أريد أن أسأل عن شيء ألا وهو من أين أتت تسمية الحنابلة ؟
فبعض الناس يقول أنت حنبلى أو لا تكن حنبلياً ونحو ذلك ، وأي المصادر تنصحنى بها لكى أراجع هذه المسألة وتاريخها وكل شئ عنها ؟
نبذة مختصرة عن الحنابلة وتاريخهم
السؤال: 180903
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحنابلة هم أتباع المذهب الحنبلي ، وهم من فقهاء الأمة وعلمائها ، الذين لهم قدم صدق في دين الله ، سموا بذلك نسبة لإمامهم وقدوتهم إمام أهل السنة الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى صاحب المذهب .
وتاريخ الحنابلة تاريخ مشرق مشرف كانوا ولا يزالون يقومون في وجه الفساد والظلم وتخاذل السلطان يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وينشرون السنة ويحاربون البدعة ، فوقفوا في وجه المعتزلة دعاة التأويل المؤدي إلى تعطيل النص القرآني ، ووقفوا في وجه الروافض ومنكراتهم ونياحهم وبدعهم ، واصطدموا بالأشعرية في معارك كثيرة متعددة ، نصر الله فيها أهل السنة وأعلى قدرهم على أيدي الحنابلة ، مع ما كان يصيبهم في ذلك من البلاء والفتنة .
وكانوا من أشد الناس التزاما بالنص الشرعي لا يتعدونه .
وقد اشتهر عنهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال إسحاق بن أحمد العلثي الحنبلي رحمه الله : ” وما زال أصحابنا يجهرون بصريح الحق في كل وقت ولو ضُربوا بالسيوف ، لا يخافون في الله لومة لائم ، ولا يبالون بشناعة مشنع ، ولا كذب كاذب ، ولهم من الاسم العذب الهني ، وتركهم الدنيا وإعراضهم عنها اشتغالاً بالآخرة : ما هو معلوم معروف ” انتهى .
“ذيل طبقات الحنابلة” (ص 269) .
وكانوا ينكرون على الملوك والسلاطين والأمراء ، بل وعلى الخلفاء ، ويكتبون لهم في الأمر يرونه مخالفا للشرع ، ويقومون بالحسبة ، فداروا في الأسواق وأراقوا الخمور وحطموا آلات الطرب ، بحسب تقدير المصلحة والمفسدة في ذلك ، وكانوا مع ذلك كله زهادا فقراء لا يستشرفون إلى مناصب الدنيا .
وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي رحمه الله : ” كتب بعضُهم إلى أبي الوفاء بن عقيل يقول له : صِف لي أصحابَ الإمام أحمد على ما عرفت من الإنصاف.
فكتب إليه يقول: هُم قوْم خُشُنٌ ، تقَلّصتْ أخلاقهم عن المخالطة ، وغلظت طباعهم عن المداخلة ، وغلب عليهم الجدّ ، وقلَّ عندهم الهزل ، وغربتْ نفوسهم عن ذل المراءاة ، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات ، وتمسكوا بالظاهر تحرّجًا عن التأويل ، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة ، فلم يدققوا في العلوم الغامضة ، بل دققوا في الورع ، وأخذوا ما ظهر من العلوم ، وما وراء ذلك قالوا: الله أعلم بما فيها، من خشية باريها ، لم أحفظ على أحد منهم تشبيهًا ، إنما غلبت عليهم الشناعة لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من غير تأويل ولا إنكار، والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة محقة ، خالية من البدع ، سوى من سلك هذا الطريق ” انتهى من “ذيل طبقات الحنابلة” (ص 61) .
وكان أهم ما اتصفوا به التزامهم منهج السلف الصالح في كل شيء ، وخاصة في المسائل الاعتقادية كمسائل الأسماء والصفات ، فيثبتون لله تعالى أسماءه وصفاته من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَالْعَجَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ إذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ الصِّفَاتِ قَالَ : قَالَتْ الْحَنَابِلَةُ : إنَّ اللَّهَ : كَذَا وَكَذَا بِمَا فِيهِ تَشْنِيعٌ وَتَرْوِيجٌ لِبَاطِلِهِمْ وَالْحَنَابِلَةُ اقْتَفَوْا أَثَرَ السَّلَفِ وَسَارُوا بِسَيْرِهِمْ وَوَقَفُوا بِوُقُوفِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (4 /186) .
وكان فيهم من علماء الفقه والحديث والتفسير والعقيدة واللغة أئمة هدى وصلاح ، منهم أبو بكر الأثرم ، وأبو بكر المروزي ، وأبو بكر الخلال ، وأبو بكر عبد العزيز ، وأبو داود السجستاني ، وأبو الحسن التميمي ابن حامد ، وأبو يعلى ، وابن عقيل ، وأبو القاسم الخرقي ، وعبد الغني المقدسي ، وأبو محمد بن قدامة ، وغيرهم كثير لا يحصون كثرة .
وما يقال عنهم من التعصب والتشدد في دين الله غير صحيح ؛ فإنهم لما أرادوا انتهاج منهج السلف والعمل بمقتضى النصوص الشرعية ، وكان في مخالفيهم ميل إلى بعض الأهواء والشهوات ، اتهموهم بذلك بغيا وحسدا .
على أنهم في ذلك كله بشر من البشر ، لهم ما لهم ، وعليهم ما عليهم ، ليسوا بمعصومين .
والواجب على المسلم أن يُجلّ أهل العلم ويعرف لهم فضلهم وشرفهم ؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء ، سواء كانوا من المذهب الحنبلي أو غيره من مذاهب أهل السنة ، التي تعمل على نشر السنة وتطبيقها حسب قدراتهم واجتهاداتهم وما أدتهم إليه معرفتهم بالعلوم الشرعية .
ثانيا :
من الكتب التي تتحدث عن تاريخ الحنابلة وتراجمهم ، والتي ننصح بمراجعتها :
– “المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل” للعلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي ، وهو من أفضل الكتب في أصول المذهب والتعريف به باختصار .
– “طبقات الحنابلة” لابن أبي يعلى .
– “ذيل طبقات الحنابلة” لابن رجب الحنبلي .
– “سنوات الحنابلة” لعلي بن محمد آل بابطين ، وهو كتاب نافع جدا بخصوص هذا الموضوع
– “سير أعلام النبلاء” للحافظ شمس الدين الذهبي .
– “تاريخ الإسلام” للحافظ شمس الدين الذهبي .
– “البداية والنهاية” للعماد ابن كثير .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب