في إحدى المحاضرات الإسلامية سمعت أنه في زمن خلافة سيدنا علي رضي الله عنه كان هناك أناس يرمون أنفسهم في النار حبّاً له ، هؤلاء يفدون سيدنا علي رضي الله عنه بأنفسهم ، وهم – أيضاً – ارتبطوا به بشدة ، مما جعلهم يضرمون ناراً عظيمة ثم يرمون بأنفسهم فيها واحداً تلو الآخر ، نسيت السبب الذي من أجله فعلوا هذا ، ولكنهم فعلوه ، فهل هذه هي الحقيقة ؟
قصة تحريق علي بن أبي طالب لبعض الزنادقة
السؤال: 180609
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الذي يذكره الأخ السائل لا نعرفه في سيرة الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم نطلع عليه فيما وقفنا عليه من مصادر تاريخية ، ولعله حصل وهم من المحاضر أو من السامع ، والقصة الحقيقية هي : أن عليّاً رضي الله عنه حرَّق بعض الزنادقة الذي ادَّعوا له الألوهية ، وقد استتابهم حتى يرجعوا عن قولهم فأبوا ، فأمر بحفرة فأضرمت فيها النار ثم أحرقهم فيها ، وقد بلغ ذلك ابنَ عباس فأنكر عليه الحرق للنهي عنه ، ولم يُنكر عليه أصل قتلهم .
وقصةَ تحريق علي رضي الله عنه لهم قد رواها البخاري في صحيحه في موضعين :
الأول : رواه عن عكرمة – ( 2854 ) – : أنَّ عليًّا حرَّق قوماً ، فبلغ ابنَ عباس فقال : لو كنتُ أنا لم أحرِّقهم ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ( لا تُعذِّبوا بعذاب الله ) ولَقَتَلتُهم كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَن بدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) .
والثاني : عن عكرمة – ( 6524 ) – قال : أُتي عليٌّ بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابنَ عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرِّقهم ؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله ) ولَقتَلتُهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) .
وأما من طعن في الحديث من أجل عكرمة مولى ابن عباس ، فقد تكلم بهوى وجهل ؛ لأنه لم يثبت عليه ما يستحق رد حديثه .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : ” فأمَّا البدعة : فإن ثبتت عليه : فلا تضرُّ حديثَه ؛ لأنَّه لم يكن داعيةً ، مع أنَّها لم تثبت عليه ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 1 / 425 ) .
وتفصيل قولهم ، وتحريق علي رضي الله عنه لهم ، جاء بإسنادٍ حسَّنه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، وقد قال : ” وزعم أبو المظفر الإسفراييني في ” الملل والنِّحَل ” أنَّ الذين أحرقهم علي طائفةٌ من الروافض ادَّعوا فيه الإلهية ، وهم السبائية ، وكان كبيرُهم ” عبد الله بن سبأ ” يهوديًّا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة ، وهذا يمكن أن يكون أصله ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال : قيل لعلي : إنَّ هنا قوماً على باب المسجد يدَّعون أنَّك ربُّهم ! فدعاهم فقال لهم : ويلكم ما تقولون ؟! قالوا : أنت ربُّنا وخالقُنا ورازقنا ! فقال : ويلكم ! إنَّما أنا عبدٌ مثلُكم آكلُ الطعامَ كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعتُ اللهَ أثابَنِي إن شاء ، وإن عصيتُه خشيتُ أن يُعذِّبَني فاتَّقوا الله وارجعوا ، فأبَوا ، فلمَّا كان الغد غدوا عليه ، فجاء قنبر فقال : قد – والله – رجعوا يقولون ذلك الكلام ، فقال : أدخِلهم ، فقالوا كذلك ، فلمَّا كان الثالث قال : لئن قلتُم ذلك لأقتلنَّكم بأخبث قتلة ، فأبوا إلاَّ ذلك ، فقال : يا قنبر ! ائتني بفعلة معهم مرورهم ، فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر ، وقال : احفروا فأبعدوا في الأرض ، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود ، وقال : إنِّي طارحُكم فيها أو ترجعوا ، فأبوا أن يرجعوا ، فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال :
إنِّي إذا رأيت أمراً منكرا *** أوقدتُ ناري ودعوتُ قنبرا
وهذا سند حسن ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 12 / 270 ) .
وننبه إلى ورود بعض الروايات أن عليّاً رضي الله عنه لم يحرقهم ، وإنَّما دخَّن عليهم بدخان نار حتى ماتوا ، ولم يصح ذلك ، وروي أنه قتلهم أولاً ثم حرَّقهم ، ولم يصح ذلك أيضاً .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب