الحِكَم من عدم السماح للكافر بالتزوج من مسلمة ومن دخول الحرم
السؤال: 182199
زميلي بالعمل هندي , ناقشته في دينه ، طرح سؤالين : الأول : لماذا لا يستطيع دخول مكة ؟ والثاني : لماذا المسلم يستطيع الزواج من كتابية وليس من هندوسية مثلاً ؟ فأجبته بالنسبة للسؤال الثاني ؛ لأن المسلم يؤمن بالمسيحية واليهودية الأصلية وبنبيهما ! ولايؤمن بالهندوسية ، ولكن لم أعرف جواباً للسؤال الأول ! أفيدونا .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
مما لا شك فيه أن شريعة الله تعالى محكمة ، وأن فيها من الحكَم الجليلة في أحكامها
الشيء الكثير ، وبعض هذه الحكم ظاهرة وبعضها يحتاج لتأمل ، وبالنظر إلى أهل الكتاب
من اليهود والنصارى نجد أن الله تعالى قد اختصهم ببعض الأحكام ومنها : حل التزوج من
نسائهم دون غيرهم من الكفار ؛ وذلك للفرق بين من كان دينه في أصله من تشريع رب
العالمين ، ويؤمن بالله ، وبأنه له رسلا أرسلهم إلى عباده ، وكتبا أنزلها إليهم ،
ويؤمن بلقاء الله ، وبالبعث الآخر .
ففرق بين من كانت هذه حاله ، وبين من كان دينه ، من أصله وأساسه ، تشريعا أرضيا من
صنع البشر ، وللفرق بين التوحيد وهو أصل دين أهل الكتاب قبل أن يحرفوه ، وبين
الوثنية وهي أصل كثير من الأديان الأرضية ، ولذا فقد كان من الحكَم الجليلة إباحة
التزوج بالكتابيات رجاء إسلامهن ، وخاصة أن زوجها لن يؤذيها في عيسى وموسى عليهما
السلام ، بل لا يصح إسلام مسلم حتى يؤمن بهذين النبيين الكريمين ، ويوقرهما ، كما
يؤمن بغيرهما من أنبياء الله ويوقرهم . ولمَّا كانت القوامة للرجال ، وكانت النساء
على دين أزواجهن غالباً ، وكان أهل الكتاب لا يؤمنون بنبينا محمد صلى الله عليه
وسلم : رأينا الحكمة الجليلة في تحريم تزويج المسلمة لرجالهم ؛ لما يُخشى عليها من
تغيير دينها ، أو سماعها ما يؤذيها في نبيها ، وهي عنده أسيرة مستضعفة ، لا تملك –
في غالب أمرها – دفعا ، ولا تبقى بينهما راحة ولا هناءة .
قال الكاساني الحنفي – رحمه الله – : ” لا يجوز للمسلم أن ينكح المشركة ; لقوله
تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/ 221, ويجوز
أن ينكح الكتابية ; لقوله عز وجل : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) المائدة/ 5 ، والفرق : أن الأصل أنه لا يجوز للمسلم
أن ينكح الكافرة ; لأن ازدواج الكافرة والمخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا
يحصل السكن والمودة الذي هو قوام مقاصد النكاح ، إلا أنه يجوز نكاح الكتابية لرجاء
إسلامها ؛ لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة ، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل
بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته ، فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة
الأمر تنبهت وتأتي بالإيمان على التفصيل على حسب ما كانت أتت به في الجملة ، وهذا
هو الظاهر من حال التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطبع ، والزوج يدعوها
إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر ، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها ،
فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة ، بخلاف المشركة فإنها في اختيارها الشرك ما ثبت
أمرها على الحجة ، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك ” انتهى من ” بدائع الصنائع
” ( 3 / 1414 ) .
وفي ” مغني المحتاج ” ( 3 / 187 ) للخطيب الشربيني الشافعي – رحمه الله – : ” وقد
يقال باستحباب نكاحها – أي : الكتابية – إذا رُجي إسلامُها ، وقد روي أن عثمان رضي
الله تعالى عنه تزوج نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها .
وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية : ما يُرجى من ميلها إلى دين زوجها ؛
فإن الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهن على الآباء والأمهات ، ولهذا
حرِّمت المسلمة على المشرك ” انتهى .
ثانياً:
وكما أن في الإسلام أحكاماً يُقصد منها حماية المسلم في دينه – كمنع تزويج المسلمة
للكافر – فإن في أحكاما يقصد منها إظهار عزة الإسلام وعلوّه على غيره من الشرائع
السماوية المحرفة ، فضلا عن الشرائع الأرضية الباطلة ، ومن ذلك منع الكافر من دخول
بيت الله الحرام ، وهي من مسائل الخلاف عند العلماء ، وقد ذهب جمهور العلماء من
الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى تحريم دخول الكفار حدود الحرم ، ولو لمصلحة.
وذهب الحنفية إلى حصر المنع في موسم الحج دون غيره ، وأجازوا الدخول بصلح أو إذن
لأهل الذمة خاصة دون غيرهم ، ووافق المالكيةُ الجمهورَ في المنع ، إلا أنهم أجازوا
دخول الكفار لحدود الحرم – دون المسجد الحرام – إذا كان لمصلحة .
قال النووي – رحمه الله – : ” يُمنع كل كافر من دخوله ، مقيماً كان أو مارّاً ؛ هذا
مذهبنا ، ومذهب الجمهور ” انتهى من ” المجموع ” ( 7 / 465 ) .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 17 / 188 ، 189 ) : ” واختلفوا في اجتياز الكافر الحرم
بصفة مؤقتة ، فذهب الشافعية والحنابلة وهو قول عند المالكية : إلى منع دخول الكفار
إلى الحرم مطلقا ؛ لعموم الآية ، فإن أراد كافر الدخول إلى الحرم : مُنع منه ، فإن
كانت معه ميرة أو تجارة خرج إليه من يشتري منه ولم يترك هو يدخل ، وإن كان رسولا
إلى إمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته ويبلغها إياه ، فإن قال : لا بد لي من
لقاء الإمام وكانت المصلحة في ذلك : خرج إليه الإمام ، ولم يأذن له بالدخول … .
وقال الحنفية : لا يمنع الذمي من دخول الحرم ، ولا يتوقف جواز دخوله على إذن مسلم
ولو كان المسجد الحرام ” انتهى .
ومع اختلاف العلماء في دخول الكفار حدود الحرم فقد اتفقوا على تحريم سكنى الكفار
وإقامتهم في الحرم المكي ، فقد جاء في ” الموسوعة الفقهية ” ( 17 / 188 ) : ” اتفق
الفقهاء على أنه لا يجوز لغير المسلم السكنى والإقامة في الحرم لقوله تعالى : (
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا ) والمراد بالمسجد الحرام : الحرم ؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى بعده
( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) أي : إن
خفتم فقراً وضرراً بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان يحصل لكم بما يجلبونه إليكم من
المكاسب فسوف يغنيكم الله من فضله ، ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد والحرم ،
لا إلى المسجد نفسه ” انتهى .
وكل بلاد العالَم لها شروطها تحتم تحقيقها على مَن يدخلها ، وما المانع من كون
الحرم المكي من هذه الأماكن ؟! والفرق بين الأمرين أن الشروط في الأول من وضع البشر
، وأما في شأن الحرم المكي ، فالشرط المذكور فيه تشريع إلهي ؛ فأطهر بقعة على وجه
الأرض ، وأعظمها حرمة عند المسلمين ، وقبلة المسلمين ، والبلد الحرام ، ومنبع هداية
الناس … من المنطقي تماما أن يختص الشارع تلك البقعة بأحكام تظهر تميزها ومكانها
من القدسية والطهارة الشرعية ؛ فلا يدخله إلا طاهر من الشرك والإلحاد ، قال تعالى :
( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا ) التوبة/ 28 .
والله أعلم
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟