0 / 0
8,74517/10/2012

يخرج صدقته ويسأل الله أن لا يجزيه عليها في الدنيا ليكمل له الأجر في الآخرة

السؤال: 182642

أخرج مبلغا من المال شهريا صدقة في سبيل الله ، أسأل الله أن يتقبلها ، وكنت قد دعوت الله أن يجازيني عليها في الآخرة فقط ، وألا يعطيني عليها جزاء في الدنيا ، ليكون الأجر في الآخرة كله
، فهل هذه الدعوة حرام ؟ وهل هي من سوء الأدب مع الله ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
إن مما منّ الله به على عباده المسلمين أن تفضل عليهم وهداهم ووفقهم إلى العمل الصالح ، ثم وعد عليه الوعد الحسن في الدنيا والآخرة ؛ فقال تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) النحل/ 30 ، وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97.
قال ابن كثير رحمه الله :
” هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا – وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه – من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله ، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت” انتهى من “تفسير ابن كثير” (4 /601).

وقال تعالى : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) هود/ 3 .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فبين سبحانه أنه يُسعد المحسن بإحسانه في الدنيا وفي الآخرة ، كما أخبر أنه يُشقي المسيء بإساءته في الدنيا والآخرة ” انتهى من “إغاثة اللهفان” (1 /23) .

وقال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) النساء/ 134 .
قال ابن كثير :
” أي: يا من ليس هَمُّه إلا الدنيا ، اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة ، وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك ، كما قال تعالى: ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) البقرة/ 200-202 .
فقوله : ( فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) ظاهر في حضور الخير في الدنيا والآخرة ، أي: بيده هذا وهذا ، فلا يقْتَصِرَنَّ قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط ، بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة ، فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع ، وهو الله الذي لا إله إلا هو ، الذي قد قسم السعادة والشقاوة في الدنيا والآخرة بين الناس ” .
انتهى مختصرا من “تفسير ابن كثير” (2 /432) .

والحاصل أن فضل الله تعالى على عباده واسع ، في الدنيا والآخرة ، وهو سبحانه يجازيهم على حسناتهم وطاعاتهم ، بخير الدنيا والآخرة .
مع أن المشروع للعبد أن يطلب رضا ربه ، وما عنده من النعيم في الدار الآخرة ، وأن يكون همه في طاعته الدار الآخرة ، ولأجل ذلك يعمل ويطيع ، لكن لا يتحجر فضل الله الواسع ، ولا يطلب من ربه أن يحرمه خير الدنيا ؛ لأجل أن يدخر له الأجر في الآخرة ، بل المشروع ألا يطلب الدنيا بعمله الآخرة ، ولا يقصدها بذلك ، ثم ما آتاه الله منها ، فذلك فضل الله ، فليس له أن يتحجره ، ولا يضيق ما عند الله بدعائه ؛ فإن فضله واسع ، وخزائنه لا تنفد سبحانه . روى البخاري (4684) ومسلم (993) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ وَقَالَ : يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ) .

وقد قال الله تعالى في مدح عباده الطائعين ، وبيان اختلاف حالهم عن حال أهل الإعراض عنه ، والكفر به : ( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة/200-201 .
قال ابن كثير رحمه الله :
” ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَرْشَدَ إِلَى دُعَائه بَعْدَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ ، وذَمَّ مَنْ لَا يَسْأَلُهُ إِلَّا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ أُخْرَاهُ ، فَقَالَ: ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) أَيْ: مِنْ نَصِيب وَلَا حَظٍّ ، وتضمَّن هَذَا الذَّمُّ التَّنْفِيرَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَجِيئُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَامَ غَيث وَعَامَ خصْب وَعَامَ وَلَادٍ حَسَنٍ ، لَا يَذْكُرُونَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) وَكَانَ يَجِيءُ بَعَدَهُمْ آخَرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُونَ: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ( أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) وَلِهَذَا مَدَحَ مَنْ يَسْأَلُهُ لِلدُّنْيَا وَالْأُخْرَى ، فَقَالَ: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) فَجَمَعَتْ هَذِهِ الدعوةُ كلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا ، وصرَفت كُلَّ شَرٍّ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي الدُّنْيَا تشملُ كُلَّ مَطْلُوبٍ دُنْيَوِيٍّ، مِنْ عَافِيَةٍ ، وَدَارٍ رَحْبَةٍ ، وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ ، وَرِزْقٍ وَاسِعٍ ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ ، وَمَرْكَبٍ هَنِيءٍ ، وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عباراتُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا الْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ فَأَعْلَى ذَلِكَ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْأَمْنِ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ فِي العَرَصات ، وَتَيْسِيرِ الْحِسَابِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الصَالِحٍةِ ، وَأَمَّا النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ فَهُوَ يَقْتَضِي تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيَا، مِنَ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ وَالْآثَامِ وَتَرْكِ الشُّبَهَاتِ وَالْحَرَامِ .
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَنْ أُعْطِيَ قَلْبًا شَاكِرًا ، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَجَسَدًا صَابِرًا ، فَقَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَوُقِيَ عَذَابَ النَّارِ.
وَلِهَذَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِالتَّرْغِيبِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اللَّهم ربَّنا، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ” كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ ربَّنا، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وقنا عذاب النار) ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (1/558) .
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم (12702) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android