0 / 0

هل تنال المطلقة أجر الأرملة التي تربي أبناءها ؟

السؤال: 182682

سيدة بعد عدة سنوات من الزواج ابتلي زوجها بمرض عقلي الفصام أو ضلالات الاعتقاد ، وحاولت جاهدة علاجه إلا أنه كان يرفض العلاج باستماتة ، وغير مقتنع تماما بمرضه ، ولا يشعر به وهذا عرض ملازم للمرض ، وفشلت كل محاولاتها لرفض أهله إجباره على العلاج ، ولم تعد الحياة معه آمنة ، بل هدد حياتها بالخطر ، ثم طلقها ، وكان لديها طفلان صغيران ، فقامت بتربيتهما ، وحرصت على أن يصلا رحمهما ووالدهما وأسرته ، ولم تتزوج .
السؤال : هل تنال بإذن الله نفس أجر المرأة الأرملة التي تبادر الرسول صلي الله عليه وسلم عند باب الجنة ؛ لأنها قعدت على أيتام لها ، فقد تربى أبناها كالأيتام من فقد الأب ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
كثير من الناس يتكلف البحث عن الفضل الخاص وينسى الفضل العام الذي أكرم الله به جميع المؤمنين ، فقد وعد الله عز وجل جميع المسلمين بالأجر العظيم إن صبروا على الضراء ، ورضوا بما أصابهم من صروف الدنيا ونوائبها ، فقال سبحانه : ( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) هود/11، وقال عز وجل : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا . مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ) الإنسان/9-13.
فمن غير الحكمة أن نضيع هذه الأجور العامة العظيمة ، بحثا عن أجر خاص ورد في حديث معين ، قد لا يكون ثابتا ، وإن ثبت فقد يكون خاصا بالأرملة ولا تقاس عليه المطلقة .
ولهذا فوصيتنا لك أن تحتسبي أمرك عند الله ، وتشتغلي بتربية أبنائك وتنشئتهم النشأة الحسنة ، ولك من الله سبحانه على كل ساعة تقضينها في سبيل ذلك الثواب الجزيل ، زيادة على ما سبق لك من الصبر وتحمل البلاء الذي ابتلي به زوجك السابق .
ثانيا :
أما الأحاديث الواردة في فضل الأرملة التي تعزف عن الزواج للتفرغ لأيتامها فهي ضعيفة ولا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن نرجو لمن قعدت على أبنائها تنبتهم النبات الحسن أن ينالها الثواب الوارد إن كان صحيحا في نفس الأمر .
الحديث الأول :
عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ – وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى – امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ، حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَيْتَامِهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا ) .
سفعاء الخدين : هي التي تغير لونها إلى الكمودة والسواد من طول الإيمة وترك الزينة .
رواه البخاري في ” الأدب المفرد ” (رقم/141) وأحمد في ” المسند ” (39/432)، وأبو داود في ” السنن ” (5149)، وابن أبي الدنيا في ” النفقة على العيال ” (1/232)، والطبراني في ” المعجم الكبير ” (18/56) من طرق عن النهاس بن قهم ، قال حدثني شداد أبو عمار ، عن عوف بن مالك به .
قلنا : وهذا إسناد ضعيف بسبب النهاس بن قَهم ، فقد كان يحيى القطان يضعف حديثه ، وقال ابن معين : ليس هو بشيء ، وكذا قال أبو حاتم ، وضعفه أبو داود والنسائي ، وقال ابن عدي : وأحاديثه مما ينفرد به عن الثقات لا يتابع عليه ، وقال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير ، ويخالف الثقات ، لا يجوز الاحتجاج به ، وقال الدارقطني : مضطرب الحديث . انظر ترجمته في ” تهذيب التهذيب ” (10/426) .
وفيه علة أخرى أيضا هي الانقطاع بين شداد أبي عمار وعوف بن مالك ، فقد قال صالح جزرة إنه لم يسمع منه . انظر : ” تهذيب التهذيب ” (4/317) .
لذلك ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في ” ضعيف أبي داود ” ، وفي ” السلسلة الضعيفة ” (رقم/1122) وغيرها .
الحديث الثاني :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أنا أول من يفتح باب الجنة ، إلا أني أرى امرأة تبادرني ، فأقول لها : ما لك ومن أنت ؟!
فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي ) .
رواه أبو يعلى في ” المسند ” (12/7)، والخطيب البغدادي في ” المتفق والمفترق ” (2/1091)، والديلمي في ” الفردوس ” (1/34) من طريق عبد السلام بن عجلان الهجيمي ، حدثنا أبو عثمان النهدي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه به .

وهذا إسناد ضعيف أيضا بسبب عبد السلام بن عجلان ، فقد قال فيه أبو حاتم : ” شيخ بصري يكتب حديثه ” انتهى من ” الجرح والتعديل ” (6/46)، وقال ابن حبان : ” يخطئ ويخالف ” انتهى من ” الثقات ” (7/127) .
فمثله ، ما دام لم يوثق ، لا يقبل تفرده بحديث ؛ بل نص النقاد على أنه يخطئ ويخالف ، لذلك ضعفه البوصيري في ” إتحاف الخيرة ” (5/488)، والألباني في ” ضعيف الترغيب والترهيب ” (2/81) وفي ” السلسلة الضعيفة ” (5374) .
ورواه الخرائطي في ” مكارم الأخلاق ” (ص/212) قال : حدثنا نصر بن داود الخلنجي، حدثنا سهل بن بكار ، حدثنا عبد السلام أبو الخليل ، عن أبي يزيد المدني ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ آدَمَيٍّ الْجَنَّةَ يَدْخُلُهَا قَبْلِي ، غَيْرَ أَنِّي أَنْظُرُ عَنْ يَمِينِي ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَقُولُ : مَا لِهَذِهِ تُبَادِرُنِي ؟ فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ، هَذِهِ امْرَأَةٌ كَانَتْ حَسْنَاءَ جَمْلَاءَ ، وَكَانَ عَلَيْهَا يَتَامَى لَهَا ، فَصَبَرْتَ عَلَيْهِنَّ حَتَّى بَلَغَ أَمَرُهُنَّ الَّذِي بَلَغَ ؛ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهَا ذَاكَ ) .
وقد قال الشيخ الألباني رحمه الله عن إسناد الخرائطي هذا إنه إسناد أبي يعلى نفسه ، وأن الخطأ وقع من عبد السلام فقال : ” عن أبي يزيد المدني ” بدلا من ” أبي عثمان النهدي “، فقال : ” لعله من سوء حفظ عبد السلام نفسه ” انتهى من ” السلسلة الضعيفة ” (11/625).
وقال الحافظ العراقي عن رواية الخرائطي هذه :
” سنده ضعيف ” انتهى بتصرف من ” تخريج الإحياء ” (1/500) .

الحديث الثالث :
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله : واصل الرحم ، يزيد الله في رزقه ويمد في أجله ، وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا ، فقالت : لا أتزوج ، أقيم على أيتامي حتى يموتوا أو يغنيهم الله ، وعبد صنع طعاما فأضاف ضيفه وأحسن نفقته ، فدعا عليه اليتيم والمسكين ، فأطعمهم لوجه الله تعالى ) .
رواه الديلمي في ” الفردوس ” (2/99) ، وعزاه في ” الجامع الصغير ” لأبي الشيخ في ” الثواب “، والأصبهاني في ” الترغيب “، ولم نقف على إسناده فيهما .
ولكن قال الشيخ الألباني رحمه الله :
” ضعيف جدا ” انتهى من ” ضعيف الجامع ” (رقم/2580)، وكذا في ” السلسلة الضعيفة ” (رقم/3437) بسبب يزيد الرقاشي .

والحاصل : أن الحديث ضعيف لا يصح ، لكن ضعفه يسير، ليس بالشديد ولا بالمنكر ، بل إن بعض المحدثين حسن إسناده ، كما فعل المنذري في ” الترغيب والترهيب ” (3/236).
ومعنى ذلك أنه لا حرج على الأرملة التي قعدت على أيتامها أن تحتسب هذا الأجر الوارد في الحديث ، لعل الله عز وجل يكتبه لها ، ولكن من غير اعتقاد نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
أما المطلَّقة فلم يرد فيها هذا الفضل ، فالأولى السكوت عن ذلك ، واحتساب أجر الصبر الذي وعد الله به جميع الصابرين ، وأجر تربية الأبناء الذي يكتبه الله عز وجل للمربين الصالحين .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android