ركوبك في حافلات النقل العمومي وعدم دفعك ثمن تذاكر الركوب إثم مبين فيه غش وخيانة وأكل لحقوق الآخرين ، وهذا يقتضي منك توبة فيما بينك وبين ربك تعالى ومن تمام هذه التوبة إرجاع الحقوق إلى أهلها ، وغير خافٍ عليك أن الله تعالى لا يضره معصية الخلق ومع ذلك فهو يوفِّق العبد للتوبة ثم يفرح بها وهو الغني سبحانه وتعالى عن خلقه أجمعين ، فأول ما يجب عليك أن تتوب من معصيتك تلك لربِّك عز وجل فتندم على ما فعلتَ وتعزم على عدم العود لمثلها مع الاستغفار ، قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/ 53 ، وقال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/ 82 .
وأما فيما يتعلق بحقوق العباد فلا بدَّ من رد الحق لأصحابه بأسرع ما يمكن التائب إلا أن يتنازلوا ويصفحوا عن حقهم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ) رواه البخاري ( 6169 ) .
قال القرطبي – رحمه الله – : ” فإن كان الذنب من مظالم العباد : فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه – عينا كان أو غيره – إن كان قادراً عليه ، فإن لم يكن قادراً : فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه ” انتهى من ” تفسير القرطبي ” ( 18 / 200 ) .
وأما بخصوص ما ترتب في ذمتك من مال : فهو المبلغ الذي ذكرتَه أول الأمر وهو ( 15000 ) ديناراً وهو ثمن الرحلات لمدة ثلاث سنوات ، بمعدل رحلة كل يوم ، وليس لك أن تحسب ذلك الذي ترتب في ذمتك بالحساب الثاني ؛ للفرق بين من يسافر كل يوم برحلة ، ومن يكون له الحق في السفر طيلة اليوم بما شاء من رحلات ، فصورة العقدين مختلفة تماما ، وقد ثبت الحق في ذمتك بناء على الصورة الأولى : الانتفاع برحلة كل يوم ، دون أن تدخل في صورة الاشتراك الشهري .
وصورة الاشتراك الشهري هذه كانت تفيدك ، لو أنك دخلت في هذا الاشتراك ـ مثلا ـ وانتفعت به ، دون أن تدفع ثمنه .
والحاصل : أن الذي يجب عليك رده هو قيمة الرحلات التي ركبتها دون أن تدفع ثمنها .
ثم لا يشترط أن تعترف لهم على نفسك بما فعلتَه معهم ، ويكفيك التوبة وإرجاع المال لهم ، وانظر طريقة مناسبة يرجع فيها المال لهم دون تعريض نفسك للإحراج أو المساءلة القانونية ، والله يحفظك ويرعاك .
وإذا لم تجد مالا كافيا لدفع المبلغ كله ، فادفع ما تيسر لك ، ثم ادفع ما تبقى عليك ، كلما تيسر لك من المال ما تدفعه .
وانظر أجوبة الأسئلة ( 83099 ) و ( 31234 ) و ( 148902 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة